غزّة أرضيّة (6)

علي هيبي

تاريخ النشر: 13/01/24 | 9:59

التّهجيرَ التّهجيرْ
إيّاكُمُ الوثوقَ باللّغةِ والقبولَ بالإغراءِ
وإيّاكُمْ منَ منمّقِ الكلامِ
أوِ الخوفَ منَ مدافعِ التّحذيرْ
فالتّهجيرُ باختصارٍ
يا أحبّتي هوَ بئسَ لعنةٌ منَ المصيرْ
التّدميرُ إنْ طالَ أوِ امتدَّ
غيمةٌ عابرة
وغزّةُ الأبيّةُ أمّةٌ صامدةٌ
مقاومةٌ واثقةٌ الخطى وصابرة
التّدميرُ يا أخوتي
هوَ حبلُ صرّةِ الولادةِ
حبلُ النّجاةِ والإرادة
لإعادةِ التّعميرْ
والعمارُ الوطنيُّ
منْ ذرّاتِ عشقِنا
منْ لَبِناتِ أرواحِنا
منْ حجارةِ صمودِنا وماءِ صبرِنا
منْ حياةِ موتِنا
ومنْ نشورِ قبرِنا
التّدميرُ والتّعميرْ
هما الطّريقُ نحوَ الغدِ الكبيرِ
والتّحريرْ
وهوَ نعمَ بهجةٌ منَ المصيرْ

الدّيناصور

منْ أيِّ العصورْ
أتيْتَ أيُّها الدّيناصورْ
أمسِ البعيدِ
حاربْتَ طواحينَ الهواءْ
فكانَتْ رياحًا وصرْتَ هباءْ
أمسِ القريبِ
حاربْتَ الطّعامَ والخيامَ
وقصفْتَ الشّراشفَ والألحفة
واليومَ هدّمْتَ البيوتَ
وجرّفْتَ الشّوارعَ
وحرثْتَ الأرصفة
وغدًا ماذا تحاربُ
المشافيَ والضماداتِ والأغلفة
أمِ المكتباتِ والمدارسَ
أمْ ستنهبُ المصارفَ
وكنوزَ الأرشفة
أمْ عجينَ المخابزِ
وكمْ منْ مجازرَ سترتكبُ
في دمِ الطّينِ وماءِ الأرغفة
قسمًا سيخرجونَ لكْ
منْ خيوطِ الشّراشفِ
ومنْ بينَ الملاحفِ والألحفة
منَ النَفقِ العنكبوتيِّ
ومن نزيفِ دمِ الأرصفة
منْ جراحاتِ فَراشِ الطّفولةِ
لمْ تجدْ ورودَ ضماداتِها
ولا مرهمَ الأغلفة
منْ قوتِ نارِ المخابزِ
ومنْ وهجِ الرّمضاءِ والطّينِ
وعجينِ المعاناةِ
ومنْ شعاعِ البخارِ السّاخنِ للأرغفة
فكلْ ما شئْتَ أيُّها الدّيناصورْ
يا ابنَ حجريِّ العصورْ
منَ الصّواريخِ الموجّهةِ
والكمائنِ وعبوّاتِها النّاسفة
لنْ تنالَ إلّا هباءْ
يا ديناصورَ الزّمانِ الجديدِ
مهما قاتلْتَ منْ طواحينِ أضغاثِكَ اللّاهثة
هلْ ستنتقلُ لمرحلةٍ ثالثة
أياديك الهادمةُ العابثة
كالثّانيةِ والأولى ستدورُ الدّوائرُ
على طواحينِكَ البائدة
قبضَ ريحٍ بلا فائدة
ولكنّكَ في العشاءِ الأخيرِ
ستكونُ يهوذا
وتقبضُ لجينَ الخيانةِ
وقدْ تسرقُ المائدة

مدينةُ الغضاب

في أدبيّاتِ القرنِ السّابقِ
قرأْتُ عنِ الغضبِ السّاطعْ
في حربِ القرنِ الحاضرِ
رأيْتُ سطوعَ الغضبِ
في غزّةَ رأيَ العينِ
ولمسْتُهُ لمسَ اليدِ
في عينيْ يافعْ
في وجهٍ مغبرٍّ دامعْ
وذقْتُهُ حلوَ الطّعمِ
كأمرٍ واقعْ

مرحى … مرحى

يا للإنجازِ الممتازْ
هدموا المخبزَ
ومزجوا الفوسفورَ الأسودَ
بترابِ عجينِ الطَينِ الأبيضِ
وحرقوا الخبزَ
وقتلوا الخبّازْ
فمرحى لهذا الإنجازْ
الممتازْ

يا للنّصرِ السّاحقْ
بعدَ ليالٍ طالَتْ في الإجرامِ
كسروا الكاميرا
سرقوا الصّورةَ والأرشيفْ
ليطمسوا الحقائقَ والمعالمَ
ويجترّوا الكذِبَ وصدقَ الزّيفْ
وقتلوا فريقَ التّصويرْ
وكمّوا صوتَ فريقِ الإعلامِ
وماتَ الصّحفيّونَ وماتَ التّعبيرْ
تحتَ دويِّ القصفِ الماحقْ
فمرحى لهذا النّصرِ النوعيِّ
السّاحقْ

يا للنّصرِ الفائقْ
قصفْتُمْ سيّاراتِ الإسعافِ
ودمّرْتُمْ طاولةَ التّمريضْ
وقتلْتُمُ الطّفلَ المحمولَ عليْها
وحرقْتُمُ أغطيةَ المرضى البيضْ
وطفلًا أخرَ
قدْ لُفَّ بها فاحترقَ
واحترقَ السّائقْ
فمرحى لهذا النّصرِ الباهرِ
والفائقْ

كونٌ جديد

كلُّ المدنِ في هذي الأرضِ
بناتُ التّاريخْ
وأنتِ وحدَكِ يا غزّةُ
أمُّ الأرضِ وأمُّ التّاريخْ
أمجادُكِ أرحبُ منْ كلِّ الأرضِ
ضاقَتْ ذرعًا هذي الأرضُ
فترامَيْ وانتفضي
يا أمَّ التّاريخْ
وابني أمجادًا للأمّةِ
فوقَ المرّيخْ

على طريق القدس

فرحْ
قتلْتَها لكنّها لمْ تمتْ
ما زالَتْ تمسكُ آلتَها
وتبعثُ في ملامحِ الكلماتِ
بسماتٍ تصبُّ في الحروفِ
ألوانَ المرحْ
قتلْتَ الصّحافة
قتلْتَ الثّقافةَ
لكنَّكَ أيُّها القبيحُ
لمْ تقتلْ أناقةَ النّظافة
قتلْتَ فينا حسَّ الهناءْ
وقتلّتَ فينا روحَ النّقاءْ
وكلَّ أنواعِ الفرحْ
إلّا فرحْ
ربيعْ
قتلْتَهُ لكنَّهُ لمْ يمتْ
الكاميرا ما زالَتْ
تروي صورًا حيّة
منْ بينِ يدِيهْ
وتجري طهرًا منْ عينيهْ
صورًا منْ إجرامِ يديْكَ
وجوهًا تدمى منْكَ إليْهْ
قتلْتَ فينا غضَّ الشّبابْ
قتلْتَ عبيرَ الورودِ
قتلْتَ قوسَ الفَراشِ المزركشِ
قتلْتَ فينا ريحَ جمالِ التّرابْ
قتلْتَ كلَّ جوٍّ بديعْ
قتلْتَ الفصولَ
إلّا ربيعْ
عرس
زفّوا الشّهيدَ إلى الشّهيدة
زفّوا القناةَ إلى الجريدة
زفّوا الإعلامَ الصّادقِ
للوعدِ الصّادقْ
زفّوا الأياديَ للبنادقْ
والأنفاقَ زفّوا للخنادقْ
زفّوا السّلاحَ إلى الكفاحْ
زفّوا الشّفاءَ منَ “الشّفاءِ”
إلى الجراحِ
زفّوا المقاتلَ الجريحَ
إذا القلبُ انجرحْ
التأمَ الجرحُ
والصّدرُ انشرحْ
زفّوا الرّبيعَ إلى الفرحْ
عهد
قسمًا بكلِّ مذهبٍ ودينْ
عهدًا سنبقى
لصورةِ ربيعٍ
لجمالِ صدقِ فرحَ
ولوطنيّةِ “الميادينْ”
سنبقى ثابتينَ صامدينْ
في كلّ ميدانٍ
غدُنا يبدأُ اليومَ
وسنبقى متجذّرينْ
كعمقِ البذورْ
في بطنِ هذا التّرابِ
لتنموَ الجذورْ
وإنْ متْنا نمُتْ
كالأشجارِ واقفينْ
في وجهِ عتوِّ الرّياحِ
صامدينْ
في جبهاتِ القتالِ المقدّسِ
عندّ خطوطِ النّارِ
مهما تعالَتْ
في الميادينْ
وسنبقى كبسمةِ الفرحِ
كلونِ الرّبيعِ خالدينْ

الفرح

يخرجونَ منَ السّجونْ
يخرجونْ
يرفعونَ إصبعًا للخلفِ
نحوَ مَنْ شيّدَ السّجونْ
ودكَّ المدارسَ بالمدافعِ
وسدَّ بالفوسفور روضاتِ المرحْ
ويرفعونَ إصبعيْنِ للأمامْ
وأنتَ يا سجّانُ
أتمنعُ اللّقاءَ بالحرّيّةِ
بعدَما البابُ انفتحْ
وعندَما القلبُ انشرحْ
أتريدُ يا قائدَ الجنودْ
يا معتوهُ يا عربيدُ
يا حقودْ
أنْ تمنعَ أمًّا
قلبُها منْ زمانِ الفراقِ انجرحْ
منْ احتضانِ ابنِها
في لحظةٍ منْ عرسِ التّحرّرِ
والكرامةِ والفرحْ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة