“كيف ننجح”

حسن عبادي-نابلس/حيفا

تاريخ النشر: 08/08/23 | 7:42

اسمحوا لي بداية أن أشكر القيّمين على هذا الحفل المغاير ودعوتي لأكون معكم وبينكم؛

كما وأشكر العزيز ياسر على هذه اللمّة؛
ضمن مشروعي التواصليّ مع أسرى يكتبون، التقيت الأسير ياسر محمود علي أبو بكر ذات صباح في سجن “الجلبوع”؛ مباشرة بعد لقائي بباسم ووليد، أزاح كمّامته فواجهتني ابتسامة سرمديّة خفّفت من ارتباك اللقاء الأوّل بين غرباء.
تحدّثنا حول “مركز دراسات الحريّة للأسرى” الذي تأسّس حديثًا ودوره في مأسسة دراسات وأبحاث وإبداعات الأسرى في السجون، وأهميّة إيصال صوتهم ليتنفّس عبر القضبان رُغم السجّان وقيوده.

تناولنا وضع الحركة الأسيرة والفساد المستشري والإصدار الذي أشرف عليه “أشكال الفساد ومخاطره على حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في سجون الاحتلال ووسائل علاجه”.

حدّثني عن مصاعب نشر كتابات الأسرى وتقصيرنا المؤسّساتي بدعمها وشُحّ مصادر تمويلها، وفرحة الأسير وسعادته حين يُصدر كتابًا.

بدأ “العدَد” المقيت، خيّرتني السجّانة بين إنهاء الزيارة بعد ثلث ساعة أو البقاء ساعة أخرى حتّى انتهاء مراسيم العدَد وطقوسه فآثرت بغبطة تمديد وقت اللقاء فحضر بيننا الأصدقاء حسام شاهين، عبد الرحيم الشيخ، عقل صلاح، عبد الغني سلامة وآخرين.

حدّثني عن فرحة الأسير بتلقّيه رسالة من الخارج لتصير مُلكًا عامًا، فلا خصوصيّة في السجن، وأتتني فكرة مبادرة جديدة بدأت تتبلور في ذهني، ومنها انطلقت مبادرة “لكلّ أسير رسالة”.
كان اللقاء مغايرًا ذا أبعاد أخرى.
ما يميّز ياسر أنّه بعيد كلّ البعد عن النرجسيّة والأنانيّة القاتلة المدمِّرة، يحثّ زملاء الأسر على القراءة والتعلّم والكتابة الإبداعيّة ودائماً يتوجه بطلب العون وتقديم المساعدة ولم يتوجّه لي حتى اليوم بطلب شخصيّ واحد!!
بعد لقاء في جنين على هامش ندوة تتعلّق بأدب الحريّة في مدرسة بنات رابا الثانوية، استلمت هديّة نسخة من كتاب “كيف ننجح 3 4 5” للصديق الأسير ياسر أبو بكر (سلسلة دراسات، برعاية مركز دراسات الحرية للأسرى، عمادة البحث العلمي والدراسات في سجون الاحتلال).

الجزء الأول بعنوان “النمط القيادي السائد في حركة فتح (رؤية الأسرى الفتحاويون)، إعداد الأسرى ياسر أبو بكر وراتب حريبات ومحمد اليَدَك.

هدفت الدراسة إلى التعرّف على النمط القيادي السائد في حركة فتح وفقًا لنظرية الشبكة الإدارية والتعرّف على أهم صفات عناصر القيادة ومعرفة دور متغيرات العمر وسنوات الاعتقال والمؤهل العلمي وتأثيرها على تقديرات الأسرى للنّمط القيادي السائد.

الجزء الثاني بعنوان “الانتماء ما بين الصعود والهبوط” (مستوى الانتماء التنظيمي عند أعضاء حركة فتح الأسرى في سجون الاحتلال)، إعداد الأسيرين محمد غازي اليَدَك وعبد السلام عبد الله إعمر.
هدفت الدراسة إلى معرفة مستوى الانتماء التنظيمي عند أعضاء حركة فتح الأسرى في سجون الاحتلال، ومعرفة دور بعض المتغيرات على مستوى الانتماء لديهم.

أما الجزء الثالث بعنوان “صفات وكفاءات الكادر التنظيمي الفعّال” (رؤية الأسرى الفتحاويين)، إعداد الأسيرين رامي نور وراتب عبد اللطيف حريبات.

هدفت الدراسة الميدانية إلى التعرف على أهم صفات وكفاءات الكادر التنظيمي الفعّال من وجهة نظر الأسرى.
ما يميّز الكتاب مهنيّته ومصداقيّته وجرأته؛ كتب دراسة علميّة جريئة وغير مسبوقة؛
طرح مشكلة كلّ من الدراسات وأهميّتها، الأدب النظري لكلّ منها، منهجيّتها وإجراءاتها، عرض نتائج كلّ دراسة ومناقشاتها، والأهم من ذلك الاستنتاجات والتوصيات بجرأة يُحسد عليها، وجدت اقتباسات بشكل علميّ مُمنهج، واستبانات علميّة، وإدراج المصادر والمراجع (رُغم شُحّها) ولكنها زادت البحث والإصدار أمانةً ومصداقيّةً.
يوصي ياسر بوضع كل القادة والمسؤولين تحت اختبار الأداء الجيد، والتغذية الراجعة والتقييم والتقويم من العمليات القيادية المهمة التي يجب العمل على تشجيعها وتوفير الأجواء المناسبة لها وخلق روح التعاون فيها بالتزامن مع دورية عقد جلسات النقد والنقد الذاتي وبالشكل الذي يجعل منها جلسات في العصف الذهني والفكري المُطلِق للمبادرات والإبداعات والساعي لتصحيح الأخطاء ووضع التصورات المستقبلية التي تؤدي لتطوير الحركة وأدائها ورفع مكانتها وتعزيز انتماء الأعضاء والجماهير لها.
كما ويوصي، بناءً على البحث والاستنتاجات، بدعوة حركة فتح للعمل على تعزيز الانتماء عند أعضائها، وإجراء مراجعة واعية لبرامجها وسياساتها على وجه الخصوص وفي إطار الكل الفتحاوي، إحياء قواعد المسلكيّة الثوريّة ودعوة القادة للنزول إلى الشارع الفتحاوي والاحتكاك المباشر بالأعضاء والكوادر وجمهور المناصرين لتغيير الصور السلبية تجاه القادة.
وأخيراً يصل إلى ضرورة اعتماد استراتيجية وطنية مستدامة ومتكاملة نحو تحقيق تغير ثقافي واجتماعي اتجاه القضايا التي تبرر للمسؤول عدم فعاليته في تحقيق الأهداف الوطنية وتضمن استمراره في المسؤولية بالرغم من عدم كفاءته وفساده.

باتت الكتابة عند أسرانا متنفّسًا يخترق جدران الزنازين، تجعلهم يحلمون ويتنفّسون حريّة، تعبر قضبان السجن وزنازينه، تشقّ طريقها عبر نفق من الحريّة لتحلّق في سماء الحريّة المنشودة.

وصلتني في السنوات الأخيرة مئات الكتب، ومن أجملها حين يصلني إهداء من أسير؛ كتب لي العزيز ياسر في الإهداء: “إهداء مقدم من الأسير ياسر أبو بكر إلى الاستاذ حسن عبادي المحترم مع خالص الحب والتقدير. ياسر أبو بكر/سجن رامون”.

وأخيراً؛

مبارك لك وشكرًا لك ياسر على هذا المولود؛

جئتك من أعالي الكرمل، لأبارك (باسمي وباسم زوجتي سميرة) لنا ولك هذا المولود، وبين أهلك وفي بلدك الذي يشكّل شوكة في حلق المحتلّ؛ ويرافقني الفنّان التشكيلي جميل عمرية الذي جهّز بوتقة لصهر مفاتيح الزنازين لنصنع منها تمثال حريّة الأسير الفلسطيني،

حاملًا تحيّات وتبريكات الأصدقاء الأسرى بمناسبة إصدار الكتاب،

وبالمناسبة وصلتني برقيّة من الصديق الأسير حسام زهدي شاهين (باسم الحركة الأسيرة) وجاء فيها:

“عند الكتابة عن ياسر أبوبكر الطاقة الثورية والثقافية والفكرية المتجددة، يتساءل المراقب من بعيد محتاراً، من أين يأتي هذا الإنسان بكل هذه القوة وهذا الجلد؟ من أين يستمد عزيمته ومثابرته على الاستمرارية رغم كل العقبات والمعيقات الذاتية والموضوعية؟ ولكن ما أن تقترب من ياسر الجوهر والفكرة، حتى تجد نفسك أمام شخصية كاريزماتية قيادية حباها الله بموهبة اجتماعية، فيها من خصال التضحية والمحبة ما يجعلها قريبة من القلب حتى لو تباينت فيما بينك وبينها الأفكار واختلفت الأراء.

تختلف معه وأنت تبتسم بعيداً عن التوتر والمناكفة، وتستمتع في محاورته المبنية على المحاججة العقلية لا على الأفكار المتصلبة والخشبية الصماء، فأن تحظى حركة فتح بأمثال ياسر العطاء الذي نتعلم منه دروساً في المنهج الثوري السليم هو مكسب حقيقي وثروة بشرية وفكرية تعكس وجه فتح الأجمل فيما بين الجماهير، وها هو اليوم يوجه ويخاطب وينظر ويثقف ويوعي من خلال كتابه “كيف ننجح” بكل ما يمنحنا حُب الانتماء للوطن، والاستعداد الدائم للتضحية في سبيل فلسطين، فياسر ينتمي لفلسطين أرضاً وشعباً وهوية، ولأمته العربية والإسلامية روحاً وجذوراً، ولإنسانيته العالمية بكل قيمها الأخلاقية المشتركة، وهذا الانتماء النقي والطاهر هو نبع قوته وسرها في آن.”

وكذلك تحيّات الزملاء في التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين،

والزملاء في مبادرة “أسرى يكتبون” مع رابطة الكتّاب الأردنيّين،
كلمة لا بدّ منها؛
الاهتمام بأسرانا أقلّ الواجب تجاه تضحياتهم،
نلمس في الآونة الأخيرة اهتماماً أكبر في أدب الحريّة، وهذا مبارك جداً،
وآخرها مقالة نقديّة للكاتب اللبناني عفيف قاووق حول رواية معبد الغريب للأسير رائد الشافعي عَنوَنها: “أدب الحريّة يولد من قمع السجّان”؛
ومن على هذه المنصّة أعلن عن مبادرة جديدة لمؤسسة كل العرب في باريس، الإعداد لإصدار كتاب يتضمّن كتابات الأسرى في السجون الصهيونية وسيكون برقم إيداع فرنسي ودولي ويتم إشهاره في احتفالية كبرى في باريس، وآمل أن تكون بحضور الأسرى المشاركين وهم أحرار.
نعم؛ الحريّة خير علاج للأسير.

لك عزيزي ياسر أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة، على أمل لقاء قريب في فضاء الحريّة.

*** مداخلتي في حفل إطلاق كتاب “كيف ننجح” يوم الأحد 06.08.2023 في قاعة مركز حمدي منكو الثقافي في نابلس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة