أفراح اجتماعية.. أحزان اقتصادية

تاريخ النشر: 27/04/14 | 10:34

الزواج ضرورة لحفظ النسل كأحد المقاصد التي جاءت الشريعة لتحقيقها، ولضمان تحقيق ذلك فقد قضت حكمة الخالق سبحانه أن يكون حفظ النسل مربوط بغريزة فطرية دافعة، كما قضت حكمته تعالى أن لا تبقى هذه الغريزة الضرورية سائبة غير مضبوطة، فكان الزواج سنة نبوية: “… فمن رغب عن سنتي فليس مني”. ولما كان الإنسان مخلوقا فريدا ومتميزا، فقد اشتملت فطرته أيضا على ميول تجنح به دائما نحو التحسين والتزيين، وما العرس كحفل للزواج إلا نتاجا لسعي الإنسان الدائم نحو التحسين والتزيين.
فليس السعي الفطري للتحسين والتزيين مما يقدح بخُلِق الإنسان ودينه، لا أبدا: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق…)، إنما الذي يقدح بذلك هو مجاوزة الحد بالإسراف والتبذير والتفاخر. ولما كان التقليد في العادات الاجتماعية أمرا واضحا وثابتا، فقد بتنا نلحظ بشكل بارز ترسّخ عادات وسلوكيات وإن بدت متنوعة في شكلها إلا أن جوهرها واحد وهو التوسع المفرط في نفقات العرس ومصروفاته، فانتقل التبذير والإسراف من عرس لآخر حتى غدا مظهرا ملازما للعرس وجزءا لا يتجزأ منه، فسلبيات التبذير والإسراف سلبيات متعدية لا تقتصر على صاحبها فقط، وقد يرقى التبذير والإسراف ليصبح سنة سيئة يحمل صاحبها وزرها ووزر من قلّده بها. ولعلّ ما يزيد من خطورة هذا الأمر أننا نعيش في مجتمع تتفاوت في الدخول، فكما أن بيننا ميسورين قادرين، فإن بيننا كذلك فقراء لا يقدرون بذاتهم، مما سيدفع بهم تحت وطأة التقليد إلى الحل الأسهل في هذا العصر وهو “الاستفادة” من وفرة التمويل الذي تقدمه البنوك. وقد رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تحذيره من التوسع في الاستهلاك حرصا على مشاعر من لا يقدر على مثل هذا التوسع: “… أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه على جاره أو ابن عمه، أين تذهب عنكم هذه الآية :… أذهبتم طيباتكم في الحياة الدنيا…”، ولعل هذا التحذير يزداد عندما نكون بصدد تبذير وإسراف نتيجته تقليد تموّله بنوك!.
ومن نتائج هذا التوسع المفرط في نفقات الأعراس، ارتفاع مطرد في “النقوط”، الذي تحوّل من أداة تكافل اجتماعي نافعة إلى أداة تمويل لهذا التوسع الاستهلاكي المفرط.
في الأوضاع الطبيعية، النشاط الاستهلاكي مفيد للاقتصاد لأنه يدفع عجلة الإنتاج قدما، فالإنتاج مصدر للتشغيل والتوظيف والدخول، وعندها يكون “النقوط” معززا للقوة الاستهلاكية، ولكن في حالتنا نحن كمجتمع استهلاكي يستهلك منتجات الآخرين فإن التوسّع الاستهلاكي ضار بنا نافع لغيرنا: أمّا أنه ضار بنا فلأنه يمنع تراكم الادّخار المطلوب من أجل تمويل الاستثمار اللازم لتطوير اقتصادنا، وأمّا أنه نافع لغيرنا فلأنه تصريف لسلع المنتج أو المستورد الذي غالبا ما يكون من خارج مجتمعنا، ولأنه أيضا توسّع مموّل بديون بنكية.
لمواجهة أوضاع اقتصادية خاصة لا بد من عادات اجتماعية خاصة تخفف من حدة هذه الأوضاع، فهذا هو نهج المجتمعات الحيّة دائما، فليس من المنطق أن ننشد تغيّر أحوالنا وتطور اقتصادنا ثم لا نُتبع هذه الأماني فعلا واعيا ومريدا، فأضعف الإيمان -كما يقال- أن نرشّد استهلاكنا عموما، ومنها الإنفاق على الأعراس، علّها تكون أفراحا اجتماعية خاصة تؤسّس لأفراح اقتصادية عامة.

يوسف عرسان عواودة – مدير جمعية إعمار للتنمية والتطوير الاقتصادي

3wawdh

‫2 تعليقات

  1. صدقت اخي وزميلي يوسف عواوده وحبذا لو تترسخ هذه الكلمات في ذهون ابناء مجتمعنا العربي.واتمنى من الباري سبحانه وتعالى ان ينصرنا على موضات الاعراس المفرطه التي لم ولن تجلب لابناءنا السعاده الحقيقيه ابدا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة