الحرب على إيران: ليس صراع بقاء بل تتمة لمشروع إعادة تشكيل الشرق الأوسط
فخري هوّاش البروة/جديدة المكر
تاريخ النشر: 16/06/25 | 10:45
* ليست الحرب التي تجس نبضها الولايات المتحدة وإسرائيل على إيران مجرّد صراع بقاء لرئيس حكومة محاصر مثل نتنياهو، ولا هي حرب وقائية خشية السلاح النووي الإيراني، كما يروّج في الإعلام الغربي. وليست حتى صراعًا وجوديًا دفاعيًا يخوضه “الإسرائيلي” كما يحب أن يُصوّر نفسه دومًا. الحقيقة أشد تعقيدًا، وأعمق من أن تختصرها هذه العناوين السطحية.
* مشروع الشرق الأوسط الجديد… لم ينتهِ بعد
* منذ سقوط بغداد عام 2003، والمشروع الأمريكي المسمّى بـ”الشرق الأوسط الجديد” يسير بخطى ثابتة، وإن كانت متعرجة أحيانًا. استُبدلت الأنظمة، وأُعيد تشكيل الجغرافيا السياسية، وقُسمت الجيوش الوطنية، وتمت هندسة كيانات طائفية وإثنية قابلة للانفجار عند الطلب. العراق نموذج صارخ، وسوريا مرآة مكسورة، وليبيا والسودان بلاد بلا عنوان.
* إيران هي آخر قلاع “التمرد الجيوسياسي” في وجه هذا المشروع. ليست جزءًا من المحور الأمريكي ولا خاضعة لأنظمة التطبيع والانبطاح، ولذلك وجب إخضاعها—ليس فقط كدولة، بل كمركز إلهام للمقاومات في لبنان واليمن وفلسطين والعراق.
* النفط أولًا… والبقية تفاصيل
* قد يُخفي الإعلام خلف شعارات “منع إيران من الحصول على السلاح النووي” أو “حماية حلفائنا في الخليج”، لكن في جوهر الأمر، تدور اللعبة كلها حول النفط والغاز والسيطرة على طريق الطاقة العالمي. إيران، التي تملك ثاني أكبر احتياطي غاز في العالم، وواحدًا من أكبر احتياطات النفط، ما زالت خارج السوق الأمريكية، تُصدّر للصين والهند وروسيا، وتُبقي نفوذها الإقليمي حيًا دون إذن من واشنطن.
* من هنا، لا بد من كسر هذه الحلقة. ولا يتم ذلك إلا بإشعال حرب تُسقط النظام أو تُضعفه بما يكفي لإعادة إنتاجه. المطلوب: “كرزاي” إيراني، أو “حفتر” بنكهة فارسية، صنمٌ من عجوة يُنَصَّب بيد ويُلتَهَم بالأخرى.
* نتنياهو… لاعب ثانوي في مسرح أكبر
* لا شك أن نتنياهو يراهن على الحرب كوسيلة لإطالة عمره السياسي، تمامًا كما راهن بوش الابن على غزو العراق لتأمين ولايته الثانية. لكن الحرب على إيران أوسع من نتنياهو وأعقد من طموحاته الفردية. إنما هو تلميذ مجتهد في مدرسة المحافظين الجدد الذين صاغوا أجندة السيطرة الكاملة على المنطقة، من أفغانستان حتى لبنان، ومن الخليج حتى شواطئ المتوسط.
* ماذا عن إسرائيل؟وجود إسرائيل لم يكن يومًا مهددًا من إيران كما تدّعي. بل الحقيقة أن إسرائيل بحاجة دائمة إلى “عدو خارجي” لتبرير وجودها ككيان عسكري. إيران كبش الفداء لهذا الدور بامتياز. ومن خلالها، يُبرَّر الحصول على صفقات السلاح، ويُبقي الداخل الإسرائيلي متماسكًا في وجه تناقضاته. باختصار، إيران خطر وجودي… حين يكون مطلوبًا سياسيًا.
* في الختام الحرب على إيران، إن وان إستمرت، لن تكون حربًا بين “شرّين” أو “حق وباطل” كما يحاول الإعلام تصويرها. ستكون حلقة جديدة في مسلسل طويل من تفتيت المنطقة وترويضها وتدويل مواردها، والهدف ليس سوى تأبيد الهيمنة الأمريكية وحماية نظام عالمي قائم على التبعية والانقسام.
* وستُعاد صناعة صنم جديد في طهران—واحدٌ من “عجوة” كالذين وُضعوا على العروش في العراق وأفغانستان وسوريا، وتُرك لهم أن يتآكلوا بينما يأكل أسيادهم ما تبقى من أوطاننا.