بين الرماد واللهب… من يحترق في حرب الآخرين؟

بقلم: رانية مرجية

تاريخ النشر: 18/06/25 | 10:08

من قال إننا نعيش في زمن الموت؟

نحن ببساطة نعيش زمن الاحتراق.

احتراق الحقيقة، واحتراق الإنسان، واحتراق ما تبقّى من وهم العدالة.

ها هي حرب جديدة تشتعل، تفتح فمها وتلتهم المدن، بينما تجلس الشعوب على شرفات الخوف، تراقب الطائرات وهي تحلّق فوق رؤوسها، لا تدري إن كانت ستحمل بشرى الحرية، أم نعشها القادم.

في هذه الأيام، لا يمكن لأي فلسطيني أن ينظر إلى تصاعد الصراع الإيراني–الإسرائيلي دون أن يتساءل: من نحن في هذا الجنون؟ أمتنا محاصَرة من كل الجهات، دمنا مباح، وها هي المعركة تنتقل من الجنوب إلى الخليج، من غزة إلى طهران، ومن القدس إلى نطنز. صواريخ تتطاير كأنها طيور جهنم، تحطّ على الأجساد ولا تفرّق بين عسكري ومدني، بين مسجد ومفاعل نووي.

إسرائيل، الدولة التي لم تكتفِ بما ارتكبته من فظائع في جنين وغزة، تخرج اليوم بثوب الضحية، وتقدّم نفسها كمنقذٍ للعالم من “الخطر الإيراني”.

وإيران، التي رفعت شعار “تحرير القدس”، تحرق أبناءها في سبيل مشهديةٍ لا أحد يفقه نهايتها.

وبين هذا وذاك، يموت المدنيّون. لا في تل أبيب فقط، ولا في طهران وحدها، بل في كل مكان تُستباح فيه أرواح البشر لصالح “ردع” و”ردّ” و”رسائل نارية”.

الحديث اليوم عن “الضربة النوعية” الإسرائيلية التي قتلت علماء ومهندسين إيرانيين، والتي تبعتها موجات من المسيرات والصواريخ على المدن الإسرائيلية. لكن ما لا يُقال في نشرات الأخبار هو أن كلا الطرفين، في النهاية، لا يحترمان الإنسان. كلا الطرفين يخوضان حربًا على الأرض، و”باسم” السماء، حيث تتحول المساجد إلى ملاجئ، والكنائس إلى مقابر جماعية.

لكن دعونا لا نخدع أنفسنا. هذه ليست حربًا على “الخطر النووي”، بل هي تصفية حسابات، وهيمنة إقليمية، ومناورات انتخابية.

إسرائيل لا تريد إيران قوية في المنطقة، لا لأنها تخشاها فعلًا، بل لأنها تريد أن تبقى الدولة الوحيدة التي تملك حقّ القوة والردع النووي.

وإيران لا تسعى لتحرير فلسطين، بل لتكريس نفوذها في الإقليم، على حساب الدم السوري والعراقي واللبناني واليمني… والفلسطيني أيضًا.

في قلب هذا الجنون، تظل فلسطين ضحية صامتة.

لا أحد يسأل عن غزة وهي تغرق في الظلام منذ شهور.

لا أحد يفتح تحقيقًا في مجازر الاحتلال التي استهدفت البيوت والمدارس والمستشفيات.

الجميع مشغول الآن بـ”الملف النووي”، وكأن الحياة في الشرق لا تُقاس إلا بعدد أجهزة الطرد المركزي.

العالم يدين إيران حين تردّ، لكنه لا يُدين إسرائيل حين تبدأ.

العالم يخشى على تل أبيب من الطائرات المسيّرة، لكنه لا يذرف دمعة على أطفال طهران أو غزة.

العالم ببساطة أعمى… أو ربما يرى جيدًا، لكنه لا يريد أن يشعر.

لقد وصلنا إلى لحظة خطيرة، مفصلية، حيث أصبح الدمار لغة مفهومة، والتطبيع مع القتل سياسة.

حرب اليوم ليست فقط بين دولتين، بل بين رؤيتين: رؤية ترى الإنسان مركزًا، ورؤية ترى الإنسان وسيلة.

والأخطر أن معظم شعوب المنطقة صارت لا تثق بأحد، لا بالأنظمة، ولا بالمقاومات، ولا حتى بالمستقبل.

فهل يمكن أن نخرج من هذا الجنون؟

هل يمكن أن نعيد للدم قيمته، للعدالة معناها، وللحرية صوتها؟

أم أن الوقت قد فات، وسنظل نكتب المقالات عن الضحايا، دون أن ننجح في إنقاذ واحد منهم؟

في زمن الرماد، لا تسأل من أشعل النار… بل اسأل من بقي حيًا ليطفئها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة