توجيه النقد له أصول يجب أن تتعلمها
تاريخ النشر: 25/09/11 | 23:25النقد من علامات استمرار الحياة بين البشر فنحن ننقد إذن نحن نتفاعل معا، وبما أن لكل شيء قواعد وذوقيات لابد من الالتزام بها، وللنقد أيضا طرق مثالية توصل ما نريد قوله بطريقة مهذبة لا تؤذي مشاعر من نوجه له هذا النقد، لذا دعونا نتعلم كيف ننقد بعضنا البعض ونحقق مانهدف إليه بأقصر الطرق وبأفضل الكلمات.
في النقد لا تعتمد على مشاعرك:
عند توجيه النقد لشخص ما لا تترك مشاعرك تتحكم بك، لأن المشاعر تمثل صوتا غير عقلاني سوف يوقعك في الخطأ وبدلا من توجيه من تنقده بطريقة ودية سوف يأخذ موقفا عكسيا قد يضايقه منك ولا يتقبل ما تقول.
عندما تشعر أن ما يتحكم فيك هي مشاعرك تجنب تماما كتابة ما تشعر به للشخص الآخر حتى لا تبدو أمامه في موقف ضعف أو سوء فهم.
كن ملما بموضوع النقد:
يقوم العديد من الناس بتوجيه النقد لأشياء وموضوعات لا يعلمون شيئا عنها، وهذا يبدو شيئا سخيفا معبرا عن جهل من يتحدث، لذلك يجب أولا أن يكون لديك قاعدة عريضة من المعلومات والخبرة عن موضوع النقد حتى يكون نقدك بناءا وفي موقعه المناسب بدون تحيز.
حدد أهدافك من توجيه النقد:
عند النقد لابد أن يكون لديك أهداف محددة منه، فمثلا عندما تنقد ملابس شخص ما يكون بقصد أن يحسن من طريقته في الملبس، أو عند نقد طريقة تناول شخص لطعامه أن يكون هدفك توجيهه إلى تناول طعام صحي، وعند توجيه نقد لطفلك بخصوص طريقته في الاستذكار يكون الهدف أن يتفوق في دراسته وهكذا.
لكن أن تنقد لمجرد النقد أو لتضايق من تنقده بدون هدف، فهذا يعتبر تصرفا غير لائق سوف يعود عليك بمشكلات كثيرة أبسطها ابتعاد الناس عنك وتجنب التعامل معك وهذا شيء لا يحتمل.
لا تحاول دفن القضية بل تصدى لها:
عندما تكون هناك قضية شائكة بحاجة إلى معالجتها لا تحاول أن تخفيها أو تدفنها بأي طريقة لأن مجرد محاولتك ذلك سوف تظهر المشكلة للعيان بوسائل غير متوقعة خارجة عن إرادتك، والأفضل أن تكشف عن هذه المشكلة لمن يتسبب في حدوثها وتحاول إيجاد الحل المناسب بالنقد البناء والنصح.
اجمع بين الجانب العقلاني والوجداني:
لمعالجة قضية معينة بواسطة النقد العقلاني البحت قد يشعر المستقبل بنوع من البرود والقسوة في رسالتك، وإذا استخدمت الجانب العاطفي فقط وتجنب المساندة العقلانية لما تقول فقد يتحول الأمر إلى أسوأ ما كان عليه من قبل، لذلك يجب أن تحتوي كلماتك على أدلة وبراهين عقلية يتقبلها العقل، وتقدمها للشخص بأسلوب مغلف بلمسة عاطفية كنغمة الصوت الدافئة مع لغة الجسد والاتصال بالعين الودي وبهذا تحقق هدفك بطريقة معتدلة ومتوازنة.
قبل النقد ابدأ بالجوانب الإيجابية لدى الشخص:
قبل توجيه النقد لغيرك على شيء سلبي يقوم به حاول أولا استعراض ما يملك هذا الشخص من إيجابيات أولا كوسيلة لفتح طريق مفروش بالاحترام والتوافق فيما بينكما وبعدها ابدأ في استعراض الجوانب السلبية خطوة بخطوة، فهذه الطريقة واجب استخدامها لسببين على قدر كبير من الأهمية وهما:
– عند بدء حديثك بسرد إيجابيات الشخص المراد نقده يكون أكثر انفتاحا معك وتقبلا لما تقدم من انتقادات خاصة كما سيستمع إليك بصدر رحب.
– إذا لم تفعل وأجلت الجانب الإيجابي لنهاية المحادثة ربما يميل الشخص الآخر لتجاهل ما تقول ويحاول انتقاء ما يعجبه وترك ما لا يعجبه.
تجنب النقد الهجومي:
احذر النقد باستخدام وسائل هجومية أو تهكمية كأن تلقي على من تريد نقده كلمات السخرية أمام الجميع، أو تحاول تشبيهه بأشياء أو أشخاص سلبيين أو حتى عن طريق أن تشكوه للغير، فهذه كلها طرق هجومية وليست وسائل نقدية معتدلة.
انقد الأشياء وليس الأشخاص:
من أسوأ طرق النقد اعتبار الشخص جانب سلبي يجب القصاص منه أو محوه من حياتك وهذا منتهى الخطأ، حيث يجب أن نعلم أن سلبيات الشخص ما هي إلا بعض السمات السيئة التي التصقت به بالممارسة أو الاكتساب لكنها ليست هي الشخص نفسه، فحاول دائما أن تنقد التصرف وليس من يقوم به.
فمثلا قد يكذب صديقك في معلومة ما، فعند توجيه النقد تحدث عن الكذب بشكل عام على أنه سمة قبيحة لابد أن نتخلى عنها، لذا حاول تعميم الفكرة بدلا من تخصيصها على شخصه حتى لا تشعره بالحرج أو تلقى عدم استجابة أو نفور مما تقول.
وجه النقد نحو التصرفات:
كن محددا في نقدك، وكما تقوم بتربية أطفالك وتوجيههم بالابتعاد عن السلوكيات الخاطئة عليك ممارسة نفس الطريقة مع الكبار بحيث تلفت نظر الشخص أن بعض السلوكيات مثل كذا وكذا… غير مقبولة وليس الشخص نفسه.
وعند الحديث عن السلوكيات يجب تحديد الأنواع التي تقصدها حتى لا يحدث سوء فهم بينك وبين من تنقده وخاصة عند التعامل مع الكبار، كأن تقول له أن تلك التصرفات تترك آثارا سلبية عليك وتجعلك تشعر بالغضب، الإحباط، الحزن أو أنك شخص غير محبوب عندما تفعل كذا وكذا..
وجه النقد نحو الأفكار:
يملك كل منا عمدا أو من غير قصد مجموعة كاملة من الأفكار والمفاهيم، والفلسفات لذا حاول توجيه نقدك لتلك الأفكار وليس لمن يحملها، فقد يؤمن أحدهم بأن العنف هو أفضل طريقة لتربية الأطفال وفي هذه الحالة يجب أن تعرف أن هذا المفهوم الخاطيء هو مجرد فكرة داخل عقل الشخص وليست جزءا ملتصقا بجسده لا يمكن أن ينفصل عنه، لذا حاول معالجة هذه الفكرة السلبية وإقناعه بالشيء الصحيح بدلا من أن تحضر سكينا لتقطع جزءا من جسده.
التفت لما يلي:
– يمكنك توجيه المدح أمام الجميع لكن النقد لابد أن يكون بشكل خاص بينك وبين من تنقده فقط، إلا إذا كنت تنتقد قضية أو شخصية عامة.
– كن مستعدا لتقبل النقد المقابل من نفس الشخص الذي تنقده فقد يقاومك بتوجيه اللوم أو التهم إليك حتى يتخلص منك أو يحولك من مدين إلى مدان.
– احذر أن تستخدم الكلمات اللاذعة أو السباب كوسيلة للنقد لأن النقد عمل مهذب لذا لابد أن لا يخرج عن هذا الإطار.
– اعلم أن لكل مقام مقال فلا تستخدم نفس طريقة النقد مع كل الأشخاص والأعمار والمكانة، إنما حاول أن تستخدم الطريقة التي تناسب عمر وفكر كل شخص على حدة.
– لكل إنسان مفتاح يمكنك الدخول بواسطته إلى عقله فحاول اكتشاف هذا المفتاح حتى لا تتعرض للطرد.
– تجنب التهديد أو المعايرة تماما عندما ترغب في نقد سلبية معينة فهذه وسائل المجرمين وليس الناصحين.
– لا تنسى أنك أيضا بشر ولديك أخطاؤك فحاول دائما أن تصلح من نفسك لتكون مثالا يحتذى به أمام من توجه له النقد.
– توقع أن هناك سلبيات قد لا يستطيع الشخص التخلص منها مهما حاول ذلك وفي هذه الحالة عليك تقبله كما هو أو غرس سمة إيجابية مضادة للسمة السلبية الموجودة لديه كمحاولة منك للإصلاح على قدر الإمكان.
حالة استنفار قصوى تتملك المرء منا حينما يتم توجيه نقد إلى ذاته .
فكلنا ننظر إلى النقد على أنه اعتداء على شخصيتنا ، ومحاولة شريرة لإبراز عيوبها .
لذا نشمر الساعد ، ونتأهب في شراسة لسحق أي معتدٍ على ذواتنا .
والحقيقة يا صديقي أننا جميعا ـ وبلا استثناء ـ بشر غير معصومين ، وأن النقد هو الذي يرفعنا ويقربنا من إنسانيتنا ، هو وحده القادر على شحذنا كي نطور من أنفسنا ونستدرك أخطائنا ، هو الذي ينقينا ويدفعنا إلى الكمال والمثالية .
لكن معظمنا يخشى النقد لتوهمنا أن النقد يخبرنا والآخرين أننا أقل مما نحن في الحقيقة ، أو لأننا نرى النقد جرح لكرامتنا،
أو لأن النقد سيدفعنا إلى تغيير وضع ما لا نريد تغييره ، أو لأن الناقد غير مقبول لدينا ، أو لأننا ـ في حقيقة الأمر ـ نمتلك من الغرور ما يجعلنا لا نقبل توجيه من أحد ! .
انظر معي لأكرم وأكمل خلق الله محمد ، في غزوة بدر ، حينما أتاه الخباب بن المنذر ليخبره في أدب أن المكان الذي خيموا فيه ليس استراتيجيا ، وأن لديه خطة وتصور أفضل من الخطة الحالية !! .
إنه استدراك على القائد ، وأي قائد .. أعظم خلق الله ، فما الذي فعله الحبيب .
استمع إلى صاحبه حتى إذا ما انتهى ، أمر جنوده بتنفيذ أوامر الخباب بن المنذر .
القلوب العظيمة يا صديقي تقبل النقد بهدوء نفس وبساطة ، فتنظر فيه بروية وتدبر ، فإن كان إيجابيا حقيقيا شكر صاحبه وأجزل له الثناء ، وإن كان نقدا جائرا ظالما أفحم الناقد بهدوئه وصبره وحلمه .
يقول عمر بن الخطاب : (رحم الله امرَأً أهدى إليّ َعيوبي) ، إنه ينظر إلى النقد على أنه هدية ، وهذا عُمق وحكمة ودراية ،وحينما نستعرض كتب التاريخ وأحوال العظماء فإننا لن نجد عظيما أو نابغة معتدا برأيه صاماً أذنه عن قبول النقد والتقويم.
إن الأشجار الضخمة اليانعة عندما ترفض التكيف مع مستجدات المناخ ، وترفع أغصانها عاليا في كبر واعتزاز غير عابئة بنداءات الطبيعة ، تموت وتلفظها الحياة .
يراها الناس فيُخدعون بشموخها وعلوها . وهي في حقيقة الأمر ليست سوى جماد لا حياة فيها ، يجب أن تُقطع لتكون منضدة أو كرسي أو خشب للمدفأة !! .
فليكن صدرك واسعا ، وروحك سمحة ، واقبل النقد باسم الثغر سعيد ، اسكب على أعصابك ماءً باردا ضد النقد الجائر الظالم .. وستجد أن حياتك أصبحت أكثر هدوءا وسكينة ونضج