من وحي صلاة التراويح

تاريخ النشر: 12/06/18 | 13:07

سلسلة وحي الصدور 68

أنهى اليوم إمام صلاة التراويح بمسجد “النور”، بالشرفة، منطقة 5، الشلف ختم القرآن الكريم، وقد فتح الله على عبده الذليل بما فتح الله على عباده، فسجّل الملاحظات في حينها ويجمعها الآن ليضعها بين أيدي القرّاء لعلّها تكون صدقة جارية لوالدي رحمة الله عليهما، وأهلي وأبنائي، سائلين التوفيق والسّداد، ومنها:

1. قرأ إمام صلاة التراويح سورة “النمل”، فاستوقفتني الملاحظات التّالية: تحدّثت السورة عن عظمة ملك سيّدنا سليمان عليه السّلام، وجنده الخارقين للعادة، والعفاريت، والجن، والعرش العظيم لبلقيس. ومن جهة ثانية ذكر المرأة بلقيس، والهدهد، والنمل، وهؤلاء يمثّلون الضعف. وفي الأخير أطلق اسم أضعف الضعفاء الثلاثة وهي “النمل” على السّورة، ولم يطلق اسم مظاهر القوّة والقوّة الخارقة التي جاء ذكرها في السّورة. أفهم الآن لماذا سورة “النمل” بدأت بـ “طس” أي بالحروف التي لا يعلم معناها إلاّ الله تعالى وإلى يوم الدين.

2. قرأ إمام التراويح قوله تعالى: ” وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ” يونس 90: الله سبحانه وتعالى هو الذي حمل سيّدنا موسى عليه السّلام، وبنو إسرائيل، وفرعون وجنده عبر البحر.و النجاة لسيّدنا موسى عليه السّلام وبنو إسرائيل بالروح والجسد، والنجاة لفرعون عبر الجسد دون الروح. وسبحان من ينجي بالروح والجسد، وبالجسد فقط.

3. قرأ الإمام سورة “المائدة” فتذكرت على الفور سورة “الحديد”، فقلت: بنو إسرائيل أكلوا من المائدة وتركوا البقايا لأمة الحديد التي لم تعرف قيمة الحديد فرضيت لنفسها أن تكون تبعا في بطنها وحديدها لأصحاب “المائدة”، ورفضت أن ترقى بالحديد الذي أنزل لأجلها. وطلب بنو إسرائيل من سيّدنا موسى عليه السّلام أن يروا الله جهرة فأمدّهم الله بعصا تفجّر الحجر فيتتحوّل إلى ينابيع صافية، وتضرب البحر فينقسم إلى قسمين فيغرق فرعون وجنده وكم هو عجيب أمر الإنسان تغلبه عصا ويطالب بالمستحيل.

4. قرأ إمام صلاة التراويح في آخر ركعة من صلاة التراويح عن سيّدنا نوح عليه السّلام قوله تعالى: “وما آمن معه إلاّ قليل”: سيّدنا نوح عليه السّلام عاش مع قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى ولم يؤمن به إلاّ القليل، ورغم ذلك لم ييأس ولم يقنط. وأنظر من حولي فأرى أصحاب علم ودين ومركز يعتريهم الضّجر واليأس والقنوط لأنّ عدد متابعيهم 100 أو 500 أو ألف فقط، فأقول: ألا تعلم أنّ متابعيك في ساعات معدودات أكثر من أتباع سيّدنا نوح عليه السّلام مدّة 9 قرون ونصف الذين لم يتجاوزوا 70متابعا كما قال أهل التفسير.

5. قرأ إمام صلاة التراويح سورة “طه”، فاستوقفتني الملاحظة التاّلية: فرعون هو الأوّل الذي أمر بإقامة تحدي بساحة المدينة وأمام أعين النّاس مع سيّدنا موسى عليه السّلام. السّحرة كانوا الأوائل في رمي عصيّهم تهديدا لسيّدنا موسى عليه السّلام ففشلوا فشلا ذريعا. ومن عجائب الحقّ أنّ أهل الباطل هم الذين ينصرونه ويرفعونه دون أن يدركوا ذلك، حتّى لا يغترّ صاحب الحقّ فيعتقد عمدا أو سهوا أنّ له معروفا على الحقّ الثّابت ولولاه ما انتصر الحقّ. وإنّ لله جنودا لايؤمن بها صاحب الباطل ولا يراها صاحب الحقّ.

6. قرأ إمام التراويح الآية الخاصة برفض سجود إبليس لسيّد آدم عليه السّلام، فكانت النتجة أنّه من الصّغرين إلى يوم يبعثون. من فاته الذلّ والانكسار لرب العالمين فاته العزّ الكامل وألحق بنفسه الذلّ الدائم، والعزّة الأبدية ينالها المرء بالتذلّل والانكسار لله تعالى.

7. قرأ إمام التراويح سورة “الإسراء”، فاستوقفتني الملاحظات التالية: لا يوجد سورة باسم المعراج. وبعد الانتهاء من الآيات الأولى الخاصّة بالإسراء جاء الحديث مباشرة عن سيّدنا موسى عليه السّلام واليهود. وبعد الانتهاء من سورة “الإسراء” جاءت بعدها مباشرة سورة “الكهف”، أي الانتقال من السمو والعلو إلى غار مظلم في الجبل. وليست من عادتي أن أسأل عن الحكم أو أسعى إليها، اللّهم إلاّ إذا فتح الله على عبده الذليل.

8. قرأ إمام صلاة التراويح قوله تعالى: “كهيعص” مريم1، فقلت: الانسان لم يعرف حتّى حرفا من هذه الحروف فكيف يعرف كيف خلق الانسان وهو عاقر، ودون أب، ودون أب وأم. إنّ الله تعالى لم يمنح سيّدنا زكرياء عليه السّلام الولد فقط وقد بلغ من الكبر عتيا بل رزقه ابنا صالحا مطيعا حيّا وخلّد اسمه واسم عائلته في القرآن الكريم، كسورة زكرياء، وعيسى، ومريم، وآل عمران. إذن إذا كان المرء يعجز بالحساب فإنّ الله يعطي بلا حساب.

9. قرأ إمام صلاة التراويح:” وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ”. الأنبياء 81. “وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ”. الأنبياء 82. وبعدها مباشرة قرأ قوله تعالى: ” وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ”. الأنبياء 83: السّامع القارىء المتتبّع يلاحظ الانتقال من القوّة الخارقة التي منحت لسيّدنا سليمان عليه السّلام إلى الضعف والمرض والعجز الذي أصيب به سيّدنا أيّوب عليه السّلام. إنّ الله تعالى يمتحن عباده بالقوّة والضعف، ليعرف القويّ أنّ قوّته طارئة فلا يغترّ، وأنّ ضعفه عابر فلا ييأس.

10. قرأ إمام صلاة التراويح قوله تعالى: “وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا”. الأحزاب 37: تشاء حكمة ربّك أن يذكر إسم سيّدنا “زيد” رضي الله عنه وأرضاه، وهو مولى ومن الفقراء المساكين وليس من سادة قريش، ولا من أسيادنا آل البيت، ولا من العشر المبشّرين بالجنّة، ولا من سادتنا الخلفاء الراشدين الأربعة، ولا من سيّدتنا أمهات المؤمنين، ولا من سادتنا الصحابة رضوان الله على الجميع، والله يختص بالاسم من يشاء.

11. قرأ إمام صلاة التراويح سورة “ص”، فوقفت عند الحوار الذي دار بين الله تعالى وإبليس، فكانت هذه الملاحظات: الله تعالى يحاور إبليس عدوّه وعدو الإنسان. واللّه تعالى يسأل عدوّه وعدو الإنسان “ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي”. ص72 والعدو الذي حاوره الله تعالى لم يكتفي بأنّه لم يمتثل لأمر السجود، بل تبجّح علانية برفضه وافتخر بوكنه لم يمتثل للأمر قائلا: “قال أنا خير منه”. ص73 . واللّه سبحانه وتعالى أعطى بالتعبير السياسي المعاصر هامش حركة واسع جدا من الحرية لعدوه لم يكن يحلم بها، حين استجاب لدعوته قائلا: “قال فإنّك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم” 78-79. وإبليس الذي حاوه الله تعالى وأعطاه ما طلب وهو العدو المبين، راح يتبجّح من جديد بعدما نال ماسأل وتمنى من الله عزّوجل، قائلا: “قال فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين” 80. هذا حوار دار بين الله عزّوجل وإبليس أشدّ الأعداء لله تعالى ولعباده المخلصين. هل سمعت أو قرأت معشار هذا الحوار بين الأخ وأخيه في الدين والعقيدة والمذهب والمرجع والوطن و التاريخ والفقه والفقيه والشخص والكتاب والرأي والتحليل والوسيلة والهدف، حول: الدين والعقيدة والمذهب والمرجع والوطن والتاريخ والفقه والفقيه والشخص والكتاب والرأي والتحليل والوسيلة والهدف؟.

12. قرأ إمام صلاة التراويح قوله تعالى: “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ. الأحقاف 15، فكانت هذه الملاحظات: الربّ عزّوجل وهو يتحدّث عن فضل الوالدين خصّص جزء لفضل الأم. و العبد يدعو للوالدين ولذريته وللمسلمين دون تفضيل، فالتفضيل حقّ الربّ وحده لأنّه أعلم باليوم والغد. وفيما يخصّ قوله تعالى: “حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً”، وكأنّ المرء لا يعرف قيمة الوالدين إلاّ إذا “بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً”، وهذا تقصير منه لا يدركه في حينه، ورحمة من ربّ العالمين لأنّه يعفو عمّا فرّط عبده في حقّ والديه وحقّ الأم، وكأنّ دعاء الابن للوالدين هو اعتراف بالتقصير وليس فضلا ولا منّة من الإبن.

13. قرأ إمام صلاة التراويح في الركعة الأولى والآية الأولى قوله تعالى: “لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُومِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا”.الفتح18، فكانت هذه الملاحظات: من اعتقد أنّ المقصود بـ ” الْمُومِنِينَ” هم أسيادنا آل البيت رضوان الله عليهم دون غيرهم من أسيادنا الصحابة رضوان الله عليهم فقد أخطأ وأجرم. ومن اعتقد أنّ المقصود بـ ” الْمُومِنِينَ” هي الفرقة الناجية دون أسيادنا الأشاعرة رضوان الله عليهم فقد أخطأ وأجرم. والمؤمن لا يحتكر الإيمان ولا النجاة ولا الجنّة. ومن قال أنّ كلمة سادتنا “الأشاعرة” لم يذكرها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، نقول: وسيّدنا صلى الله عليه وسلّم لم ينطق كلمات: “السلفية” و “المذاهب الأربعة”، و “الفقيه” و المحدث”، و “التزكية”، و “الفرقة الناجية”، و “المعصوم”، و”المزكى” و المزكي” و “الأثري”، و”قال أهل العلم” وآلاف الكلمات عبر 14 قرنا نستعملها ولم يستعملها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولم يحدّد “الواحدة” بالإسم حتّى يحتكرها غيره ويدّعي أنّه أحقّ بها من غيره، فهي لعموم المسلمين. وغاية المنشور: لا تحتكر الجنّة والإيمان لنفسك تحت إسم لم ينطقه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكن رحيما بإخوانك، والجنّة عرضها السّماوات والأرض، وربّك أعلم وأدرى ما في الصدور.

14. قرأ إمام صلاة التراويح في آخر ركعة الثلاث آيات الأخيرة لسورة “التحريم: “ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النّار مع الدّاخلين”10. “وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنّة ونجّني من فرعون وعمله ونجّني من القوم الظالمين”11. ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربّها وكتابه وكانت من القانتين”12، فكانت هذه الملاحظات: خروج الكفر من بيت الإيمان بل من بيت النبوة. وخروج الإيمان من بيت الكفر بل من بيت “الإله !” فرعون. والمقصود: لا تحتكر الإيمان وتدعيه لنفسك. وولا تتّهم غيرك بالضلال وترمي 40 مليون جزائري بما ليس فيهم.

– معمر حبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة