شعور لا يوصف

ابو سامح يستقبل المعزين الذين جاءوا زرافات زرافات، او فرادى وجماعات، وكان الابن البكر سامح قد انتقل الى جوار ربه عشية ليلة القدر اثر حادث طرق مروع قبيل الافطار، هناك بالقرب من بيسان حيث وقعت معركة عين جالوت الحاسمة عام 1260 بين المماليك والمغول.

كان المصاب اليماً ثم ان الصدمة اهتزت لهولها الابدان وعلي والد الفقيد يقف بشموخ لاستقبال المعزين الى جانب اخوته وابناء عمومته قبل وبعد مواراة جثة الابن سامح الذي بلغ من العمر 21 سنة.

وفي خيمة العزاء في قرية ام الريحان انتابني شعور من الأسى والحزن، الممزوج بالاعتزاز والفخر بأهل الفقيد وبخاصة الاب الثاكل( ابو سامح) الذي استقبل وفداً كبيراً من اقرباء سائق الشاحنة من الاجاويد الاخيار من قرية الناعورة.

الصورة من الاستاذ فؤاد كبها

لقد دخل الوفد ثابت الخطا واجماً حزيناً لانه كان على يقين ان اهل الفقيد يقفون صابرين محتسبين، وان اذرعتهم وقلوبهم مفتوحة، وانفرجت الوجوه واتسعت القلوب وظهرت علامات الرضا بما قدره الله على حين غره في ليلة القدر.

كنت اتابع وأتأمل وجوه المعزين واهل العزاء، فرأيت ان عليا (ابو سامح)، اسم على مسمى رأيته مسامحاً مبتسماً للضيوف.

وبعد اربع كلمات دينيه من كلا الطرفين معزون ومعزين الذين اختاروا كلماتهم بحذر وحزن كبيرين اصّر ابو سامح( والد الفقيد) على قول كلمة موجزة، فيها الكثير من المعاني بالرغم من الفقدان الكبير، وقف معتزاً ليعرف نفسه وليقول كلمته الصادقة، مُرحِباً بالضيوف، محتسبا مؤمناً بالقضاء والقدر، وكان صمت الحاضرين رهيبا، وهكذا (قطعت جهيزة قول كل خطيب) وشعرت وشعر الجميع من الطرفين بارتياح، فقلت في نفسي نعم الفاقد علي وتذكرت المثل القائل ( اعطِ القوس باريها).

وهكذا تعلمنا درساً في مبادئ الفروسية والنُبل والمروءة، وانتابني شعور لا يوصف وقلت الله الله قد اكتمل النصاب وهون المصاب فلا حاجه لهمسة عتاب فلهفي على هؤلاء الشباب ونرجو ان نلتقي معهم يوم الحساب والله مع الصابرين يا نعم الأصحاب.

وفي هذا اللقاء في بيت العزاء لا مجال للخوض في الاسباب او همسات العتاب، فالدعاء وحده بالجنة في يوم الحساب، ثم التمني باللقاء مع زينة الشباب، في يوم الدين والحساب، والتذكر لا بد من الغياب، مهما طال العمر او قصر، فلهفي على هؤلاء الاحباب.

واختم قائلا بقوله تعالى:”كل شيء هالك الا وجهه وهو الحَكَمُ واليه ترجعون“