لا ناقتي ولا جملي

تاريخ النشر: 06/04/17 | 0:55

وما هجرتُكِ حتى قلتِ معلنةً *** لا ناقة ليَ في هذا ولا جمل
من الشاعر؟ وما معنى العجز؟
……………………………………………..
الشعر للراعي النُّمَيري- من شعراء العصر الأموي، واسمه عُبيد بن حُصين، وسمي راعي الإبل لكثرة وصفه للإبل.
المعنى ما قطعتُ حبل ودِّكِ حتى تبرأتِ مني معلنة أن الأمر لا يهمني.

العجز هو من المثل “لا ناقتي في هذا ولا جملي”، وقد أورده الميداني- المثل 3538:
“أصل المثل للحارث بن عُبَاد حين قَتَلَ جَسَّاسُ بن مرةَ كليبًا وهاجت الحربُ بين الفرقين، وكان الحارثُ اعتزلها، يريد أنه لا يشارك في الحرب لا مع هذا ولا ذاك.
يضرب عند التبرؤ من الظلم والإساءة.”

يبدو أن المثل بدأ من قول الحارث، فثمة ذكر للناقة التي كانت سببًا في حرب البسوس، فالأصفهاني يذكر في (الأغاني):

“وكان الحارث بن عباد قد اعتزل يوم قتل كليب، وقال: لا أنا من هذا، ولا ناقتي ولا جملي ولا عِدلي، وربما قال: لست من هذا، ولا جملي ولا رَحْلي، وخذل بكرًا عن تغلب واستعظم قتل كليب لسؤدده في ناقة”.
ج5، ص 51.

نعود إلى الميداني في شرح قصة المثل، فيقول:

“وقَال بعضهم: إن أول مَنْ قَال ذلك الصًّدوف بنت حُلَيْس العُذرِية، وكان من شأنها أنها كانت عند زيد بن الأخنس العُذري، وكان لزيد بنت من غيرها يقَال لها الفارعة، وإن زيدًا عَزَلَ ابنتَه عن امرأته في خِباء لها، وأخْدَمها خادمًا، وخرج زيدٌ إلى الشام، وإن رجلا من عُذْرَة يُقَال له شَبَث هَوِيَها وهويَتْه، ولم يزل بها حتى طاوعته، فكانت تأمر راعي أبيها أن يُعَجِّل ترويحَ إبله، وأن يحلب لها حلبة إبلها قَيْلاً، فتشرب اللبن نهارًا، حتى إذا أمست وهَدأ الحيّ رُحِلَ لها جمل كان لأبيها ذَلُول فقعدت عليه، وانطلقا حتى كانا ينتهيان إلى مَتْيَهة من الأرض فيكونان بها ليلتهما، ثم يقبلان في وَجْه الصبح، فكان ذلك دَأبَهُما.
فلما فَصَلَ أبوهَا من الشأم مَرَّ بكاهنة على طريقِه، فسألها عن أهله، فنظرت له ثم قَالت: أرى جَمَلَكَ يُرْحَلُ ليلا، وحلَبَةَ تَحْلب إبلَكَ قَيْلا، وأرى نعمًا وخيلا، [….]،
فأقبل زيد لا يلوى على شَيء حتى أتى أهلَه ليلا، فدخل على امرأته وخَرَجَ من عندها مُسْرِعًا حتى دخل خِباء ابنته، فإذا هي ليست فيه، فَقَال لخادمها: أين الفارعة ثَكَلَتْكِ أمك؟ قَالت: خرجت تمشى وهى حرود، زائرة تعود، لم تر بعدك شَمْسا، ولا شهدت عِرسا، فانفتل عنها إلى امرأته، فلما رأته عَرَفَت الشَّر في وجهه، فَقَالت: يا زيد، لا تَعْجَلْ وَاقْفُ الأثر، فلا ناقة لي في هذا ولا جمل، فهي أول من قَال ذلك.”
وربما أرادت المرأة هنا أن تغمز بدهاء إلى حكاية الفتاة العاشقة التي كانت تركب الجمل.
ثم اشتهر المثل، فكان على ألسنة الناس:
“ذكروا أن محمد بن عمير بن عطارد …لما خرج الناس على الحجاج فَقَال: لا ناقتي في ذا ولا جَمَلِي، فلما دخل بعد ذلك على الحجاج قَال: أنت القائل لا ناقتي في ذا ولا جملي؟ لا جَعَلَ الله لك فيه ناقة ولا جملا، ولا حملا ولا رَحْلا… (ن.م)
ذكر الشعراء المثل في شعرهم كما رأينا بيت الراعي أعلاه،
أبو نواس:
من عذّب الله بالزنا فأنا *** لا ناقةٌ لي فيه ولا جملُ
الشريف الرضيّ:
أرى نهابًا تُساق حافلةً *** لا ناقةٌ لي بها ولا جملُ
الطُّغْرائي:
فيمَ الإقامةُ بالزَّوراء لا سكني *** بها ولا ناقتي فيها ولا جملي
الشهاب أبو الثناء محمود:
أين الذي بِرّه الآلاف يتبعها *** كرائم الخيلِ ممن برُّه الإبِلُ
لو مُثّل الجود سَرْحًا قال حاتمُهم *** لا ناقةٌ ليَ في هذا ولا جملُ
هناك أمثال شعبية تدل على هذ ه الحيادية وعدم اتخاذ موقف، نحو:
لا إلي في البقرة ولا في الحلوبة.
لا إلي في الحّبّ ولا في الطاحونة
لا لي في الثور ولا في الطحين
وهكذا أخذ المثل يعني أنني لا أجني فائدة من هذا وذاك، فلا علاقة لي بالأمر إذن.
ب.فاروق مواسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة