سياسات الإفقار في الداخل الفلسطيني هل هي فعلا أداة كولونيالية للسيطرة والضبط

تاريخ النشر: 02/01/14 | 7:58

يعاني الفلسطينيون في الداخل من أوضاع اقتصادية صعبة والإحصائيات والأرقام المذهلة التي تنشر بين الحين والآخر تدلل على ذلك وتبرز مدى تغلغل الفقر والفاقة الاجتماعية بين صفوف المواطنين الفلسطينيين من جهة وتعكس الأدوات الكولونيالية التي يسخرها المشروع الصهيوني كوسيلة سياسية لضبط المجتمع الفلسطيني في البلاد وإحكام السيطرة عليه واعتبار مكانته هامشية مقابل التركيز على هوية الدولة وطابعها اليهودي.

أشارت معطيات مؤسسة التأمين الوطني الأخيرة إلى توسع دائرة الفقر بين الفلسطينيين حتى باتت غالبية الأسر العربية من العشرية الدنيا- أكثر من 54.3% من العائلات العربية- تحت خط الفقر وهي تشكل 37% من مجمل الأسر الفقيرة في البلاد (دون احتساب النقب) أي أكثر من ضعف نسبة الفلسطينيين في المجتمع مقارنة مع 14.1% فقط من الأسر اليهودية فقيرة -أي ما يعادل 4 أضعاف الأسر اليهودية الفقيرة- علما بأن نسبة الفقر العامة في البلاد للعام 2013 وصلت إلى 17.1%، وبالمناسبة تشكل الأسر العربية ما يساوي 15% من مجمل الأسر العامة في البلاد، ويصنف أكثر من نصف الأطفال الفلسطينيين في الداخل من شريحة الفقراء والمعوزين 66% (مؤسسة التأمين الوطني، 2013).

هذا يدفعنا لقراءة وفهم طبيعة النظام الاقتصادي الإسرائيلي والتحولات التاريخية التي طرأت على هذا الاقتصاد علما بأنه اعتمد تاريخيا على أيديولوجية اشتراكية وتفضيل واضح لقطاع منظمة العمال وتدخل الحكومة في الاقتصاد الإسرائيلي وتبنيها في مطلع الخمسينيات، ولكن منذ ستينيات القرن الماضي اختلف الأمر واتبعت الحكومات الإسرائيلية سياسة مرتكزة إلى التحرر الاقتصادي وهدفت إلى تشجيع المبادرة الخاصة والسوق الحرة وتقليص دور الدولة بالحياة الاقتصادية.

السياسات الاقتصادية الإسرائيلية المتبعة تعبر عن العقلية الاستعمارية تجاه المجتمع العربي الفلسطيني في البلاد ولهذا لا بد من قراءة مقارنة علمية لطبيعة النظم الكولونيالية من خلال دراسة سياساتها الاقتصادية تجاه المجتمعات المستعمرة والأقليات المقهورة، وهنا لا بد من تحليل تداعيات هذه النظم وإسقاطاتها على المجتمعات.

والى جانب هذه المقارنة لا بد من التركيز على السياسات الاقتصادية الإسرائيلية تجاه المجتمع الفلسطيني والتي تنم عن عمليات تمييز وإقصاء اقتصادي إضافة إلى عمليات السيطرة والضبط للمجتمع عبر توزيع غير متكافئ وغير متساوٍ للميزانيات ومخصصات الرفاه الاجتماعي والهبات على أساس قومي وعرقي ويظهر ذلك واضحا في تركيبة ومضمون الميزانية السنوية الإسرائيلية وطبيعتها توزيعها من جانب، ومن جانب آخر هناك حاجة لتتبع السلوكيات القمعية والممارسات العنصرية التي ظهرت مؤخرا من قبل بعض البنوك الإسرائيلية لتضييق الخناق واستعباد المواطنين العرب.

ومن جانب آخر لا يمكن قطع الصلة بين النظام الاقتصاد الإسرائيلي والأنظمة الاقتصادية الغربية وخاصة على مستوى التنمية الاقتصادية على اعتبار بأن المشروع الصهيوني هو امتداد للمشروع الغربي الكولونيالي والاستعماري للمنطقة العربية ويعكس الرغبة الجامحة في تفكيكها وتفتيت الروابط الاجتماعية والثقافية والحضارية بينها.

وعلى هذا الأساس يرتبط الاقتصاد الإسرائيلي بالمنظومة الاجتماعية الغربية ويعتمد عليها ويتغذى من مقوماتها، ولذلك ليس غريبا أن يزج الاقتصاد الإسرائيلي ضمن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية العالمية (OECD) والحصول على مساعدات وتوجيهات من صندوق النقد الدولي، ويذكر بأن أحد شروط هذه المنظمة لاستمرارية دعم المؤسسة الإسرائيلية اقتصاديا بعد استيائها من الأداء الحكومي العنصري تجاه شرائح اجتماعية وإثنية ضعيفة وعلى رأسها المجتمع الفلسطيني نهاية عام 2010 هو تطوير القرى والبلدات العربية وفتح سوق العمل أمام الفلسطينيين ودمجهم وخاصة النساء الفلسطينيات، ومن أجل فهم طبيعة هذا النظام لا بد من فهم طبيعة عمل الأنظمة الاقتصادية الغربية ولا سيما القفزات السريعة التي حققها بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وأفوله وعلو شأن النظم الرأسمالية العولمية الحداثوية.

لذلك وبناء على ما ذكر فإن سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للجماهير العربية في البلاد تعبر عن طبيعة تعامل المؤسسة الحاكمة مع المجتمع الفلسطيني في البلاد وهي تؤكد بأن سياسات الإقصاء والإفقار ما هي إلا إستراتيجية مركزية تتخذها الحكومات الإسرائيلية المختلفة لتهميش الفلسطينيين وإضعافهم وزيادة القدرة على ضبطهم والسيطرة عليهم وهو ما يتجلى في زيادة إفقار المجتمع الفلسطيني في البلاد وهذا يتطلب من القيادة الفلسطينية السياسية تقديم طروحات ورؤى وتصورات عملية لمواجهة هذه السياسات والحفاظ على السلم الاقتصادي والاجتماعي والهوياتي للمجتمع الفلسطيني في البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة