مِشتراة العبد ولا ترباته

تاريخ النشر: 28/12/13 | 0:55

معنى هذا القول والعياذ بالله منه: من الأفضل أن تشتري عبداً (إنساناً) ناضجاً، تدفع ثمنه وتسخره من أن تربيه وتنفق عليه من مأكل ومشرب وملبس وما شابه ذلك. وهذا القول ينطبق على من يقول: بدلاً من أن أربي بقرة من أجل حليبها ولبنها فأنني أشتري الحليب واللبن جاهزاً وبهذا أوفر على نفسي أعباء تربية بقرة، ونفس الشيء بالنسبة للأشجار المثمرة وما يترتب على رعايتها من ري وسمادٍ وتقليم ومبيدات حشرية.

قول كهذا فيه تشويه وإساءة الى ديننا الحنيف الذي نادى (بفك الرقبة) وإساءة الى لغتنا العربية التي نزل بها قرآننا الكريم (إنا أنزلناه قرآناً عربياً) فتسلّل هذا القول إلى لغتنا العربية لهو وصمة عارٍ وشنار لهذه اللغة الجميلة التي قال عنها شاعرنا الكبير حافظ إبراهيم: أنا البحرُ في أحشائه الدّر كامنٌ- فهل سألوا الغوّاص عن صدفاتي… فهل يكمن الدّر في قولٍ مأفونٍ كهذا؟!! لا وألف لا ففي ثنايا هذا القول السيء الذكر يكمن السم القاتل، الكراهية العمياء، الاحتقار للآخرين، العنصرية البغيضة والغطرسة العفنة… أنه يجسّد بل ويكرّس الرق والعبودية وفيه من الفوقية والاستعلاء ما تقشعر له الأبدان… قول فيه الإساءة إلى البشرية جمعاء إلى كرامتها وحريتها إلى ابن آدم الإنسان الذي خلقه الله ووصفه بقوله: (في أجمل صورةٍ ما شاء رَكَبّك) و(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تكوين) وفيه تناقض مع (الناس سواسية كأسنان المشط) ولا يغيب عن ذهننا قول الخليفة عمر بن الخطاب المشهور: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً).

أما شاعرنا الكبير الذي نفاخر ونكابر به، المتنبي فقد انزلق هو كذلك ووقع في نفس الخطأ عندما هاجم وهجى كافور الأخشيدي وخاطبه قائلاً:

لا تشتري العبدَ إلا والعصا معه إنّ العبيدَ لأنجاسٌ مناكيدَ

من علّم الأسود المخصّيَ مكْرمةً أقومهُ البيضَ أم آباؤهُ الصيدُ

أم أذنهُ في يد النّحاس داميةً أم قدرهُ وهو بالفلسيْن مردودُ

وإذا كنا نشجب ونستنكر الابرتهايد- التمييز والفصل العنصري- الذي عانت منه ولقرونٍ عدّة البشرية وسوداء البشرة منها بشكل خاص، والأمثلة كثيرة ولكن نكتفي بمثلين اثنين: ما عومل به السود في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا حيث كان الحاكم أبيضاً.

وخلاصة القول: نحن مطالبون بنبذ هذه الأقوال وهذه الأشعار من مفردات لغتنا ومن قاموسنا اللغوي، لا أن ننبذها فحسب بل أن ندفنها عميقاً في مزبلة التاريخ، لأنها تسيء إلينا وتضعنا في خانة الشعوب المَضطهِدة (بكسر الدال) بدلاً من الشعوب المضطهدَة (بفتح الدال) ونصبح والحالة هذه مُتَهّمين (بفتح الهاء) في الوقت الذي نحن فيه مُتهِمّين (بكسر الهاء).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة