رد على مقال حسن عبادي عن الشاعر يحيى عطالله

تاريخ النشر: 21/05/16 | 15:58

“لا تذهب إلى النص مع موقف مسبق” هذا ما وقع به الأخ حسن عبادي….ما قلته أيها الكاتب (الناقد) لم يخل من حق في بعض الامور المتعلقة بالشعر وبالشعراء الجدد عموماً، لكنه خلا تماماً من ذكر الحسنات في شعر يحيى عطاالله، ولو من باب الذوق، بل عوض ذلك رحت تتجنى على الشاعر. وما راعني انك اصدرت رأياً واصدرت احكاماً فقط، ولم تقدم نقداً لشعر يحيى عموماً، ولديوانه الصادر حديثاً. فلم تقدم اي جزء من الديوان، ولم تذكر ولو بيتاً واحداً وتعرض له من اي حيثية ادبية، حتى أنك لم تمثل ولم تستشهد ببيت واحد يثبت أقوالك. فأنت كما يبدو قرأت بعض عناوين قصائد الديوان، وانتبهت الى أنها تتحدث في اطار مناسبات، خاصة وعامة، مع أن قصائد المناسبات في ديوان “أغنية لأمي” خمس قصائد فقط، حكمت على الديوان من خلالها، وتجاهلت الستة وعشرين نصا الأخرى، في الوقت الذي كان يتوجب عليك أن تتطرق إليها، فهي معظم الديوان وأكثر قصائده.
فيبدو أنك وقعت بخطإٍ فادح وهو تعاملك مع الديوان من خلال موقفك السلبي المسبق من شعر المناسبات والشعر الخطابي، فبدون أن تهتم بفحوى ومضمون تلك القصائد، رحت تذم الشاعر على ذلك، وكأن قصيدة المناسبة فرية افتراها الشاعر. مع العلم أن المناسبة إذا هزت الشاعر وحركت وجدانه، تصبح حالة شعرية، يجد الشاعر نفسه مضطرا للتعبير عن نفسه إزاءها؟ وإذا نظرنا إلى نوعية المناسبات التي نظم الشاعر قصائده من أجلها، نجدها مناسبات إنسانية من الدرجة الأولى، يعني موقف الشاعر هنا موقف إنساني، وهذه سمات الشاعر. كان عليك أيها الناقد، بدل أن تلغي القصيدة، لأنها قصيدة مناسبة، أن تنظر إلى فحواها، إلى أسلوبها، إلى معانيها وأفكارها وصورها الشعرية. يقول الشاعر في قصيدة رثائه لابن عمه عدنان، مخاطبا أولاده: (والله لو كفنتموه بدمعكم – ضاقت عليه وضاق بالأكفان) إنها صورة شعرية مبتكرة، ومعنىً راقٍ. ويقول في قصيدته التي قالها في تكريم المعلمين: (كار المعلم مهنة ورسالة – والقلب بين الغايتين تقسما)..(قلق الرسالة أن يطال شعاعها – حقلا ويبقي فيه قدرا معتما)…فهل يوجد أجمل وأصدق من هذا التعبير عن هم المعلم؟ وفي قصيدة “إرحل” التي يحيي فيها الشاعر ثورة مصر الشبابية التي أطاحت بالرئيس مبارك، يقول: (نهر الحناجر يجري في الميادين – مثلك يا نيل أيام الطوافين)..(تدفق الحلم ملء الأرض واندلقت – من قلب مصر هتافات الملايينِ)..إنه تعبير شعري رائع عن تدفق الجماهير المصرية التي تحلم ببزوغ شمسها. وفي قصيدة “أيار عاد” التي قالها بمناسبة عيد العمال، متطرقا إلى العامل الفلسطيني في دولة إسرائيل، قال: (والعامل العربي يحمل مُثقلًا – عبأين فوق سنامه ويواصل)..(عبء اختناق العيش في خنق المعاش – وكم يكد أبو العيال العائلُ)..(أما الثقيل فإنه عبء البقاء – على ثرى الأجداد لا يتنازلُ)..هل أصبح سيئا أن تتحدث القصيدة عن معاناة الفلسطيني في إسرائيل، كونه مواطنا يعاني التمييز، وكونه فلسطينيا صاحب مأساة كبيرة، وبتعبير صادق جميل أيضا؟ من يسمع أو يقرأ هذا الشعر ولا تهتز مشاعره؟ والأمثلة كثيرة على الجودة الشعرية في هذا النوع من القصائد.
والحقيقة التي لا يستطيع أحد نكرانها، هي أن هناك قصائد قيلت في مناسبات قديمة، ظلت خالدة حتى اليوم، لأنها تُعتبر من أجود القصائد في التراث الشعري العربي، مثل قصيدة الحدث الحمراء للمتنبي، قصيدة فتح عمورية لأبي تمام، وغيرها الكثير من القصائد الخالدة التي قيلت في مناسبات خاصة.
وتقدح فيه وبأمثاله الذين عاشوا على ” دفء” السابقين من المبدعين فقلت: ( مع كل مشاعر الاعتزاز بهم – اي الشعراء السابقين – وبما تركوه لنا من موروث ابداعي متميز الخ.. آن الأوان لنتجرأ ونخرج من حضنهم الدافئ القاتل).. .وكأن كل انتاج الشعراء الجدد هو تقليد ومحاكاة لمن سبقوهم من شعراء معروفين. أولًا، شعراؤنا السابقون أوجدوا ما يُسمى شعر المقاومة، فهل انتهى الاحتلال ليكف شعراؤنا عن مقاومته؟ ثانيا، هل أجريت مقارنة بين شعر يحيى عطالله وشعر القدامى؟ كان عليك أيها الناقد أن تعرض نماذج لتثبت صحة ما تقول. ثالثا، يجب التمييز بين شاعر تقليدي وشاعر مقلد، فيحيى عطالله تقليدي من حيث مبنى القصيدة، لأنه يلتزم بالأوزان الخليلية، يكتب الشعر الحر الموزون، ويكتب القصيدة العمودية، ولكنه ليس مقلدا، فالتقليد يمنع من الشاعر أن يكون صادقا، وإذا نظرنا إلى شعر يحيى، نجد الصدق فيه أبرز سماته. هناك مفارقة أخرى، وهي أن شعراءنا الذين نعتز بهم كانوا مقلّين في نظم القصيدة العمودية، أما يحيى فإن أكثر شعره عمودي.
طبعًا إذا كنت أوافقك أيها الكاتب (الناقد) في أن كثرة الاطلاع والقراءة ونوعيتها أغراض لا بد منها لكل من يعتبر نفسه مثقفاً او أديبًا، كاتباً أو شاعراً، لا أتفق معك حين تضع الشاعر والمربي يحيى عطاالله بالذات تحت تهمة الفقر الثقافي مسلطاً الضوء عليه بصورة خاصة، فهل عرف الكاتب كل ما لدى يحيى من مجرد قراءة عابرة لبعض ما نشره؟ فالشاعر يحيى عطاالله حاصل على اللقب الثاني في علوم اللغة العربية من جامعة حيفا، وهو مطلع جيدا على جديد وقديم الشعر العربي، ولكنه منحاز إلى الشعر الكلاسيكي. إذن نحن نحتاج في نقدنا إلى موضوعية أكثر، وإذا كان هناك ما يقال عن جوانب سلبية او عيوب في الحركة الشعرية عمومًا، فهذا ينسحب ايضاً على حركة النقد، وإن وُجِد فائضاً في الشعر الفوضوي والسقيم، فهناك شح في النقد وأكثر شحاً في النقد الفني العلمي النزيه.
ترى أيها الناقد أن نوع الشعر الذي يقدمه يحيى عطاالله وأمثاله يسيء “لقضيتنا” فهو “شعاراتياً” متقوقعًا، مباشراً، مهرجانياً ” وما إلى ذلك، فلو قدم هؤلاء شعرهم وأدبهم ” كما ينبغي لا كما نحب” لخدم ذلك القضية بشكل افضل. وأقول لك: كان عليك أن تقدم أمثلة عن الشعر الشعاراتي، وفي نفس الوقت تقدم أمثلة من شعر يحيى لتوضح الأمر وتثبته، ولكنك لن تجد، لأن شعر يحيى عطالله ليس شعاراتيا، بل شعرا صادقا، يصور معاناتنا بأسلوب جميل، فهل هو شعاراتي عندما يقول: (يا أمتي حار انتمائي واضطربْ – وقد ابتدا عتبي يؤول إلى غضبْ) (فمتى يفجّر سرّ معدنه الذهبْ – ومتى سيسند قامتي شرف النسبْ) (ومتى سيحتفل اللسان بضاده – ومتى سيرفع رأسه إبن الحسبْ) (ومتى سيطربني صهيل هويتي – ومتى سأفرح بانتمائي للعربْ) أنت أيها الناقد لا تميز بين الشعاراتية والعنفوان، ومتانة السبك وقوة الوقع التي تميز شعر يحيى عطاالله. وإذا كان الشعر الذي يحمل راية مقاومة الاحتلال، ويصف معاناة شعبنا وأمتنا العربية شعاراتيا، فليكن. ورغم أن “شعر المناسبات” كعيد العمال ويوم الارض ويوم الطالب او المعلم الخ، ينطوي على تأدية رسالة للجمهور وللحكام على حد سواء، هو شعر تحريضي قد يكون له أثر أكبر من خطابات شعرية أخرى، غير أن شاعرنا جامع لعناصر الشعر شكلاً ومضموناً، ومن يقرأ شعره يلاحظ أنه لا يضع كلمة واحدة في غير مكانها، فلا حشو ولا هذر، بل يجيب على المختصر المفيد والجميل والطريف لفظاً ومعنىً.
وهل هو متقوقع عندما يقول عن أمه: (أرضعتني مع الحليب كرامهْ – ومع الخبز أطعمتني شهامهْ) (فجرى في العروق دمّ رجالٍ – وجرى في الضمير طبع استقامهْ) (ورأتني مع الأوادم أمشي – فوق رأسي كوفية وعمامه)
بالنسبة للمباشرة أيها الناقد، إعلم أنها سيف ذو حدين، فمثلما تكون المباشرة مصدر ضعف النص، فإنها يمكن أن تكون مصدر قوة النص، ولكن هذه المهمة لا يستطيع أن يقوم بها إلا شاعر مجيد، أنظر إلى قصيدة “قمعستان” لنزار قباني مثلا، وانظر هذين البيتين ليحيى عطاالله (إذا كُنا ولدنا ما استُشرنا – وإن كُنا بذاك مسيّرينا) (فمن منا إذن يختار شعبًا – ومن منا إذن يختار دينا) كم هما واضحان، ولكن أي رسالة يحملان. بيد أني هنا أدعو إلى التمييز، بل إلى الفصل بين المباشرة والوضوح، فليس كل شعر واضح وصريح هو بالضرورة مباشر، فإذا كانت صراحة المعنى ووضوحه شيء سلبي، كيف يمكن أن نستمتع بعبارة محمود درويش، أحن إلى خبز أمي؟ مع العلم أن دعاة الغموض، أمثال أدونيس، سخروا من هذه العبارة، لقد قال أدونيس: هذه العبارة (أحن إلى خبز أمي) تضحكني لا تبكيني.
تقول أيها الناقد: (يحيى كغيره وقع في فخ النمطية، فبدل ان يكتب عن حرماننا من العكوب والعلت والحويرة والزعتر، غرد داخل السرب ليكتب عن مصادرة الاراضي ووضع العالم العربي بزعاماته وحكامه) الخ .. أعتقد أنك بهذا، من حيث لا تدري، تمدح الشاعر يحيى عطالله، فهو يكتب عن قضايانا الكبيرة، عن حال أمتنا العربية وما آلت إليه في هذا الزمان، إنه الإنسان العربي المتفاعل مع قضايا أمته، يقول في إحدى قصائده: (لا تعذليني إن زأرت فإنني – على قدر جوعي للكرامة أزأر) وبعكس ما تقول، فإن إهمال القضايا الكبيرة، والانشغال عنها بالقضايا اليومية والشخصية، هو التقوقع بعينه. في الواقع لا ألومك أيها الناقد وأنت تُقدّم الاهتمام بالعكوب والعلت وسائر البقول الوعرية على مصادرة الاراضي ونقد الزعماء والطغاة والانظمة، وتؤخر الكرامة القومية ووضع الأمة العام. أعتقد أنك ستتهمني أنا بالشعاراتية على هذا الكلام.
والآن لنعرض شيئا من شعر عطاالله لنرى كم هو ( تقليدي متقوقع متخلف) ..
يقول عطاالله في قصيدته عن المسَلَّمات: أنا لا أسلِّمُ \ ليْسَ يَحْكُمُني يَقينٌ جاهِزُ\ لَيستْ تُحاصرُني الحقائقُ \بل أُحاصِرُها أنا \ حَطَّمتُ دائِرتي \خَرَجتُ \وَسِرْتُ في كلِّ اتجاهْ \ قَدَمي جريءُ السَّيرِ \ عيني حُرَّةٌ \ والدَّربُ مُتَّسِعٌ لِعقلي \ لنْ أعودَ إلى سياجِ حظيرةٍ \ تلتفُّ حَولَ العقلِ \ لن أخشى وعيدَ الدائرهْ \ سأعيشُ موفورَ الوجودِ \فسيفُ شَكّي مُشَهرٌ \ وجوادُ فِكري مُنطلِقْ \ .. وافضل طريقة لإنصاف الشاعر العودة الى ديوانه وقراءته مع ركوة قهوة عربية ..
كميل فياض

abade

atalla

fyaad

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة