السحب على المكشوف وأضراره على الإقتصاد المصري
تاريخ النشر: 21/05/16 | 15:59أن السحب على المكشوف “الاقتراض من البنوك” تزايد، من جانب الحكومة “وزارة المالية”، من خلال أدوات الدين الحكومي، وهي أذون وسندات خزانة، لتمويل عجز الموازنة، ما يؤكد ارتفاع أعباء خدمة الدين، خاصة بعد قرار رفع سعر الفائدة، إن نشوب خلافات في المباحثات بين وزارة المالية وجهات حكومية و”الاستثمار القومي” لتسوية مديونياتها. فقد قامت الحكومة المصرية بسحب مبالغ مالية كبيرة على المكشوف من بنك الاستثمار القومي المودع فيه أموال التأمينات والمعاشات، وذلك لتغطية العجز وبعض المشروعات الإضافية الواردة في الموازنة العامة للدولة
إن المادة 27 من قانون البنك المركزي رقم 88 لسنة 2003 نصت على أن يقدم البنك المركزي تمويلًا للحكومة بناء على طلبها لتغطية العجز الموسمي في الموازنة العامة، على ألا تتجاوز قيمة هذا التمويل 10% من متوسط إيرادات الموازنة العامة في السنوات الثلاث السابقة، وتكون مدة هذا التمويل من 3 إلى 8 أشهر، قابلة للتجديد لمدد أخرى مماثلة، ويجب أن يسدد بالكامل خلال اثني عشر شهرًا على الأكثر من تاريخ تقديمه. لأن السحب إلى هذا الحد الذي وصلت له الحكومة، سيؤدي لفرض أسعار فائدة مرتفعة جدًا تزيد من أعباء الدين في الموازنة العامة، مما يستوجب تدخلًا برلمانيًا.
وكان تقرير صادر عن الجهاز المركزي للمحاسبات حول الحساب الختامي لموازنة العام المالي الماضي 2014/2015، كشف عن تجاوز وزارة المالية الحد المسموح به في حدود 45 مليار للسحب على المكشوف، ليصل المبلغ إلى 249.060 مليار جنيه في 30 يونيو 2015، وهو التقرير الذي نشر في وسائل الإعلام على اعتبار أنه تم تسليمه لرئاسة الجمهورية نهاية نوفمبر الماضي. وزير المالية اعترف أنه لم يتم اعتماد الحساب الختامي لموازنة 2014/2015 حتى الآن، لانتظار تقرير المراقبة من الجهاز المركزي للمحاسبات. ووصل حجم الدين العام المحلي إلى 2.1 تريليون جنيهًا بنهاية يونيو 2015، طبقًا لأحدث بيانات البنك المركزي، منه 88.4% مستحق على الحكومة، و0.5% على الهيئات العامة الاقتصادية، و11.1% على بنك الاستثمار القومي.
أن مستحقات «الاستثمار القومي» لدى الهيئات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال العام والمقدرة بنحو 200 مليار جنيه، تعد «ديوناً تاريخية منذ سنوات طويلة»، مع وجود أزمة سيولة لدى الجهات المدينة، وأن جهوداً تُبذل لجدولتها وإصدار سندات إذنيه بقيمتها.
أن مباحثات بدأت بين «المالية» والبنك لزيادة وتدعيم رأسماله الذي لا يتجاوز 100 مليون جنيه، بينما حجم الأموال التي يعمل بها نحو 300 مليار جنيه، سوف يتم إتمام الزيادة على مرحلتين، الأولى خلال 3 شهور، مشيراً إلى أن حل أزمة السيولة يتمثل في سداد ديون الجهات لدى «البنك» بالفوائد وزيادة رأسماله أن بنك الاستثمار القومي لن يتأثر بقرار البنك المركزي برفع سعر العائد على الإيداع والإقراض بواقع 50 نقطة مئوية من جانب لجنة السياسة النقدية، وأن أسعار العائد على الإقراض التي يعمل «الاستثمار القومي» وفقاً لها تفوق التي حددها «المركزي» مؤخراً. فالمؤشرات المالية للدين العام للبلاد تكشف أنه في العام المالي 2010-2011، وهو عام اندلاع ثورة يناير، بلغ 1.25 تريليون جنيه، ما يعادل 82% من الناتج المحلي الإجمالي آنذاك.
ولكن خلال 5 سنوات فقط بات الدين العام المستهدف في موازنة العام المالي الحالي 2015-2016 يقدر بنحو 2.5 تريليون جنيه ما يوازي 89.3% من الناتج المحلي الإجمالي المستهدف بالأسعار الجارية بنحو 2.8 تريليون جنيه.
وبحسب أحدث الأرقام الفعلية التي تحققت، فإنه بحسب البيانات المعلنة بمشروع موازنة العام المالي 2015-2016 فإن الدين العام وصل في ختام عام 2014 إلى 2.431 مليار جنيه بما يعادل 91.2% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
أن إصلاح وضع الدين العام يبدأ من ضبط عجز الموازنة من خلال إجراءات سريعة، في مقدمتها إنجاز فحص الملفات الضريبية المتأخرة منذ أكثر من 7 سنوات وتحصيل الضرائب المستحقة عليها، خاصةً أن قيمة التحصيل تنخفض دومًا عن الرقم المستهدف.
وعلى الرغم من أن الحكومة خفضت مستهدفات الضرائب لعام 2014-2015 من 326 مليارًا إلى 320 مليارًا، إلا أن حصيلة الضرائب لم تتخطَّ 270 مليار جنيه. وبحسب البنك المركزي فإن الدين الخارجي سجل 46.1 مليار دولار في سبتمبر 2015، وهي يساوي أكثر من ضعف الصادرات التي قاربت على 20 مليار دولار العام المالي الماضي.
وقد أدى الوضع الاقتصادي المتأزم للبلاد إلى تجاوز تكلفة التأمين على ديون مصر حاجز 5% مقارنة بنحو 2.88% بنهاية تعاملات 2014. وتلجأ شركات التأمين عادةً لرفع تكلفة التأمين على الديون السيادية للدول التي تشهد مؤشرات اقتصادية سلبية، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض من الخارج لإحساس الشركات بارتفاع المخاطر داخل السوق المحلية. إن حجم “دعم المواد البترولية سينخفض في الموازنة المقبلة إلى 35 مليار جنيه مقابل نحو 61 مليار جنيه في السنة المالية الحالية.” وكانت مصر خفضت في السنة المالية 2015-2016 دعم الوقود إلى 61 مليار جنيه من نحو 100 مليار جنيه في 2014-2015.
إن حجم الفوائد على ديون البلاد سيصل إلى 299 مليار جنيه في موازنة 2016-2017 بما يعادل أكثر من 28 بالمائة من إجمالي حجم المصروفات وبما يزيد عن حجم الفوائد على الديون في السنة المالية الحالية والبالغ 244 مليار جنيه بحسب البيان المالي للموازنة. وتبذل مصر قصارى جهدها لإنعاش اقتصاد البلاد منذ الانتفاضة الشعبية التي خرجت في 2011 وما تبعها من اضطرابات سياسية أدت إلى عزوف المستثمرين والسياح مما حرم البلاد من تدفقات العملات الأجنبية التي تحتاجها لاستيراد المواد الخام.
إن المبلغ الذي سيتم توجيهه لدعم الصادرات لن يرتفع في موازنة السنة المالية المقبلة 2016-2017 عن السنة المالية الحالية التي بلغ حجم دعم الصادرات في موازنتها نحو 2.7 مليار جنيه لكن ليس هناك “مانعا أن نزيد هذا الرقم في حالة تقدم وزير الصناعة ببرنامج يقول فيه إن عددا أكبر من المصدرين سيستفيد من الدعم وإن الشرائح الأصغر ستستفيد أيضا. “عدد المصدرين الجدد كان عادة بين 15 و20 بالمائة لكن حاليا هذا الرقم أصبح واحدا بالمائة فقط.” أن البنوك قد تحتاج حينها للسماح لها بسحب جديد على المكشوف وهو ما سيزيد الوضع سوءا.
وبذلك فإننا ما نزال عالقين في المشكلة المستعصية التي تتعلق بكيفية حماية أموال الناس من حالات الجنون الدورية التي تصيب البنوك الخاصة. الجواب بالتأكيد ليس بتشديد الأنظمة الرقابية على البنوك، على الأقل ليس على النحو الذي يجري فيه الآن وضع وتطبيق هذه الأنظمة الرقابية. الحقيقة التي لا نمل من تكرارها هي أن أسوأ الأضرار التي أحدثتها البنوك هذه المرة إنما جاءت بسبب الالتفاف على القوانين بصورة ناجحة. ربما كان يبدو من المعقول بالنسبة لاتفاقيات بازل أن تلزم البنوك بالاحتفاظ بكمية محددة من حقوق الملكية كضمان للقروض. فإن معظمها لم يفعل. رغم كل ذلك فإنه لا بد لنا من أن نخلص، ربما بصورة تدعو للأسف،. ربما يكون الحد من السحب علي المكشوف يؤدي إلي ضبط قيمة الجنية المصري في منافسته للعملات الأجنبية الاخري أقل مما يخشاه البعض. ولكنه بالمقابل لن يكون ذا فائدة كبيرة.
د.عادل عامر
كاتب المقال دكتور في الحقوق وخبيرالقانون العام مستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم امن المعلومات ومستشار الهيئة العليا للشئون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الازهر والصوفية