أريـــدُ أن أتــكـــلّـــم
تاريخ النشر: 03/09/13 | 6:22لطالما أردتُ أن تكون لي صورة. أن أقف أمام الكاميرا وأحصُل على صورة لي” (اوغست ويلسن، الملك هيدلي).
هكذا تعبّر إحدى الشخصيّات المسرحيّة عن اعتقادها بقدرة الصّورة الشخصّية على تجسيد الهويّة وتوثيقها. لكن، لمَ أبدا مقالي الأوّل باقتباس عن أهميّة الصّورة، النّص المرئي، في تجسيد معنى الفرديّة والهويّة الشخصيّة؟
ربّما، لأنّني وجدتّ نفسي أزيحُ السّتار عن هويّتي وأخرج الى الضّوء عبر الصورة، لأوّل مرّة في حياتي. نعم، هي تلك الصّورة التي حمّلتُها في صفحتي الشخصيّة على الفيس بوك وعنونتُها: “اليوم أعلن هويّتي التي اخترتُها بقراري المستقل والحُرّ: مكشوفة وشفّافة بدون حجاب”.
هذا أنا…بل أنا بالذّات وبصيغة المؤنّث.
داخل ثقافة تعتبر تغليف الجسد الانثوي شرطا للسّماح بحضوره في الشّارع العمومي، ولا أقول الفضاء العامّ، تصبح صورة المرأة المكشوفة أكثر من مجرّد تسجيل صوريّ لموقف أو دفاعا عن الحقّ في اختيار الهويّة والفكر والتوجّه. تصبح الصّورة ذاتها فعل عصيان وتمرّد ضدّ الثقافة الأبويّة، المصبوغة بالقداسة، المنزّهة عن كلّ نقد والمتسلّطة على الجسد الانثويّ وعلى حقّ صاحبته في اختيار ما تخفيه من جسدها وما تظهره.
حين حمّلتُ صورتي تلك، كتبتُ تحتها: “أريدُ أن أتكلّم”. وها أنا أعنون مقالي الأوّل في عالم البوح والكتابة بنفس الجملة. أريدُ أن أتكلّم عن حقّي في أن أترك شعري للرّيح، أريدُ أن أتكلّم عن حقّي في مقاربة فرديّة مستقلّة للنّص المقدّس وتعاليم الإسلام السّمحاء دون أن أجد من يُخرجني من عباءة الدّين التي تتّسع للجميع، ودون أن يطالب سدنة المعبد برجمي بالحجارة داخل حفرة الموتى، أو يعترضني حرّاس فقه الأموات ومن نصّبوا أنفسهم ناطقين رسميّين باسم اللّه، أريدُ أن أتكلّم عن حقّي بمقاربة تحتفي بإنسانيّتي وقدرتي على التأويل والفهم والاختيار. إنّني اؤمن بأنّ باب تأويل النص المقدّس مفتوح على مصراعيه أمام الجميع وإلا فما معنى الآية الكريمة: “وَلَقد يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (سورة القمر، ٥٤)”؟ ألا تعني الآية وضوح النّص القرآني، وسهولته وإمكانيّة فهمه من قبَل المسلم العادي عكس ما يُشيع الكهنوت الذي أحاطَ القرآن بهالة من الغموض حتى سجنه في أسر المعنى الواحد الأوحد وضيّق الخناق على رحابة المعاني وتعدّد أوجه التفسير وحوّله إلى طلاسم موحيا للمسلم البسيط أن لا أحد يمكنه فكّ رموزها غير الشيخ أو المرشد أو الفقيه؟ ما معنى ان اُمنَع كإمرأة من مقاربة النّص المقدّس بنفسي والبحث بين طيّاته الغنيّة باحتمالات التّأويل- وقد قيل عنه إنّه حمْال أوجه- عن موضوع يخصّني شخصيّا ويمسّ وجودي الجندري كما الحجاب؟ ما المانع أن أفتح مصحَفي وأمحّص الآيات التي يتّخذها البعض مطيّة لممارسة وصايته وسلطته الذكوريّة الأبويّة؟ ما المانع أن أتكلّم وأقدّم رؤيَتي الشخصيّة تماما كما أراها؟
وهل يضيق الله ذرعا بمجرّد أنّ فتاة أرادت أن تكشف أنوثتها في حضرته؟
حسمتُ أمري بانّ لا مانع أمامي، بل هذا حقّ لي، بل هو أحقّ حقوقي.
هكذا، حقّقتُ أمنية شخصيّة مسرحيّة ولسون، وقفتُ أمام الكاميرا مرفوعة الرأس، عارية الوجه، ومكشوفة الشعر، ثم طلبتُ التقاط صورة لي: أردتّ نصا خقيقيّا يوثّق لهويّتي، لفرديّتي، لشخصيّتي المستندة لرأيي الخاص في قراءة نصوص القرآن، بعيدا عن التزوير الذّكوريّ لتاريخ الأديان وتاريخ الإنسان.
هكذا، عدتُّ أحمل صورتي بين كفّيّ كما الحمَامة التي فتحت جناحيها لتوّها وهي تحاول أن تطير.