الأغنية الجماعية
تاريخ النشر: 28/08/13 | 23:29من أجمل اللقطات التي شاهدتها في مدرسة ألمانية أن معلمي إحدى المدارس التي استضافتني أخذوا ينشدون أمامي نشيدًا جماعيًا، وكانوا يؤدون حركات متساوقة في اللحن وما زلت أذكر معلمة مسنة وهي نشطة بحركاتها الإيقاعية، فقلت وأنا أهز رأسي: أين أنت يا جدتي؟
وقبل ذلك بكثير كتبت في افتتاحية لمجلة مشاوير – كانون أول 1978 – عن ضرورة الأغنية المشتركة في توحيد مجتمعنا، وتساءلت:
"أين الأغنية الجماعية التي يحفظها طلاب المدارس الثانوية في لقاءاتهم؟
إن طلابنا يبدأون في الغناء مقطعًا هنا ثم ما يلبثون أن ينتقلوا إلى مقطع هناك، وما يلبث اتصال الأغنية أن ينقطع، والفوضى والنشاز يعمّان.
فليس هناك طرب يا عرب!"
بل أين الرقصة الموحدة في أعراسنا؟
وشكرًا للدبكة الشمالية وحدها التي وحدت!
في الحق أن الأغنية الجماعية وجدناها أحيانًا في ما يُنشده بعض من الشباب المسلم أو المسيحي من جهة، ومن جهة أخرى في ما تنشده الشبيبة الشيوعية في لقاءاتها الحزبية (وأثرها لم يعد قويًا بعد التطورات في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي)، وأنت لا تملك إلا أن تدهش للحماسة وهي تؤدى بانفعال.
وقد سرني مرة أن رأيت في مسرح (الحكواتي) في القدس إحياء لأمسية غنائية تحت عنوان (غنوا معنا) توزع على الجمهور أغنية ما، والكل يرددها ويغنيها مع فناني المسرح، جذبت النظر والسمع- من بينها أغنية من كلمات (معين السيد) يقول فيها:
بلادي فوق الأرض لوحة سماوية قدسي فوق الأرض لوحة سماوية
مــــن شـــــان الله يـــا اخــويــــا ترجــــــع لأمـــــــي وأبويــــــــا
ثم إن الكورالات التي نراها أحيانًا (وخاصة المسيحية الدينية) ليست كافية، فهي لمجموعة الأعضاء أو (الكورس)، وليست شائعة وذائعة للجميع.
ولكن هذه التي أشرنا إليها ملامح لا تغْـني عن حاجتنا الملحَة بوجوب التعميم، ولا تبدأ هذه إلا في المدرسة، فلا تكتفي المدرسة بنشيدها الخاص بها (مع قلة الجوقات في مدارسنا) بل يجب أن نبحث عن أغان شمولية عامة، كما هو الحال في مجتمعات حضارية.
وتساءلت مرة يوم أن عقد في الناصرة مؤتمر موسيقي هو بحد ذاته ظاهرة حميدة وسديدة،
كيف لم يبدأوه بأغنية أو نشيد يشارك فيها أو فيه الجمهور؟
من الضرورة بمكان طرح موضوع الأغنية الجماعية للنقاش:
فهل الذنب في هذا النقص أننا أمم، ولسنا أمة واحدة؟
هل تنقصنا الكلمات والشعر؟
هل الذنب يقع على الملحن الذي لم يفرض لحنًا تنساب إليه الكلمات؟
هل مديرو المدارس مقصرون لإهمال الأغنية الصباحية المشتركة المتفق عليها لجميع طلابنا العرب- عند الاصطفاف؟
إن طلابنا في رحلاتهم ولقاءاتهم بحاجة إلى كلمات وألحان تُغنيهم عن مثل:
"هل رأى الحب سكارى مثلنا" ، و" يا بلح زغلولي"، "ليالي الأنس في فيينا"، ولا تسألوا عن الأغاني الجديدة للمطربات المغريات.
حبذا أن يأخذ الملحنون هذا الأمر على محمل المسؤولية والجدية، ونتركز على الأقل بأناشيد ثلاثة نُشيعها ونوزعها على المدارس والنوادي، حتى إذا التقى طلاب من الجليل مع طلاب من النقب أو المثلث أو المدن المختلطة غنوا معًا، والتقوا معًا في أجواء فنية مشتركة، وترددت أصداء الكلمات، وانسابت في وجدان جمعي.
وما أجمل أن يفتتح مؤتمر الموسيقى القادم – إذا عُـقد؟؟!!- بنشيد جماعي رائع!
هل ستعقد المهرجانات القادمة في أي حقل وفي أي مجال بأغنية جماعية مشتركة؟
ومن نافلة القول إن الغناء المشترك أيًا كان: قصيدة، نشيدًا، أغنية، دبكة، رقصة، يساهم بشكل كبير في بنية الطابع الثقافي، ووحدة الاتجاه الفني والاجتماعي.