حرفان ليس أكثر

تاريخ النشر: 26/08/15 | 17:50

حرفان وحيدان يشكلان اروع كلمة ولدت من رحم لسان الضاد يعدلان الكون بأسره. ما ان يوجدا في مكان ما، حتى تعم الاريحية والغبطة والسرور ذلك الموقع، وتغشى الحاضرين نفحات كالنسائم تهز اغصان وجدانهم وتضرب على اوتار قلوبهم: انه الحب. الحب بمجمله كلام راق رقيق يتخلل الروح والجسد ويبث فيهما الاطمئنان والدعة. في مقالي هذا سأتطرق الى كلمة”الحب”، وساعرج على بعض انواع الحب مثل الحب الالهي حب الوطن، حب الوالدين، حب العشاق، وما الى هنالك مما تيسر.
فاسمى أنواع الحب هو حب الله جل وعلا. فهو الخالق الرازق، المدبر الوهاب، بديع السماوات والارض ومدبر الكون، تعالى الله عما يصفون. اروع ما سجله التاريخ من حب الهي ما كانت تكنه المتصوفة رابعة العدوية التي ذابت حشاشتها في حب الله تعالى، اذ تقول:
فليتك تحلو والحياة مريرة/ وليتك ترضى والانام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر/ وبيني وبين العالمين خراب
إن صح منك الود فالكل هين / وكل الذي فوق التراب تراب
حب الوطن لا يخلو من محبين كثر قد هاموا فيه ونسجوا قصائد الحب والغزل. فالشاعر الفلسطيني محمود درويش قد عده النقاد شاعر الارض المحتلة برمتها لكثرة ما تغنى وابدع في قصائد تحض على التماهي في الوطن. لقد كتب القصائد المغناة في حب الوطن، وحمله في قلبه وطاف به عاطفيا في ارجاء المعمورة. فاسمى التضحيات الجسدية هي ما تمت في حب الوطن كون المحب يمتزج مع ترابه، ويرويه بدمه الزكي الطاهر. فاحمد شوقي-امير الشعراء- يجسد حب الوطن والتضحية لاجله في بيت من احدى روائعه:
بلاد مات فتيتها لتحيا/ وزالوا دون قومهم ليبقوا حب الوالدين شيء جميل ورائع، فهما قد قاما بتربية الفرد وتنشئته واعداده ليكون فردا صالحا في المجتمع. فطاعتهما من طاعة الرب جل وعلا، وحبهما ليس له نهاية الا الفلاح في الدنيا والاخرة.”وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا”. فلا أجمل من مشاعر الحب تجاه الوالدين، وخاصة حين يبلغان من العمر عتيا. فالدين والاعراف والاخلاق جميعها تحض على المعاملة الطيبة والودية للوالدين. وجميعنا يعرف قصصا معينة ذهب ضحيتها من عق والديه واخرجهما من بيته وشرد بهما بلا رحمة او ود او ذرة حب وكأنهما غرباء.
حب العشاق يعتبر من عشرات القصص التي رواها التاريخ، سواء العربي او العالمي. فمدار حديثنا هنا هو تاريخ الادب العربي الذي يزخر بقصص العشاق، وفي جميع الاعصرة، ابتاء من العصر الجاهلي الى العصر الحديث. فعنترة العبسي وعبلته اشهر من نار على علم، وقيس وليلى، كثير عزة، جميل بثينة، وغيرهم الكثير. فالتاريخ يذكر ان البعض من الشعراء المحبين كان يكفيه من حبيبته النظرة العجلى، وربما في اوقات متباعدة، رغم انه يكابد الويل والسهر، وقد يظهر على جوارحه شيء من ذلك.
ابن زيدون-برغم مكانته وعلمه ومركزه- فقد هام بولادة بنت المستكفي وعانى وذاق مرارة، او حلاوة، تلك التجربة. فقد تمخضت حالته عن اروع “نونية” خطها حبر شاعر مدنف، محترق الكبد من لظى الحب.
وتبرز قصة الحب الرائعة التي جمعت قلبي جبران خليل جبران و مي زيادة وما خطه قلماهما من لوعة ورسائل شوق، رغم انهما لم يلتقيا وجها لوجه؛ بل هو كان في نيويورك وهي في الوطن العربي، واحيانا كانت ترحل الى بعض الدول الاوروبية، وسرعان ما تعود ادراجها الى حظيرة الوطن الام. وحين مات جبران، لبست السواد، واقامت العزاء. اصيبت بنوبات نفسية في آخر المطاف، ربما لعدم استطاعتها التكيف مع حياة مريرة ينقصها وجود جبران شخصيا معها، رغم انها كان الكثير من الادباء يطلب ودها اثناء ادارتها لصالونها الادبي في القاهرة، ولكن” جبران” كان بوصلتها الوحيدة.
يقال احيانا”من الحب ما قتل”، وربما هنالك قصص وراء هذه المقولة. احيانا يعيش المحب حالة من التحليق في سماء من يحب، وينسى من حوله من بشر او طعام او شراب، وربما اصابه الضمور والإعياء والسقوط مغشيا عليه. فمجنون ليلى كان يهيم على وجهه في البلاد ولا من شيء يبقي عليه حياته، فكانت والدته تعرف مساره وتضع بعض الاطعمة البسيطة وجرعات الماء في الاماكن التي يطرقها، عله يعثر علي ما يقيم اوده. في بعض الاشعار الغربية القديمة، كان المحب يقتل محبوبته بخنقها بظفائرها كي تموت وهي في ازهى صورة في ذهنه ومخيلته، قبل ان تصبح عجوزا شمطاء تشمئز منها نفسه. فهل هذا ما يفعله الحب الخالص؟ هذه تجنيات على الحب. هنالك كذلك حب من صميم العائلة.
ضمن العائلة الواحدة تتجلى انواع من الحب تساعد على تسيير وتيسير دفة الامر، منها على سبيل المثال حب الاطفال وحب الاولاد الكبار وحب الزوجين. فالاطفال نعمة من المولى عز وجل، وهم كما يقول المثل”أطفالنا أكبادنا تسير على الارض”. هم احد اسباب ثبات العائلات وحمايتها من المشاكل التي لم ترزق باطفال. هم الدنيا والسعادة الجميلة. ولا ننسي الاولاد ممن تخطى سن الطفولة وما حجمهم في الاسرة. هم الموئل والامل والسند والاشجار الطيبة التي ينتظر الوالدان ثمارها. حبهم
حبهم متبادل مع اخوانهم الاطفال، ومع الاباء والامهات. وماذا عن الحب بين شريكي الحياة؟
الحب بين الزوجين يشكل الركيزة والرافعة الهامة كذلك لاستمراية الحياة الزوجية والاسرية. فالحب القائم على احترام الواحد منهما للاخر ينمي الدفء العائلي ويمتص اية مشكلات لربما حدثت هنا او هناك، وان يستوعب الشريك شريكة بسعة صدر. هذا الحب الجميل لا يتأتى في الغالب الا بتوافق بين الشريكين سويا، وتساميهما فوق ما ينغص عليهما الحياة الزوجية. هو حب يسري في دواخله الانسجام والتقدير واستيعاب الاخر.
في نهاية المطاف، اود ان اقول بان لكل نوع من انواع الحب احساسه مشاعر ه الجياشه الخاص به و”ماركته المسجلة” التي تتوائم معه،وتختلف بتعبيرها وتعابيرها من نوع لاخر فاحاسيس الحب تختلف باختلاف انواعها ويصعب وصفها. لانها مخفيَّه وظهاره صامته وصارخه جميله ومهيبه حنونه وحانيه مثاليه وانانيه لذك اجدني،اقول ان لكل حب خاصيته وملكته… ولكن كل هذه الانواع من المشاعر والاحاسيس، ليست الا روافد وجداول تنبع من نفس المصدر الا وهو الحب، وتصب في بحر العاطفة والاحاسيس الجياشة. فما اجمل الحياة بالحب، وما اجمل الحب بالحياة.

ابتسام ابو واصل محاميد،

Untitled-1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة