إعدام دمية
تاريخ النشر: 23/02/13 | 4:44اعدم السجانون في قسم 3 في سجن مجدو دمية صنعها الأسرى الأشبال في هذا السجن، ظنا منهم أنهم يستطيعون ممارسة طفولتهم واللعب واللهو، بعد أن حرموا من حياة الطفولة وزجوا خلف القضبان.
الدمية التي كانت على شكل أسير، قام السجانون بمصادرتها وتمزيقها أمام الأسرى الصغار الذين اندهشوا وبكوا وصرخوا مات…مات، مما دفع قوات كبيرة من شرطة السجن إلى مهاجمة الأسرى وفرض عقوبات جائرة بحقهم.
مات …مات صراخ الأطفال يشتد ويعلو كأنهم يتمزقون مع دميتهم اشلاءا أشلاء، مزقوا ما في بالهم من أحلام، وأوصدوا على الأغنية الباب.
مات …مات قتلوا دميتهم المصنوعة من ورق وخيوط وقطن وما فيها من روح تشتهي الحياة، اعدموا ما خلقه الله من بديهيات في الكون عندما يكتشف الطفل الدنيا ويعبث بالمكان.
صرخات هي كلمات لا تدون بالحروف، دمية، طيف الطفل الذي سيكون، شفافية بيضاء، كقلوبهم البيضاء، زيارات اللاوعي إلى الوعي، في شكل كظل آخر يهذب الاغتراب بالسجن ليتعالى الوجع في ذرات الأشياء.
لا مدرسة ولا كتاب، لا أم ولا أب، وعلى الطفل في السجن أن يكبر بسرعة ليعتمد على القادم في عمر الشباب، وعليه أن يختصر المسافة في النمو دون أن ينسى ما تطلبه الفراشات. الأطفال الأسرى: المخطوفين بعد منتصف الليل، المدعوسين ببساطير الجنود والمضروبين بأعقاب البنادق، المشبوحين والمعلقين في مراكز التحقيق أو المستوطنات، الخائفين المرتجفين بين الشبح والضرب والاهانات،المكسورين تحت التهديد والوعيد والفزع في ليالي الزنازين ، المطفأة أعقاب السجائر في جلودهم والصارخين من التعذيب بالكهرباء، المحرومين من النوم والأكل ونشيد المدرسة.
الأطفال الأسرى: فراغ من حديد حولهم، ألوان زنزانة رمادية ولا سماء، ارض مدببة وكلاب متوحشة ولا ماء في البئر ولا نجاة، لا حب في ليل الاحتلال، لا شمس تطلع في القلوب ولا حكايات قبل النوم.
الأطفال الأسرى: لا عشب اخضر أو أصفر في ارض إسرائيل الكبرى، كل الجهات بوليسية، والذي يبكي خلف الجدار طفل يسأل عن أمه بعد المساء.
تناثرت الدمية اربا اربا بين أيدي الجنود، كأن هؤلاء الجنود لم يكونوا يوما أطفالا، ولدوا جنودا بأيديهم المدفع والبندقية، وفي أصواتهم أناشيد الحرب وفتاوي الحاخاميين المتطرفين، ورقصات العسكر بعدما يصيروا كائنات من فولاذ.
أعدموا الدمية في سجن مجدو، ولسان حال كل طفل يستعيد روحه في المشهد المتوتر: رعب الأهل عندما داهموا البيت فجرا، أيقظوه من النوم واعتقلوا النعاس، كبلوا يديه وعصبوا عينيه وبلا أي سؤال اقتادوه إلى المجهول.
لم امكث أمام قاضي المحكمة العسكرية سوى ثلاث دقائق وأربع ثوان، لم ينظر إلي، لم يشاهد طفلا يقف أمامه في قفص حديدي، أصدر علي حكما قاسيا وخرج مسرعا كأنه ارتكب فاحشة باسم أمن دولة إسرائيل.
في غرفة التحقيق ابلغني الضابط أنني قنبلة موقوتة، وأنه لا حصانة لأطفال فلسطين، وان دولة إسرائيل لا تعترف باتفاقية حقوق الطفل ولا بالورد، ولا تكترث لسؤال الضحية.
في غرفة التحقيق دعس المحقق على رأسي ثم حبسني في الحمام، وأخرجني ليشبحني تحت المطر والبرد ساعات ساعات، رأسي مغطى بكيس أسود قذر، كل شيء حولي مظلم وبارد، وهناك ناديت على أمي فانهالوا علي ضربا.
مات مات… سقطت الدمية، سقط الخيال، وانتزعت بين أيدي الجنود كل المجازات التي تستدعي الغزلان في البراري ، أو تجعل الشجرة تصافح السماء، وفي السجن ممنوع أن تفرح أو تحاول ذلك، فالطفل الاسير محروم من الذكريات ومن الخطوات.