تحليل لديوان الشاعر زهدي غاوي "شمس وقمر"
تاريخ النشر: 24/01/13 | 3:11بَعضٌ مِن قِراءاتِي في دِيوان ( شَمسٌ وقَمَر ) لِـلشَاعِر الـمُبدِع زُهْدي غَاوي
شَمْسٌ وقَمَر عُنوانٌ يُوَحِّد المَدارَات تَلْتَقي بِه كلّ ثُريَات السَّماء ويَزْدانُ ألقًا وسِحرًا
هُنا تَنْسجُ لَنا الشَّمْسُ خُيـوطًا ذَهَبيّةً مُتَلـألِئةً ويَطُوفُ بِنَـا عِطر الغِيَاب القُـرْمُزِي، أما القَمَر فَهُو
رَمزٌ لِـلتأمّلِ يَروم بِه الشَّاعِر يَقْصِدُ الـأعالي وقِممَ القَصيدِ ولـا يَهابُ .. لـا يَهَاب
إنَّ الشَّاعِر يُحَاكِي لُغَةَ فَارِسٍ عَاشِقٍ لِلحَرفِ والكَلِمَـةِ الطَّيّبَة،
فَارِس يَمتَطِي صًهْوَة الـلـامُستَحيل يُقَاتِلُ .. يُقتَلُ من أجلِ مَحْبُوبَتِه، يَموتُ ويَحيا مِن أجلِهَا ففي قَصِيدَتِه ( حبّ فَاقَ الخَيَال ) يُعبر الشَّاعِر عَن حُبّه بِرِوايَةٍ مُقَـدَّسَـةٍ تَفُوق الخَيال، بل هي أضْعَافٌ وأضْعَاف الـأبْحُرِ والـأنْهَار وفوقَ ما يَتخَيله العَقلُ والخَيال ..
( جَدَّدتُ الـأمل )..
هي قَصِيدَةٌ تَسْتَقِي مِن رُضَابِ الحبّ ومِن وَرْدِ شَفَتيهَا وغَاوِي مُلْهَمُ الـإحساسِ يُغْدِقُ عَلينا بِفيضٍ من إختِلـاجاته، تَارَةً نَراه يَترنّحُ مِن شِـدَّةِ الشَّوْقِ والجَوى وتَارَةً أخرى نَراهُ يتَوسَلها مُطَاوعة الهَوى وأن تَرحَم القلبَ والفُؤادَ المُعَذب !
نَعمْ هُو مُلْهَمٌ وهي مُلْهِمَتهُ هُوَ مُعَذَبٌ يَكْويِه جَمْرُ الهَوى وهي مُعَذِبَته، يُطَالِبها بالرَّحمَةِ والرّأفةِ فَيدْعو الله قائلـًا :
يَا كَرِيمَ الحُسنِ رِفقًا بالـأنَامِ… إنَّما العَطْفُ بنا طَبع الكِرَام
في قَصِيدَتِه ( بينَ حُبّيْن ) ..
يَعيشُ الشَّاعِر قِصَةَ وَطَنٍ يَرنُو بِها إلى حضنِ أمَه الـأرض فَيحمِلُ بِيَده اليُمنى مَفَاتِيح السَّعَادَة وفي يَدِه اليُسرى كِتَاب يَتَزهَّد به والـإبتِسَامَة يَنْبوع عَطَاءٍ لـا يَنْضب تَسْتَشرِف في مُحيَاه .
فيَقول :
تَاه قَلبي بين حُبّيْن ولم …. أسْتَقي غيرَ الدُموعَ المَالِحَة
حُبّ أُمي .. الّتي تَحت الثَّرَى …. وبأرضٍ سَلَبوهَا البَارِحَة
جِئتُ بالـمِيزَان .. مَن أغلـاهُما …. فَوَجدتُ الـأرضَ كَفًا رَاجِحَة
نَرى الشَّاعِر يُقَارِنُ أيَهما أغلى .. حُبّ الـأم أم حُبّ الوَطَن ولو تَأمّلنا بِعمقٍ ووجَهنا النَّظَر صَوْبَ قِراءتِهِ الفِكريّة لَوجدنَا أنَّ الـأم والـأرض تَتَحلَيانِ بقَاسِمٍ مُشتَركٍ الّـا وهُو الـإحتِواء والـإنْتِماء
وفي قَصِيدَتِه ( عَاشِر الـأبرَار ) :
عَاشِر الـأبرَارَ واقْبَل نُصْحَهُم …. وبِعَون الله حَتْمًا تَنْعَمُ
ودَع الفُجَّارَ وارفُض طَرحهُم …. من أطَاع الشَّر يَوْمًا يَنْدَمُ
فَخِيَارُ النَّاسِ نُور صُبحهم …. وشرار النَّاسِ لَيلٌ مُظْلِمُ
وتَرى الـأجوَف شُّح المَبسم …. وهو كالبَالون صَفرا يَعلمُ
فنَراهُ يسْتَعين بالـمُحَسِنات اللَّفظِيّة والبَدِيعيّة الّتي تَزِيدُ مِن جَمالِ التَّراكِيب فَفي قَوله ( فَخِيارُ النَّاسِ نُورٌ صُبحهُم …. وشِرارُ النَّاسِ لَيلٌ مُظْلِمُ ) يَسْتعمِل الـمُقابَلة، أما في عجز البيت التَّالي يَقول ( وهو كالبَالونِ صفرًا يَعلَمُ ) فيَسْتَعمِل التَّشْبِيه، وفي البيت التَّـاسع يَسْتَخْدِمُ أسْلوبَ الطَّلَب فَيقول ( فاحذَرِ الحقَاد تَبْقى سَالِـمًا …. فَشَرابُ الوَرْدِ مِنهم عَلْقَمُ )
( ذِكرَياتِي .. وجُمَيّزَة جَدّتي )
تَنمّ كِتَابَةُ الشَّاعِر عن رؤيَةٍ وَاضِحَةٍ وعَمِيقَةٍ لـلـأمور فَنَراهُ يَصِفُ الجُمَيّزَة الـمُتَرَابِطَةَ بِحَبلِ أفكَارِه والّتي لم يَأتِ ذِكرها بِشكلٍ عَفَوي !!
مِن هُنا نَلْمَح ونَرى عَلـاقَته الوطِيدةَ والمُتَجَذِرَة في حُبّ الـأرضِ .
ففي كلِّ مَسَاءٍ كَان يَتَأبَطُ الشَّاعِر كِتَابَ حَيَاتِه ويَتَجولـانِ مَعًا فَوق رَابِيَة الرَّجَاء تِلكَ الرَّابِيَة الَّتي كانتْ تُعَانِق السَّماء، وكَان يَسْتَظِلُّ بِأفْياء الجُميّزَة يَجولُ ويَصُول في مَيادِين الشِّعر والـأدَب .
لَقد كَانَ يَعْتَصِر دَمْعَه وَيَمْلـأ مِحْبَرَتَه بِمِلح آهَاتِه ومعَ كلِّ رَشْفَةٍ كَانَ يَرْتَشِفها مِدَادهُ الحَزِين كَان تَبوحُ خَلجاتُ يَراعِه ونَشِيجه ويُؤكِد للقَارئِ صِدقَ أحاسِيسه ولَوْعَةَ حرْفِه ولنْ أُخفِي عَليكم أنَّ كَلِماتَه قَد إسْتَنْزَفت مُقلتَيَ وجَادِ بِهما دَمعٌ وألَـمُ !!
فأعتَصِرُ دُموعِي .. لِـأملـأ مِدوَاتِي
مِدادًا يَكْفِي .. لِبًعضِ آهَاتِي
فَأغمِسُ بها قَلَمِي
لِـأرْسمَ صَيْحَة ألَـمي
عَلّها تَخلُدُ في ذِكْرَياتي
إنَّ غَاوِي يُعتَبَر قُبْطَانًا مَاهِرًا يُوَجِّه وَيقُود مَركَبَته عَبَر بِحُورِ الشِّعر.. والـأدَب ويَسْتَطِيع أن يَخْتَرقُ عُبابَ الـمَوْج العَاتِي، نِهَايَةً أتمنّى لـلشَّاعِر دَوام التَألقُ والـمُوفَقيّة .. ومِن وَلِيدٍ إلى آخَر
لقد وفّقت يا صفاء في خوض غمار هذه الحروف الرّاقية للشّاعر الموهوب زهدي غاوي …..أرجو لكليكما التّوفيق والإبداع.