الضحك

تاريخ النشر: 23/04/15 | 16:09

ضَحِكَ:[ ض ح ك ]. ( فعل : ثلاثي لازم، متعد بحرف ). ضَحِكْتُ، أَضْحَكُ، اِضْحَكْ، مصدر: ضَحْكٌ، ضِحْكٌ، ضَحِكٌ. ضَحِكَ الرَّجُلُ : اِنْفَرَجَتْ أَسَارِيرُهُ وَبَدَتْ أَسْنَانُهُ مُحْدِثاً صَوْتاً لِلتَّعْبِيرِ عَنِ انْبِسَاطِهِ وَسُرُورِهِ. (معجم المنجد).
الضحك ظاهرة تأتي كرد فعل على حادثة ما تنتاب البشر، وإلى حد ما، بعض المخلوقات الاخرى، وهي تعبير عن غبطة أو سرور، أو ربما خوف. فالضحك يدخل ضمن طرق العلاج في بعض المصحات، وخاصة في أجنحة الأطفال ممن يعانون من أمراض مزمنة يصعب شفاؤها، كالسرطان. فهو-الضحك- يسيطر على ما يعانيه الفرد من مشاكل و مشاغل وتعب جسدي و نفسي، فينسى المرء نفسه تحت تأثيره، ليبدو في حالة أفضل من ذي قبل. فليس من قبيل الصدف انشاء نواد متخصصة للضحك يرتادها البعض ممن تعكرت أمزجتهم نتيجة ضغط ما كضغط العمل الدائم، أو الذين يعانون اتعابا نفسية حادة. فمن شروط الالتحاق بنوادي الضحك.
يبدأ الفرد بالضحك حال وضعه قدمه في النادي الى حين رحيله. فالبعض يضحك من البعض في طريقة ضحكهم و تصرفاتهم، وهذه مقدمة لاقتناص ضحكة شبه طبيعية، أو تكاد. فقد نقل عن ارسطو قوله :” نحن نضحك على من هم أقل منا، وعلى القبحاء من الاشخاص”.
وفي حكاية الرجل الذي أتى زوجته في نهار رمضان، وحين طلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم بالتصدق بعذق رطب لأشد العائلات فقرا في المدينة، رد ذلك الرجل بأن ليس في المدينة اكثر فقرا منه، و حينها ضحك عليه السلام حتى بانت نواجذه. فالاطفال يضحكون منذ الاسابيع الاولى للولادة، و الشباب يضحكون، والكهول كذلك. فالبعض، وخاصة الأطفال، يضحكون و بهستيريا رهيبة حين تدغدغ بعض أجزاء من أجسادهم، و خاصة منطقة ما تحت الإبط. فالضحك، إن كان دون تصنع، يخلف حالة من النشوة و الانبساط تأتي اكلها ثمرات طيبة في التعامل مع الاخرين من أهل اولا ثم اصدقاء و زملاء. فالدماغ يفرز الضحك مواد تريح الجسد و النفس، و تعود بالفائدة القصوى على الفرد و محيطه. ولكن الحذر مطلوب من قهقهات متوالية و عميقة دون افساح المجال لاسترداد النفس؛ لربما قضت ضحكة على صاحبها خنقا وانقطاع نفس، أو تهتكا لأغشية القلب. وليس كل الضحك محمود، وفي المقابل، ليس جله مذموم. فضحكات متوالية على مدار الساعة قد تسم صاحبها بالعته أو الجنون، و بعضها يؤدي الى انفلات البول، خاصة حال وجود خلل في المثانة. ما مدى ارتباط الضحك بالموروث الحياتي؟
في الموروث الحياتي بشقيه، الديني و الدنيوي، يبرز الضحك كعلامة فارقة في الخطاب. ففي القرآن الكريم يخاطب رب العزة المؤمنين بقوله :” فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون”. المطففون 34. فالضحك هنا ليس الا تعبيرا عن النجاح والفوز برضوان الله. ونوع آخر من الضحك تجلى في القرآن الكريم في قصة سيدنا سليمان عليه السلام:” فتبسم ضاحكا من قولها” النمل، وهو تعبير عن اسباغ النعمة و الفضل الذي يغمر البعض من عبيده به. والاستبشار و الفرحة هما ضربان من أضرب الضحك التي تعبر عنهما الآية التالية:” وجوه يومئذ مسفرة، ضاحكة مستبشرة” عبس 38-39. فالضحك و البكاء جميعهما من الله تعالى، ونسأله في علاه أن يجعل ايامنا ضحكا مباحا.” وأنه هو اضحك و ابكى” النجم 43.
أما فيما يتعلق بالشؤون الحياتية، فهنالك مصطلحات و أمثال و حكم تستخدم كلمة الضحك لوصف حالة أو تشبيهها باخرى. فإذ ما تعرض شخص لحيف من آخر، أو أحس منه بخديعة أو غبن، فيسعفه القول:” ضحك على الذقون”. ولا يخلو الأمر من حض على الانبساط و إظهار الفرح بالقول:” إضحك، تضحك الدنيا معك، إبك، تبك وحدك”. وأحيانا تسهم الشقاوة و المزاح ما بين الزملاء حتى يختلس أحدهم من الآخر شيئا ما. ففي كلتا الحالتين هنالك تبرير للأمر:” إن شفتني، أضحك عليك، وإن ما شفتني راحت عليك”. ومن الأقوال التي تضم كلمة الضحك ما يقال أحيانا بأن هذا الأمر مضحك مبك، و هلم جرا.
نشرت صحيفة الوطن الكويتية في 25/12/2009 مقالة عن الشاعر عبد يغوث الحارثي. فحين اتي به أسيرا ضحكت منه ام العبشمي حالما أخبرها بأنه سيد قومه، فيقول:
وتضحك مني شيخة عبشمية / كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا
وما دمنا في بطون الشعر، فهذا ابو صخر الهذلي يعرج على مفردة الضحك حين عبر عما يجيش في البال من صبابة:
أَمَا والذي أَبْكَى وأَضْحَكَ، والذي
أَماتَ وأَحيا، والذي أَمْرُه الأَمْرُ

لقد تَرَكَتْنِي أَغْبِطُ الوَحْشَ، أَن أَرى
أَلِيفَيْنِ منها، لا يَرُوعُهما الذعر ُ
فهل فات الأمر أبا العلاء المعري؟ لا يظن ذلك، فهو الموسوعة الأدبية الزاخرة بالدر، ولا بأي حال يفوته توظيف الضحك في احدى قصائده:
رب لحد صار لحدا مرارا / ضاحك من تزاحم الأضداد
فالعرب تقول:” من يضحك أخيرا، يضحك كثيرا”، و هي كناية عما تؤول اليه النهايات، فالامور بخواتيمها. و هنالك من يجني ثمرات طيبة قد يحسده عليها أقوام، ولا يُظهر الفرح بما وصل اليه من خير، فالبعض هنا يُبَصِّره بما لديه، و يطلب منه الفرح و إظهار الغبطة بالقول:” إضحك بعبك”، أي أدخل رأسك في ثوبك ( مجازاً ) واضحك واشكر الله على هذه النعمة. ونوع آخر من استعمال مفردة الضحك و هو:” أضحك الله سنك”. وقائل هذه العبارة-والله أعلم- هو عمر بن الخطاب حين استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم و عندها نسوة يكلمنه و يستكثرنه وعالية اصواتهن. فلما دخل عمر بادرن بالحجاب.
عليه السلام فقال عمر:” أضحك الله سنك يا رسول الله”، وسرد عليه ما وقع.
في دولة الكويت، وحسب ما أُخبرت، فهنالك استخدام تذكر فيه كلمة الضحك، و المحصلة هي نوع من الاستهزاء أو الإزدراء. فرب قائل:” ضَحِكْتَ من سرك”. وأذكر حين كنت مدرسا في دولة الإمارات العربية المتحدة، و كنت – لحد ما – جادا مع الطلاب ودون عنف، إذ أسر الي أحد الطلبة في وقت الإستراحة بأنني ينطبق علي المثل:” من لطمني أراد مصلحتي، و من ضحَّكني ضحك علي”. شكرته على الإطراء، وأخبرته بأن العمل بضمير هو عبادة من نوع آخر. ويبزغ فجر مثل آخر حول الضحك جامعا النقيضين من بكاء و ضحك:” يا بخت من بكّاني و بكّى الناس عليّ، ولا ضحّكني وضحّك الناس علي”.
ولنختم بما شدا به عبد الحليم حافظ في اغنيته الشهيرة:” ضحك و جد ولعب و حب”. فالضحك، ما كان من القلب، وما كان عفويا، فإنه يبث روح السعادة و الحبور و النشوة في النفس البشرية. فلنضحك من أعماق الأعماق و بكل عفوية صادقة، فطالما كان معاوية بن ابي سفيان يضحك من مواقف يستمع اليها من بعض رعيته وكان يفحص برجليه من شدة الضحك معقبا:” كل كريم طروب”.

من يونس عودة

yones3wdh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة