ثقافة في الظل، ام ثقافة هي الظل؟

تاريخ النشر: 17/02/15 | 8:10

بماذا يختلف آذار الثقافة، الذي ينظمه مركز مساواة للعام الرابع على التوالي بالتعاون مع مؤسساتنا الثقافية وفي اطار مشروع الثقافة الفلسطينية – حقوق وفضاءات، هذا العام عن الأعوام السابقة؟ “آذار الثقافة” الذي يجعل هذا الشهر يغتني بعطاء ثقافي متنوع من الجليل وحتى المثلث والنقب ويغني مجتمعنا الفلسطيني في الداخل بمضامين الثقافة العربية والانسانية؟
يختلف هذا العام عن سابقيه بوقوع يوم الانتخابات العامة في البلاد في منتصف هذا الشهر، وهذه الانتخابات تختلف عن سواها في أن اسقاط اليمين الفاشي واضعاف مواقعه هما في صلب الحملة الإنتخابية وعلى قمة أولوياتها، وتختلف هذه الانتخابات بوحدة القوائم العربية ومعها قوى تقدمية يهودية ونزولها في قائمة مشتركة تحديا وتصديا لمحاولة هذا اليمين منع العرب من الوصول إلى البرلمان في أحزاب وطنية وقومية.
لم تتبدل شعاراتنا الثقافية في هذا العام عما سبقها في الاعوام الثلاثة الماضية، منها إثراء فضاءات ثقافتنا الفلسطينية والاغتناء بها أو دور الثقافة في مواجهة العنف الذي تبدا مظاهره البشعة من الاحتلال وحتى قمع الضعيف جسدا وروحا، ولكن بما أن هذه الحملة الانتخابية تحشر نفسها في هذا الشهر فان علاقة السياسي بالثقافي تصبح هي الموضوع الأهم. وندعو هنا مؤسساتنا الثقافية لأن توظف الحملة الانتخابية من أجل تطوير حوار مع الأحزاب السياسية لتعزيز مكانة الثقافة في برامجها ووضعها على سلم أولوياتها وفي الوقت نفسه أن لا تجعلها ثقافة في الظل، ظل السياسة والسياسيين بل أن تكون هي الظل، ظل الواقع الذي يخلق مناخا طيبا للحوار ولممارسة الحياة بأمان وبلا توتر ولا صراعات دموية على البقاء.

لجيل يحن إلى الماضي الجميل…
أبناء جيلي، الذين تجاوزوا الستين عاما من العمر مسكونون بحنين دائم وحار إلى الماضي الجميل، إلى أيام شبابنا حقا ولكن إلى ما كانت عليه تلك الأيام من لمعان ثوري ووطني، نعود إلى ما كان عليه عالمنا العربي الذي كان منسجما مع العالم ومنقسما معه إلى نصف رأسمالي امبريالي تقوده أمريكا ونصف آخر ثوري وتحرري واشتراكي يقوده الاتحاد السوفييتي، وكان خيارك إما أن تنتمي إلى هذا النصف او ذاك ولكنك لا تستطيع إلا ان تنتمي وبغض النظر عن ثقافتك وانتمائك وطولك وعرضك كان لا بد ان يكون لك موقف معلن على رؤوس الاشهاد. حالة النهوض العربي التي شهدناها أججت فينا لهيب الثورة على كل ما هو رجعي وتآمري، فمن جهة كنا نستمد طاقة ثورية من حضور وخطابات الرئيس جمال عبد الناصر وياسر عرفات وجورج حبش ومن جهة أخرى كانت النهضة الثقافية في العالم العربي لا تقل حرارة عن النهضة السياسية، جيلنا عاصر أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ورياض السنباطي وأحمد رامي والجواهري والسياب وتأنق الرحابنة وهنا قبل حزيران 67 ورغم القطيعة والانقطاع عن فضائنا العربي نما أدب المقاومة في ظل حكم عسكري ونكبة مستمرة ونهب للأرض واللغة والوطن برمته، هنا انطلقت الكلمات الثورية كالرصاصات على المنابر وفي المحافل السياسية والجماهيرية النضالية، هنا ارتفعت أصوات حبيب قهوجي واميل حبيبي وجبرا نقولا واميل توما وتوفيق زياد وحنا ابو حنا وحنا ابراهيم وعيسى لوباني وعصام العباسي ومحمود دسوقي وهنا وحينذاك شهدنا ولادة الجيل الثاني: راشد حسين وسميح القاسم ومحمود درويش وكل هؤلاء لم نصغ إليهم فقط في الأمسيات الأدبية بل في المظاهرات والاجتماعات الشعبية وفي ساحات الأول من أيار في الناصرة وكفر ياسيف والطيبة التي كانت تغص بالآلاف ممن انتظروا قول الشعراء مثلما انتظروا قول القادة. في ذلك الزمن الجميل كان لقاء السياسي والثقافي حالة وحدوية يفرضها انسجام في المواقف والمواقع لكن كان هناك تفاهم أيضا على أن الفعل السياسي لا بد أن يأخذ شكلا ثقافيا وأن الفعل الثقافي لا بد ان يحمل مضمونا سياسيا.
في تعريف الحملة الثقافية..
نستعد لآذار الثقافة 2015 وقد انطلقت الحملة الانتخابية وها نحن نعود بذاكرتنا إلى الأيام الجميلة، فلنحدد ماذا نريد وكيف يمكن أن توظف هذه الحملة لدعم الثقافة وكيف يمكن أن يوظف هذا الشهر لنهوض سياسي وطني وديمقراطي؟
أولا: رؤية ثقافية: الثقافة في موقع بارز. في الحملة الانتخابية لا يكفي ان نذكر الاهتمام بالثقافة كمطلب مجرد، بل يجب وضع رؤية ثقافية يجري الحديث حولها في الاجتماعات الشعبية والحلقات البيتية والندوات السياسية الانتخابية. هذه فرصة لالتقاء السياسيين والمثقفين والجماهير للتداول في تأسيس مشروع ثقافي وطني يتواصل بناؤه بعد الانتخابات وبغض النظر عن نتائجها.
ثانيا: حرية التعبير والابداع. إذا كان عنوان هذه الانتخابات التصدي للفاشية واليمين العنصري فان أهم قواعد هذا النضال هي الدفاع عن حرية التفكير والتعبير، وإذا أعادنا حنيننا إلى الماضي الجميل فأكثر ما نتذكره ونذكره هو تصدينا للحكم العسكري ولسياسة كم الافواه ولاعتقال الشعراء والكتاب والمثقفين وللرقابة على الادب والفن، واليوم وحتى إن تغيرت أشكال القمع إلا أن الدفاع عن حرية التعبير يبقى المطلب الأول ولا نميز هنا بين القمع الذي تمارسه السلطات السياسية وبين القمع الذي تمارسه سلطات اجتماعية ومنها وعلى راسها المؤسسة الدينية. ثقافة حرة هي الشرط الاول لمجتمع حر.
ثالثا: الحقوق الثقافية من الدولة. هذه الحملة الانتخابية هي فعل يعمق المواطنة والنضال من أجل الحقوق المدنية وقد نختلف في تفسيرنا لواقع المواطنة ولكننا متفقون على ان الحقوق المدنية هي حقوق شرعية ندفع مقابلها بالواجبات المدنية، وهذا يعني ان نخوض معركة ضد التمييز في هذه الحقوق. وليس هناك تمييز صارخ أكثر من التمييز الثقافي اذ أن نسبة ما يخصص من ميزايات للثقافة العربية هو 3% فقط من ميزانية الثقافة التي يقرها الكنيست باقتراح من الحكومة. في المحكمة العليا دعوى معلقة رفعها مركز مساواة وفيها كل التفاصيل عن أشكال التمييز الثقافي، وقد تشكل فوروم للمؤسسات الثقافية العربية من أجل تحصيل الحقوق ويضم المسارح والفرق الفنية والسينمائيين والادباء، فلتدعم هذه الحملة الانتخابية نضالات هذه المؤسسات برفع مطالبها ولنشرها وتعميمها.
رابعا: حضور الثقافة ظلا للواقع لا للسياسة. شهدنا في العقود الثلاثة الأخيرة تهميشا للثقافة والمثقفين والمبدعين. حتى أصبحت تعابير مثل: “كلام مثقفين”، تعني الكلام الذي لا قيمة له ولا يسمن، وصار الهجوم على المبدعين والابداع الخبز اليومي لأعداء الثقافة والتنوير في الجوامع والصحف والمنابر العامة وصار رئيس مجلس يغلق مكتبة بقرار اداري وصار كل من يملك سلطة هامشية في المجتمع يلغي مسرحية وأمسية موسيقية وكتابا وقد التزمت الأحزاب والحركات السياسية الصمت ولم تحرك ساكنا، واليوم انها فرصة هذه الأحزاب لتنقل الثقافة من الهامش إلى المركز، لأن تنشر رسالة أن شعبا يستهين بثقافته هو شعب لا ثقة له بنفسه وهو لا يتقدم بل يركن إلى التخلف. هذا يجب أن يكون عنوانا للحملة الانتخابية لكي نعيد إلى الثقافة موقعها في المركز.
خامسا: المبدعون على منابر السياسة. تحدثنا بحب وحنين عن الزمن الجميل وما كان يميز هذا الزمن أن كل نشاط سياسي كان يجمّل بنشاط ثقافي. كان الشعراء يعتلون منابر السياسة في الحملات الانتخابية ويقرأون نصوصهم الشعرية والنثرية وكانوا يحكون سياسة بجمل أدبية ويثيرون الحماس بقصائد ملتهبة دون أن يكونوا ظلا لقائد سياسي بل هم قامات منتصبة وشامخة إلى جانب القادة السياسيين. هكذا كانت الجماهير تتعرف على شعرائها وهكذا كان السياسيون يفسحون مساحة واسعة للمبدعين. لم تتغير الحالة العامة ولا أوضاعنا السياسية والاجتماعية ولم ينصرف الاحتلال ولا سياسات التمييز، ما تغير هو أن ساحات النضال السياسية خلت من الشعراء.
سادسا: كيف ننشر ثقافتنا الوطنية؟ الثقافة الوطنية ليست فقط تلك التي تشيد بالوطن وتمجده أو تبكي عليه، بل هي التي تولد في الوطن ويصنعها ابناؤه واهله وشرطها ان تكون متعددة المشارب والاتجاهات تعكس تعدديات المجتمع السياسية والاجتماعية والطبقية والعقائدية ولا تصنع الثقافة النخب فقط بل الجماهير أيضا وهناك ثقافة نخبوية وثقافة شعبية وكلاهما له الحق في الوجود، وفي الحملة الانتخابية كما في آذار الثقافة يجب صيانة هذه التعددية والعمل على نشر ثقافتنا وتربية الأجيال الناشئة عليها وادراجها بشكل لائق في مناهج التعليم وكتب التدريس وبتنظيم لقاءات مع مبدعينا في مدارسنا ومؤسساتنا التربوية.
سابعا: تنتهي الحملة الانتخابية ولا تنتهي الثقافة. بعد السابع عشر من آذار ستنتهي الحملة الانتخابية بيوم الانتخابات، وسنعود إلى حياتنا اليومية مع دورة برلمانية متجددة فيها وجوه ألفناها خيرا أو شرا وفيها وجوه جديدة منها ما يدعو على التفاؤل ومنها ما يعمق تشاؤمنا كما تأتينا أصواتها من الصفوف الصهيونية على كافة أشكالها، والسؤال: هل تترك الثقافة إلى الحملة القادمة؟
لا نعرف ماذا سيكون مستقبل القائمة المشتركة، ولكن هذه القائمة تتشكل من أحزاب وتيارات سياسية مختلفة ولكل حزب جهازه الاداري وكوادره ووسائل تواصله مع الجماهير، فكيف ستتعامل هذه الاحزاب مع الثقافة؟ انها مطالبة بأن تواصل دعمها للحياة الثقافية بعد الانتخابات كما نرجو ان تدعمها قبل الانتخابات. هذا هو المحك.
عودة إلى آذار الثقافة بغض النظر عن الانتخابات.
يسعدنا أن مؤسسات كثيرة وضعت برامجها الثقافية لشهر آذار، ونؤكد هنا أن مركز مساواة المبادر إلى هذا الشهر الجميل لا يقدم أي دعم مالي للمؤسسات ولا للمبدعين ، وهذا ما يثلج الصدر وهو أن نشاطنا الثقافي ليس مشروطا بدعم مالي ويمكن تنشيط الحياة الثقافية بدون ميزانيات كبيرة اذا توفرت ارادة وطنية وطاقات خلاقة وما نقوم به من جهتنا هو الحث والتنسيق والتشجيع والنشر وتعميم رسالة آذار الثقافة التي أصبحت رسالة الجماهير الفلسطينية في الداخل من أجل النهوض بحياتنا الثقافية وإحداث حراك إبداعي يعيد إلى هذا الوطن نكهته ويستحضر من الذاكرة تلك الحياة الثقافية المزدهرة التي عرفها وطننا قبل النكبة.
في الكتيب الذي سيصدر قبل بداية آذار ستجدون الاعلانات عن عشرات الفعاليات الثقافية، وهناك العديد من الفعاليات التي قد لا ينشر عنها بسبب التأخر في اعدادها ونحن واثقون أن بلدات عديدة سوف تنضم إلى آذار الثقافة لأن هذا الشهر ليس ملكا لاحد وليس حكرا على أحد، بل هو لكل من يهمه ثقافتنا الوطنية مبدعا أو متلقيا، هو لشعبنا في الوطن والخارج وهو رسالة حب وابداع إلى كل من يريد أن يعرفنا في أجمل تجلياتنا.
كل آذار وأنتم بخير.

سلمان ناطور

slmanna6oor

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة