مدارس من التعليم الى التعتيم

تاريخ النشر: 15/02/15 | 12:49

ان ما نعيشه اليوم من غفلة عن حاجتنا لتعليم ثوري ينهض بالأمة لأبعد الحدود هو نفسه الكارثة التي تجعل من جهاز التربية والتعليم لدينا المصيبة الكبرى التي يذهب ضحيتها ابناءنا!
نحن اليوم بحاجة الى ذالك المدرس الذي يستيقظ هرعا ملقياً نظره على ساعة يده، ويأسف لفقدان كل دقيقة لم يقابل بها طلابه، لان لديه ما يعطي، ولديه ما يساهم به!
قم كذلك المعلم الياباني حين وقوع الحادثة المأساوية هيروشيما وبعد ايام استيقظ ليدرس فلا وقت ليضيعه حتى تنهض بلاده من جديد، فالبكاء لا يعيد الحضارة… وعلمه وعمله هي اكبر ما يقدمه لمن فقد تحت التراب بعد وفاتهم.
واقعنا من حروب دموية اشد وقعة من تاريخ اليابان الدموي، ولكنهم وبعكسنا وحدوا قلوبهم وجوارحهم على بناء الوطن، اما نحن فما زلنا نستمسك بقيم الجاهلية والقبلية العصبية والتي بها بئسنا على انفسنا شديد.
علينا جميعا ان نعي ان اي حديث يحمل بطياته اللوم والتذمر واختلاق الحجج والتملص من الأمانة الملقاة على عاتقنا ليس إلا طاحونة تستغرق من اعمارنا وأموالنا وحتى سعادتنا.
طريق العلم وطريق البناء هما الوحيدان الذين سيجبران العالم كله على أن يعترف طوعاً أو كرهاً بحقوقنا التي اصبحت مهزلة القرن.

السؤال يكمن في كيفية تقديم العلم لطلابنا؟
أن نضع نصب اعيننا التعليم، أن نستشعر به وندهش بالمعلومات التي نتلقاها لدرجة ان نتمنى أن سائر اعضاء جسدنا اذانا لتستمتع به هو الغاية!
حين نستمتع بالعلم ونستشعره سيقودنا الى الانتاج، الى استخدام هذا العلم للبناء، ويكفيك ان يروي لك احدهم ان منتجه ياباني، حتى تشعر بهيبته. وماذا عنا نحن العرب؟
وماذا عن بلادنا بلاد الغفلة؟ لانملك منهج واحد تسير عليه اجيال تبني حضارة او حتى تساهم في بناءها.
هل وجدنا من يضع مناهج للارتقاء بمستوى الطلبة لينافس بها اقرانه من دول العالم المتقدم؟ أم مازلنا نجلس ونتذمر من المنهاج التقليدي، المبنى التقليدي والمعلم التقليدي التي تكره الطالب في الدراسة؟

في روسيا يدرس الطلبة في الثانوية مادة الفيزياء ويعتبرونها من اشيق المواد وأجملها على الرغم من نظرياتها المعقدة، ولكن تدريسها التطبيقي والسهل وكتبها المريحة يجذب الطلاب اليها. فلا تستغرب حين يغزوا هؤلاء الصبية الفضاء، وكيف يصنعوا الطائرات وغيرها.
ان ما اقوله هو ان علينا ان نوسع مدارك الطلاب لا حصرهم بين جلدتي الكتاب، فلم تعد الكتب الوسيلة الوحيدة كما ان الكتب المدرسية قد تكون شر صديق لا خيره. شجعوا الطلاب على القراءة الهادفة فهنالك من الكتب والمواقع ما يستحق التصفح لما يثري من التعجب والفضول لمعرفة المزيد.

اما عندنا – فمن التعليم الى التعتيم!
طلاب الثانوية – هؤلاء المساكين الذين نضيع وقتهم ونشتت ذهنهم بما لا يضر ولا ينفع، فبدلا من ان يختص الطالب بما يؤهله لكلية الطب او الهندسة او العلوم أو ما يختار فإننا نحشوه بمواد لا تلزمه – الادب، البلاغة التوراة وغيرها.
ونقول تشتيت للذهن لأنه قد مر على هذه المواد بالسنين السابقة، ولم يختارها ليختص بها، ولن يدرسها في جامعته.
فالمناهج اصبحت عبثية، تضيع الفرصة للابداع، ضغط بالوقت وتقييد لتركيز الامتحان.
فالمواد العلمية التي من المفروض ان تكون اشيق ما يكون تتلخص في بعض التعريفات، والرياضيات ليس سوى علم نظري لا استعمال له في الحياة اليومية والتاريخ جفاف كامل….
المدرسة تعيش في سراب الماضي، فلا يدرس عن احدث المنتجات بل ينتظرون حتى تصبح من الخردة حتى يتم الحديث عنها.
الم يكن من المفضل جعل المقرر اكثر تفاعليه؟ الم يكن من الاروع لو تعلم الطلاب على التكنولوجيا الحديثة؟ على تحديات العصر الحالية؟ لا نقول تغيير المقرر بالكامل بل على الاقل حداثة من صميم مناهجهم فهذا افضل في ايصال المقصود اليهم من الشرح النظري المجرد. لا سامح الله من يقوم على اضاعت اوقاتنا وأوقات ابناءنا.

قد يقول البعض ان المقررات لاسلطة لنا عليها، وهنا دورنا نحن المدرسون ببناء وحدات شيقة تجعل الطالب لا ينساها بعد امتحان اخر العام. كفانا تعليم يبعث على النعاس، فانظر كيف يتسابق المعلمون ان تكون دروسهم هي اولى الحصص لا لتنشيط ذهن الطلاب ولكن لكي يدركوا اذهان الطلاب قبل ان تدخل في سبات اليوم التعليمي.

طلابنا يختلفون عن طلاب فينلاندا واليابان وروسيا وغيرها من البلدان المتقدم اختلافا بسيطا، وهي ان الطالب العربي يملك من البيانات والمعلومات الكم الهائل والذي سيفرغه بساعة واحدة بورقة الامتحان ومن ذهنه كليا، اما طلبة الدول التقدمية فانه لا يملك بيانات بقدر ما يملك من قواعد محفورة في ذهنه، يستخدمها كادوات تساعده بحل الامتحان من جهة وتخدمه في حياته اليومية.

الخلاصة:
اذا كانت المقولة اليابانية للطالب الياباني “ان فشلك هو فشل اليابان، ونجاحك هو نجاح اليابان” فبالله عليك اي احترام هذا؟ وأية قيمة تعطى لهذا الطالب؟ ببساطة سيشعر الطالب انه لوحده امة كاملة، هل من طلابنا من شعر بهذا القيمة؟
احيانا اشعر بان من المربيين من يقول لطلابه فلتسقط او تنجح فاني سأستلم راتبي اخر الشهر! بل هنالك من المعلمين من يشقوا على طلابهم فهم بنظرهم لن يغيروا العالم ابداً.

ان هذا الواقع مخيف، وكلما نظرت اليه تساءلت – متى سنزاحم الركب؟ ان مناهجنا وطرق تدريسنا في المدرسة وصولا الى البيت بحاجة ثورة حتى نخرج رجالاً ونساءاً يعلون الرتب بعلمهم همهم خلافة الارض وإصلاحها، لا همها الملبس والمشرب فحسب.

عمران عمارنة

0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة