لماذا يا هذا 13 "شتائم أخوية"

تاريخ النشر: 16/10/12 | 2:25

لوحة 1:

سعيد طالبٌ مؤدبٌ وخلوق، مُلتزمٌ بسلوكهِ وتصرّفاته.

سمعَ أحدهُم يُنادي زميلهُ في المدرسة:”وين بقيت امبارِح يا ? xxxx يا ابن الـ yyyy؟

وإذا بالزميل يجيبُ ضاحكاً فرحاً: والله بقيت في الملعب…

نظر سعيد إلى زُملائه بعين الإستغراب… وكأنّه يُحاول فكّ الألغاز التي تعتري الكلمات!

_________________________________________________

لوحة 2:

قبل بدء الحصّة، رافق المُعلّم أبو سعيد (المُعلّم ذو الخبرة الطويلة) مُعلّمة اللغة العربيّة الجديدة إلى صفّه قائلاً لها أمام الطُلّاب:”هذول الطلاب متعودين على الحكي “من النوع الثقيل” وبس هيك بفهمو! يعني لا تغلبي حالِك… بلاش تستعملي كلمات مثل… يا مُحترمين، يا أوادم، يا طُلّاب، لو سمحتوا…!! بِدك تستعملي لغة بفهموا عليكي فيها!

سْمِعِت إنتِ وإيّاه يا “دابّة”!!!

_________________________________________________

كلّما سألتُ أحدهم (من أبناء الجيل الصاعد) عن سبب استعمال تلك الكلمات البذيئة والشتائِم في حديثهم مع بعضهم، يُجيبُني إنّها نوعٌ من المزاح والتحبّب، لا أكثر! لا يقصد به المُتحدّث الإيذاء أو الإساءة أو المعنى “الشكلي” للشتيمة، إنمّا يستعملها كـَ “شتيمة أخويّة” ليُضفي على حديثه نوعاً من الحيويّة و”الفرفشة” ليس إلاّ! ليتسمّ بذلك حديثه بالـ “الموضة” و”العصرنة” و”التطوّر”!

وكأنّنا نسينا أنّ كلّ قول محسوب، وكلّ كلمة مرصودة في سجل أعمالنا: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [ق:17-18]؛ يسجّله الملكان في الدنيا وينكشف الحساب يوم القيامة ويكون الجزاء!

يا جيلاً صاعدًا! ألا تعلموا أنّ اللسان هو ترجمان القلب، وقد كلفنا الله عزّ وجل أن نحافظ على استقامة قلوبنا المنوطة باستقامة اللسان، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد: “لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه”.

لماذا تأخذ هذه “اللغة” مكاناً بين كلمات لغتنا الراقية؟ أليس للكلام مستوى ومقامات؟ أوليس ديننا دين اللباقة والأدب؟ هل يليق استخدام الشتائم كنوع من المزاح بين الأصدقاء؟ أتليق أسماء أمهاتنا وأخواتنا في كلّ سياق وحديث؟ أبات القسم بأعراضهنّ نوعاً من الموضة والفرفشة؟!!!

أغَفِلْنا عن الحديث الذي رواه البيهقي: “إن العبد ليقول الكلمة لا يقولها إلا ليضحك بها المجلس؛ يهوى به أبعد ما بين السماء والأرض، وإن المرء ليزل عن لسانه أشدّ مما يزلّ عن قدميه”؟

أضاقت بنا لغتنا العربيّة، لنتسوّل الشتائم كألفاظ للتقرّب من الصديق والزميل؟

لماذا لا نحرص على الرُقيّ بالأفكار والسموّ بالأحاديث والمجالس نحو الأفضل؟ ألا نعلم أصلاً بأنّ للمزاح في ديننا آداب وضوابط؟

أليست اللغة هي الوجه الثقافي الأساسي الدالّ على شخصية الإنسان؟ أليس قول القائل:

عـوِّد لســانك قول الخير تنج به … مـن زلة اللفظ أو من زلة القـدم

فيه نسائم إشراقيّة تشكّل ترسًا أصيلًا يمنعنا من قول السوء والهباء؟!

ما يلفت انتباهي في الأمر هو أنّ الشباب يعدّون كلّ ذلك تحضّراً ورُقيّاً؛ فعندما سألتُ أحدهم عن تماهيه في مستنقع هذه اللغة مع زميله أجاب: عندما غنّت “مادونا” في إحدى الدول العربيّة، تحدّثت إلى مُعجبيها بكلام بذئ سيء، وقد أوضحت ذلك في وسائل الإعلام، بأنّه نوعٌ من التشجيع والتحبّب للجمهور!!!

ومن هُنا أتساءل: هل أصبحت “مادونا” وأمثالها أصلاً راسخًا يمثّل لغتنا وأسلوب حديثنا؟ لماذا لا نعدّ استعمال تلك اللغة إهانة لتربيتنا ولغتنا وديننا؟ لماذا نطلق للساننا العنان؛ ولا نلجمه؛ ألم نسمع قول الشاعر:

احـفظ لســانك أيّهـا الإنســـــان …  لا يلــــدغـنّـك إنّه ثعــبـــان

أو أنّنا أدرنا وجوهنا عن رواية أم حبيب زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ التي قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمرٌ بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر الله”.

أخوتي؛ لا يصحّ أن نلوم الشباب على تلك الألفاظ والشتائم “الأخويّة” التي يستعملونها، وكأنّهم المسؤولون الوحيدون عن ذلك!… فهُم في النهاية نتاج الثقافة التي يستظلّون في ظلّها، وهم للأسف لا يعيشون في ظلّ المناخ المُناسِب الذي يفرز لغة إيجابيّة ونماذج مثالية؛ فكم من أب وأم يُسلّمان أبناءهم للمسلسلات التُركيّة والأفلام الهابطة؟ كم منهم لا يعيان الغزو الفكري القاتل الذي يجتاح حياة فلذات أكبادهم؟ ألا يسمع المربي ابنه يتحدّث بتلك الألفاظ في البيت؟

ختامًا، أذكّر أنّ ابن عباس رضي الله عنهما كان قد أخذ بلسانه؛فقال:ويحك قل خيرًا تغنم، واسكت عن سوء تسلم، وإلا فاعلم أنّك ستندم!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة