الشتائم لها جانب مشرق !
تاريخ النشر: 29/11/14 | 22:28يظهر أننا نتوجه لعالم مختلف من جميع الزوايا والاتجاهات، عالم محمل بالغرائب والعجائب، ذلك أن حتى القيم الأخلاقية باتت مهددة، ليس بالتصرفات السيئة أو بتزايد الأشخاص الذين هم على درجة متدنية من الأخلاق، لكن بسبب أن هناك أبحاثاً علمية تحثنا على أن نكون سيئين مثل أن نشتم ونسب! نعم.. هذا صحيح، بين يدي خبر قرأته من أحد المواقع على شبكة الإنترنت، عن دراسة أجرتها “جامعة كيل” البريطانية، توصلت إلى أن الشتائم تعطي الإنسان قدرة أكبر على تحمل الألم، بل وتخفف من وطأته عليهم، ليس هذا وحسب، بل إن رئيس فريق البحث الذي أجرى الدراسة، ريتشارد ستيفنز، شرح لنا أسباب القيام بمثل هذه الدراسة العلمية، فقال:” إن مصدر إلهام الدراسة كان عندما شعرت بالألم الشديد عندما ضربت أصبعي بالمطرقة عن طريق الخطأ، أثناء إصلاحي النافذة، مما دعاني لأن أشتم بقسوة، وهو الأمر الذي خفف من أوجاعي”. ولإجراء التجربة، قام ستيفنز وفريقه بإحضار مجموعة من المتطوعين، حيث طلبوا منهم أن يضعوا أكفهم في أوعية مليئة بالماء المثلج، وأن يصمدوا قدر المستطاع، مرددين شتيمة معينة. وبعد ذلك، طلب ستيفنز من المتطوعين بأن يقوموا بوضع أيديهم مرة أخرى في الأوعية، وأن يرددوا كلمة عادية، إذ تبين أنه عند ترديد الشتيمة تمكنوا من الصمود 40 ثانية أطول وهم يرددون كلمة مهذبة، ما دل على أن الشتائم تساعد على تقوية قدرة احتمال الألم عند الناس.
غني عن القول، أن الباحث الرئيسي يدرك البعد الاجتماعي السيئ في ترديد الشتائم والسباب، والذي في أحيان قد يكون موجهاً للآخرين، حيث قال:” رغم أن الشتائم لها وقع سيء اجتماعياً، ويُنظر لها على أنها فعل مشين، إلا أن لها جانبها المشرق، وهو المتمثل بأنها قادرة على مساعدتنا على تنظيم أحاسيسنا، وهو تأثير مفيد بالفعل”. ليس هذا وحسب، بل إن عالمة نفسية أمريكية اسمها الدكتورة بولا بلوم، تقول:” هذه الدراسة تزيل الحاجر الأخلاقي الموضوع حول استخدامنا للغة، فنحن نحكم على الأشياء والتصرفات بشكل متسرع، وهو ما قد يتعارض مع نتائج الأبحاث العلمية، فنحن نعتقد أن الشتم أمر سيئ، ولكنه في الحقيقة ليس كذلك”.
في الحقيقة، ذهلت من نتائج هذه الدراسة لعدة أسباب، أولاً، لكونها تتعارض مع القيم الأخلاقية جملةً وتفصيلاً، وكذلك قد تتعارض مع الأنظمة والقوانين الإنسانية التي تفرض احترام للآخرين، والأهم، كونها، أي الدراسة، لم تكن عميقة، فكل ما حدث تجربة غير دقيقة لمجموعة من المتطوعين، يدركون سلفاً أن تحملهم قليلاً سيؤثر في نتائج الدراسة. فهذه الدراسة لم تتطرق لقياس الجانب النفسي والذهني لمن يشتم، وأخيراً، قد يعتبر البعض أن الشتم المقصود هنا هو تفريغ للشحنة النفسية المحتقنة بسبب ألم ما، وهي شحنة توجه لشتم الجوامد، وليس كائن حي، وهذا غير صحيح، فعندما تفتح المجال وتضع دراسة علمية، فستكون نتائجها شاملة، اليوم تسبب لك بالألم مطرقة، وغداً سيسب لك الألم صديقك أو رفيقك أو رئيسك في العمل أو أستاذك أو حتى والدك أو والدتك، فهل لتفرغ الألم تقوم بشتمهم؟ هنا خطأ، فهل أنتم معي؟.
فاطمة المزروعي
من هي فاطمه المزروعي عرفينا بنفسك اكثر
بادئ ذي بدء, الشكر، كل الشكر، لفتاة الإمارات الكاتبة الصحفية، و الروائية المتألقة في مجال خدمة الأدب و نشر الفضيلة و الأخلاق الطيبة بين أفراد المجتمع، و هذا جلي من خلال مقالاتها، سواء أكانت في صحيفة ” الرؤية” الإماراتية أم غيرها من المجلات و المواقع.
فهذا العنوان – الشتائم لها جانب مشرق- اللافت و المبهر معا، قد قطع قول كل خطيب. فتجربة ” ريتشارد ستيفنز” الفردية تظل فردية ولا تعبر إلا عن رأي صاحبها، لأنها سبقت الأولين و الآخرين. لربما يتخذها البعض ذريعة و قدوة لتبرير ” انفلات ” ألسنتهم في كيل الشتائم، سواء البسيطة أم ذات العيار الثقيل. فالاحرى ألا تتعود السنتنا على الشتم ، و لا نجالس من برع في الشتم و السباب خشية العدوى .قال طرفة بن العبد:
وقِرافُ منْ لا يستفيقُ دعارة يُعدي كما يُعدي الصّحيحَ الأجْربُ
فالرسول عليه السلام ينصح احد الاشخاص بعدم الغضب و كررها مرات عديدة، لانه يعرف أن الغضب يقود حتما للتلفظ بالفاظ خارجة عن حدود الأدب و اللياقة و المنطق, كما يحض عليه السلام بالوضوء حين الغضب لأجل إطفاء جذوته المستعرة. ومن كان واقفا ساعة غضب، فليجلس، و من كان جالسا، فليقعد. كل هذه ارشادات وقائية لئلا ينطلق بركان الغضب و يتفلت من عقاله بالقاسي من القول و الشتائم.
فمجري هذه التجربة” ريتشارد ستيفنز” قد تلفظ بالشتائم حال ضرب اصبعه بالمطرقة, فماذا نتوقع ان تكون تلكم الشتائم؟ أهي من النوع الرقيق الوديع، أم من العيار الثقيل؟ سيدنا عمر بن الخطاب كان اذا اصابه شيئ ، مهما بلغت درجة ايلامه، كان يقول مباشرة الحمد لله الذي هو بهذه الدرجة و ليس أكثر, و انه في دنياي و ليس في ديني. أن يتعود المرء الشتم ولو كان لغير البشر، قد يجنح به يوما و يستخدمه مع البشر، و عندها تكون قاصمة الظهر، فالعرب تتفادى أن تشتم او او يحط من قدرها أحد. فهم يقولون في الأمثال” كلم اللسان أنكى من كلم السنان”.
ربما كان الدافع وراء هذه التجربة الغريبة هو الفراغ و الشباب و الجدة.
قال رسول الله : (إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه). قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: (يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه). فهذا من باب الحيطة ألا يعود المرء نفسه على الشتم خوفا من أن يصبح الشتم سهلا على لسان الكثيرين ،بل و يصبح مستساغا و يصبح بيت الشعر التالي من المأثورات التي تسوغ الذل:
من يهن يسهل الهوان عليه/ ما لجرح بميت ايلام
ومن ذكاء الكاتبة الفاضلة الاستاذة المزروعي أنها قد أظهرت موقفها من هذه التجربة باسلوب راق من خلال خاتمتها الرائعة. فشكرا لقلمك الدفاق بالفضيلة و الخير.
يونس عودة/ اردني مقيم في سلطنة عمان
جميل .. لكن الشتائم بحد ذاتها تبقى لا تتناسب مع الاخلاق