سطّر يا قلم .."سيناريو مسرح الميدان"

تاريخ النشر: 07/07/12 | 10:35

مرة أخرى نقرأ خبر استقالة مدير مسرح الميدان ، ليعود سيناريو الاستقالات لمدراء مسرح الميدان المتعاقبين ، هذا السيناريو الذي اعتدنا عليه ، الى درجة أننا أصبحنا نطرح السؤال التقليدي بعد تعيين كل مدير جديد للمسرح ، متى سيستقيل؟

فتم تعيين يوسف أبو وردة ومكرم خوري مديرين للمسرح العربي (هذا كان اسم المسرح قبل تغييره لمسرح الميدان) فور تأسيسه ، وفي العام 1998 عين فؤاد عوض مديراً فنياً للمسرح ، ثم أعيد تعيين مكرم خوري مديراً للمسرح ، ليتم من بعدها إعادة تعيين فؤاد عوض مديراً ، ومن ثم تسلم هذا المنصب سليم ضو ، ومن بعده رياض مصاروة الذي استقال هو الآخر مؤخراً .

من خلال هذه التغييرات نلاحظ ان ادارة المسرح ومجلسها العام تدوران في فلك دائرة مفرغة ، فما معنى إعادة تعيين مدير للمسرح بعد إدانة فترة عمله وتدوين ملاحظات لسوء إدارته للمسرح ؟! فإدارة المسرح ربطت منصب المدير بأسماء معينة ، وأجمعت من حيث تدري أو لا تدري أنه لا يمكن الخروج من دائرة هذه الأسماء وكأن مجتمعنا لم يلد غير هؤلاء . أخطأوا أو لم يخطئوا هذا هو الموجود ، ويجب أن نتماشى بموجب هذه المعطيات المتوفرة لدينا ، بهذا المفهوم تعاملت إدارات المسرح المتعاقبة مع موضوع تعيين مدير المسرح .

في ظل تخبط إدارات المسرح المتعاقبة ، وفي ظل عدم نجاح أي مدير حتى الآن بإخراج المسرح من أزمته التي بدأت منذ ولادته ، والهبوط المستمر بحجم الدعم الممنوح للمسرح نتيجة قصوراته ، جعل المسرح في وضع تراجع مستمر بدلاً من التطور والتقدم . فاليوم التساؤل المطروح كيف ننقذ مسرح الميدان ونخرجه من أزمته ؟! وغداً سنسأل السؤال ذاته ، بدلاً من أن يكون السؤال المطروح كيف سنطور مسرح الميدان؟ وما هي المشاريع المستقبلية للمسرح؟!

منذ أن بدأ البعض يكتب عن مسرح الميدان والأزمة التي يمر بها مسرح الميدان ، وأنا أتابع هذه الكتابات والنقاشات التي لم تخرج في غالبيتها عن اطار الذاتية المفرطة ، فكل يريد أن يثبت بأنه الأجدر لإدارة مسرح الميدان ، كاشفاً عيوب المدراء الآخرين ومتفاخراً بإنجازاته .

وتمادى البعض في تحليلاته ، معتبراً المسرح مسرحه ، وأن الحركة المسرحية المحلية تبدأ منه وتنتهي عنده . وهنا أود أن أشير بأن المسرح العربي قبل أن يصبح اسمه الميدان ، كان بمثابة حلم راود كافة المسرحيين العرب في البلاد ، وتحقق هذا الحلم بفضل نضال ومثابرة المسرحيين والمثقفين ورجال الفكر العرب الذين لم يتوقفوا للحظة عن المطالبة بإنشاء مسرح عربي . ففي مطلع الثمانينات دعت المؤسسة الشعبية للفنون في حيفا بإدارة الشاعر سميح القاسم كافة العاملين في المسرح المحلي الى اقامة مسرح عربي قطري ، وأعلن أن المؤسسة الشعبية للفنون رصدت ميزانية خاصة لهذا الهدف ، إلا أن بعض المسرحيين وخاصة العاملين في المسرح العبري في تلك الحقبة أجهضوا الفكرة ، والذين سيطروا على المسرح العربي عندما توفرت الميزانيات بهدف توزيع الغنائم فيما بينهم . وكانت هنالك تجربة للممثلين المسرحيين المحترفين العرب في العام 1981 لإنشاء مسرح عربي بمبادرة راتب عواودة ، وتوجه الممثلون العرب الى رئيس الدولة مقدمين له مشروع ميزانية لإقامة مسرح عربي ، وتم تسجيل المسرح رسمياً كجمعية عثمانية ، وباشر هذا المسرح بالعمل على مسرحية المهرج لمحمد الماغوط ، إلا أن هذا المسرح لم يستمر نتيجة ظروف العمل الصعبة وتشتت الكادر الفني للمسرحية .

ولكن عندما بدأ المشروع يتبلور بقرار ودعم وزيرة المعارف والثقافة في حينه شولميت ألوني ، في النصف الثاني من العام 1995 ، حيث رصدت الميزانيات لهذا المسرح ، بدأت الإتصالات والإجتماعات التشاورية من أجل تحقيق هذا الهدف ، وقد كانت في البداية تعقد الإجتماعات في مكتب الدكتور حاتم خوري في بلدية حيفا ، وقد كنت من بين المسرحيين المشاركين في هذه الإجتماعات .

وفجأة وبقدرة قادر لم نعد نسمع شيئاً ، وفوجئت مثلي مثل غيري عبر وسائل الإعلام بإنشاء جمعية للمسرح العربي ، وتعيين يوسف أبو وردة ومكرم خوري مديرين للمسرح . ومن هنا بدأت المشكلة ، حيث بدأت المحاولات للإستحواذ بهذا الإنجاز لصالح فئة قليلة من المسرحيين والذين عملوا بفئوية ولإعتبارات شخصية ضيقة ، لا علاقة لها بمصلحة المسرح والحركة المسرحية المحلية ، وهنا تم دق المسمار الأول في نعش المسرح العربي الذي أصبح فيما بعد مسرح الميدان .

بدأ المسرح في العمل فقدم إنتاجاً مسرحياً ضخماً بهر المشاهدين والنقاد ولكن لم تتجاوز عروضه عدد أصابع اليد . وهنا كانت المشكلة الثانية التي واجهت المسرح ، والسؤال المطروح هنا : ماذا نريد من هذا المسرح وما هي أهدافه ؟ هل نشر الثقافة المسرحية في كافة المناطق ولكافة الأجيال في البلاد ، أم حصر المسرح على نطاق جمهور نخبوي من المثقفين وعشاق هذا الفن ؟!

فعندما تم إنتاج العمل الأول ، لم يؤخذ بعين الإعتبار عدم توفر القاعات التي تلائم هذا الإنتاج المسرحي الضخم ، وبالتالي وقعت إدارة المسرح في ورطة لم تستطع الخروج منها : لا تسويق لأعمالها ، جمهورها محدود ، الدخل الذاتي شبه معدوم ، فكيف يمكن الخروج من هذه الأزمة ؟! وبدلاً من إستخلاص العبر والإستفادة من هذه التجربة ، استمرت ادارة المسرح في انتاجاتها المسرحية الضخمة والباهظة والمرهقة لميزانية المسرح ، ولم يعملوا للحظة على عامل الدخل الذاتي ، وبالأساس تسويق العروض المسرحية .

حسب المعطيات المتوفرة الآن ، يمكننا التوصل الى الإحتمالات الآتية :

الاحتمال الأول إستمرار عمل مسرح الميدان بشكل محدود كما هو الحال عليه اليوم ، والخطورة في الأمر أنه لن يكون في المركز كما خطط له ، أو المسرح الأهم ، فهنالك مسارح عربية أخرى يزداد نشاطها باستمرار وتزداد ميزانياتها ، بينما ميزانية مسرح الميدان في تراجع مستمر . ولن يفاجئني ازدياد ميزانيات مسارح عربية أخرى في السنوات القادمة ، بحيث تفوق ميزانية مسرح الميدان ، وبالتالي يتحول مسرح الميدان الى مسرح هامشي محدود . وتخيلوا مثلاً لو لم يعد مسرح الميدان قادراً على تفعيل قاعاته ، أو أن بلدية حيفا تقرر إسترجاع القاعات والتي تدر على مسرح الميدان الدخل الذاتي الأساس ، هذه الخطوة ستكون بلا شك الضربة القاضية لمسرح الميدان .

الاحتمال الثاني إغلاق مسرح الميدان الأمر الذي لا نتمناه. أما الاحتمال الثالث والأخير والذي يبدو لي أنه شبه مستحيل في ظل الوضع القائم ، هو إحياء المسرح من جديد بعد إجراء تغييرات جذرية في الهيئة الإدارية والمجلس العام والعاملين الحاليين في المسرح . أقول شبه مستحيل لأن الهيئات الإدارية المتعاقبة والهيئة الإدارية الحالية يبدو لي أنها عاجزة عن إتخاذ قرارات جريئة ، فعلى الهيئة الإدارية إعادة بناء المسرح من جديد ، على أسس سليمة ومع طواقم تفكر بشكل مغاير وتعمل بشكل مغاير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة