زمان الإسلاميين بين القبول والرفض …

تاريخ النشر: 07/07/12 | 3:25

مما لاشك فيه أن أوضاع شعوبنا العربية والإسلامية وفي قلبها الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده ، هي جزء من ( حالة الصدمة ) التي واجهتها الأمة وما تزال منذ أكثر من قرنين ، وَصَلَتْ واحدة من ذراها في سقوط فلسطين والقدس ، تعرضت خلالها إلى اجتياحات عسكرية وفكرية نجحت إلى حد بعيد في تحقيق أهدافها والتي يمكن أن نحددها في اثنين رئيسيين : الأول ، تمزيق الأمة إلى قبائل وَشِيَعٍ ودويلات بأسها بينها شديد ، لا تعرف طعما للراحة والاستقرار ، همها المحافظة على مجموعة من المكتسبات المادية والامتيازات الدنيوية البعيدة عن كل طموح ، والخالية من كل رؤية خلاقة وأي شعور بالمسؤولية الجماعية القادرة على الانجاز السياسي والحضاري . والثاني ، بعثرة الجغرافيا العربية والإسلامية كما بعثرة الفكرة المُوَحِّدَةِ للأمة . فكما تَحَوَّلَ عالمنا العربي من إقليم واحد إلى أثنين وعشرين إقليما ، من ورائها عدد اكبر من الأقاليم الإسلامية ، فقد أصبحت المرجعية الفكرية على مثل الوضع الذي آلت إليه الجغرافيا والأمة …

إلا أن هذا الوضع المتأزم بدأ في التحلحل نوعا ما … أعني بذلك طبعا موجات التغيير العاتية التي نجحت منذ عام تقريبا ، في العصف بأنظمة الاستبداد والفساد في أكثر من بلد عربي ، بينما لا تزال تحاول شق طريقها في دول أخرى كسوريا …

لعل في هذا التغيير المفاجئ الدليل على القوة الكامنة في أعماق شعوب هذه الأمة … فرغم الأوضاع التي ذكرت ، لم تفقد الأمة على مدى تاريخها الطويل والمعاصر على وجه الخصوص القدرة على مواجهة الأزمات ، حيث نشأت من خلال هذا التدافع بين الغرب ومخططاته والمسلمين ومقاوماتهم ، تيارات متباينة ، منها من جهة واحدة ، ما دعا إلى الاستسلام للغرب والتخلي عن كل الموروث الإسلامي ، ومنها من جهة ثانية ، ما دعا إلى قطع الصلة مطلقا بإبداعات العالم فكرا وحضارة ومدنية ، واللجوء إلى موروثنا الذاتي درءا للمفاسد والذي هو أولى عندهم من جلب المصالح ، فسجن نفسه في الماضي خوفا ، ومنها من جهة ثالثة ، من دعا إلى الجمع بين موروث الأمة المعصوم والحاجة الفطرية إلى التجديد والإبداع في فروع الحياة وحاجاتها ، والتفاعل الايجابي مع ما ينتجه العالم في حدود المرجعية الإسلامية الرصينة …

لقد انتمى ( الإسلام السياسي ) كما يحلو للكثيرين تسميته في ظل الربيع العربي ووصول الإسلاميين إلى مقاليد الحكم عبر صناديق الاقتراع ، ومنه طبعا حركتنا الإسلامية في الداخل إلى التيار التجديدي الثالث ، حيث سعت الحركات الإسلامية منذ ولادتها إلى تحقيق صحوة إسلامية معاصرة ، رغم الظروف المميزة التي عاشتها وما تزال تعيشها في مواجهة التحديات الكبرى كجزء من صراع حول صياغة شكل الأمة ، فرضته داخليا علمانية استئصالية عربية ، وفرضته من الخارج قوى الاستكبار التي لطالما دعمت قوى العلمانية في الداخل بكل الطرق والوسائل ، في حربها ضد الإسلاميين …

رغم الحرب غير المتكافئة ، ورغم الحصار المفروض لثمانين عاما على جوهرة تاج العمل الإسلامي في العالم ، حركة ( الإخوان المسلمون ) ، ورغم التضحيات والألم والدموع ، جاءت الانطلاقة منذ البداية ملبية لمجموعة قناعات ، على رأسها أولا ، الإيمان بالإسلام كقوة متحركة تحتاج من أجل التبشير بها إلى تجمع حيوي ومتحرك ، يفهم دينه على الحقيقة ، ويستوعب أساليب الدعوة وفنونها كما يستوعب الواقع وتحدياته واحتياجاته … وثانيا ، القناعة بأن جماهيرنا المسلمة قريبة جدا من إسلامها رغم القطيعة المتوهمة بفعل الواقع ، معتزة به وفخورة بإنجازاته ومساهماته في بناء الحضارة الإنسانية لأكثر من أربعة عشر قرنا ، وهم كغيرهم بحاجة لمن يذكرهم بهذه الحقيقة وَيُجَلِّي لهم جوانب العظمة في هذا الدين الذي ينتمون إليه . وثالثا ، كشف زيف الدعاوى التي يروج لها البعض من أن التجديد والعصرنة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال العلمانية / اللادينية المطلقة .

المتابع لما يجري في تونس ومصر على وجه الخصوص من غير أن ننتقص من ليبيا أو اليمن أو سوريا ، حيث ما زالت التجربة في طور التكوين ، يرى الفرق واضحا بين التجربتين ، أو قل بين الأضداد الذين اضطرتهم الظروف لتحقيق صورة من صور العيش المشترك في مرحلة ما بعد إسقاط الطاغية الدكتاتور … لقد نجحت تونس في تجاوز مرحلة الثورة بمعناها الاصطلاحي ، مع استمرارها من حيث الفعل الثوري الذي تحرسه مؤسسات الدولة ومن يقف على رأسها من الشركاء وإن اختلفت مشاربهم الفكرية والسياسية … النتيجة الحتمية لهذا التوصيف هو الهدوء النسبي في البيئة الوطنية ، والصفاء الجزئي أيضا في الأجواء السياسية ، ساهمت في بنائه ثقافة تصالحية وإعلام نقي انحاز إلى مصلحة الأمة العليا ، قضيا على كل النزاعات الفئوية والعصبيات الفصائلية وبالضرورة الغايات والأهداف الشخصية . لعل حجم وثقل تونس المحدود في منظور العلاقات الدولية ، ساهم إلى حد ما في نجاح التجربة من حيث أن ذلك حماها من تدخلات أجنبية رأت في التركيز على مصر بسبب ثقلها ومركزيتها في العالم العربي والإسلامي ، أولوية تستحق استهدافها دون غيرها ، لما لنجاح التجربة فيها أو فشلها – لا سمح الله – من نتائج على مجمل المستقبل العربي …

أما في مصر فالوضع مختلف ، حيث يكفي ما اعترفت به متفاخرة هذا الأسبوع نائبة رئيس المحكمة الدستورية في مصر القاضية ( تهاني الجبالي ) لصحيفة ( نيويورك تايمز ) من تآمر المحكمة الدستورية مع المجلس العسكري ، دليلا على عمق المؤامرة التي شاركت فيها مؤسسات دولة الرئيس المخلوع مبارك والتي تسمى ( الدولة العميقة ) ، بالتعاون والتواطؤ مع بعض القوى التي تسمي نفسها بالليبرالية ، لإفشال ( الإسلام السياسي ) من خلال ما يسمى ب – ( الانقلاب الناعم !!! ) … الهجمة على الإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية أثناء الثورة ، وقبل الانتخابات وأثناءها وبعدها ، من خلال منظومة محكمة من التحركات التي يمكن رصدها دون عناء : كحل مجلس الشعب ، حل تأسيسية الدستور الأولى والملاحقة القانونية للثانية ، الإعلان الدستوري المكمل ، تأخير الإعلان عن نتائج انتخابات الرئاسة ، تحريك قطاعات من الشعب لحصار القصر الجمهوري ولقطع طرق رئيسية وحيوية بهدف إظهار الرئيس كعاجز عن تحقيق طموحات الشعب وهو الذي لم يبدأ عمله إلا منذ أيام ، وفوق كل ذلك استمرار الهجمة الإعلامية التي وصلت حد ضخ السموم بمعدل 120 ساعة يوميا كما جاء في تقارير صحفية مصرية ، شاركت فيها أغلب الفضائيات المصرية المنتمية للتيارات العلمانية … كلها تشير إلى جهود تبذلها قوى داخلية وخارجية هدفها إفشال تجربة الإسلاميين مهما حاولوا أن يقدموا من تنازلات تحقيقاً لعمل مشترك حقيقي ، وإقامةً لدولة مدنية قوية عادلة … لماذا في مصر بالذات ؟؟؟ لأن مصر هي أم العرب وكنانة الله في الأرض … نجاح التجربة الإسلامية فيها ، إيذان بنجاح المشروع والبديل الإسلامي في العالم العربي والإسلامي كله ، والذي يعني انتهاء أسطورة العلمانية الاستئصالية إلى الأبد …

الإخوان المسلمون واعون لهذا الحقيقة جيدا ، ولذلك لن يسمحوا لقوى الظلام أن تعبث بإنجاز الشعب المصري العظيم ، الذي إن انحاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بنسبة تجاوزت ال-51% بقليل ، فإنها إن شاء الله ستتجاوز ال-70% في الانتخابات القادمة .. لأنه لن يكون وجود للدولة العميقة ولا لفلولها ، بعد أن ينجح الرئيس محمد مرسي مع كل مخلصي مصر في بناء الدولة المدنية الحديثة والحرة والمستقلة على الحقيقة …

بناء على هذا الفهم لحقائق التاريخ ولطبيعة النفس البشرية ، نجحت الحركة الإسلامية في تحقيق قفزات نوعية في جميع المجالات ، نرى آثارها في كل الأوساط وفي جميع التخصصات والاهتمامات ، الأمر الذي جعلها تحظى باحترام الجميع ، وأن تحتل مكانها المرموق محليا وإقليميا وعالميا ، كواحدة من الحركات الأكثر تأثيرا على المشهد العام .

بقلم الشيخ إبراهيم صرصور – رئيس حزب الوحدة العربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة