عن السائقين خفيفي الظل

تاريخ النشر: 13/10/14 | 16:18

قيادة السيارة شعارها الأخلاق أولاً – هكذا ألخص بدءًا .
وإذا كان السائق قد حصل على الخبرة النظرية ثم العملية في مدرسة السياقة، فإن الأخلاق لا يُحصل عليها من هذه المدرسة، وإنما هي نتاج تربية وتحصيل ذوق، فهل يستوي الذين هم بقِـيَم، والذين لا يتحلون بها؟
….
من الأخلاق السيئة التي لا تروقنا أن يوقف أحدهم سيارته خلف سيارتنا، فيمنع عنا بذلك إمكانية المرور، (ويحشرنا) كما حشر السيارة، أما وقتنا فيجب أن يكون مرهونًا بإرادته “وكلها خمس دقائق، وصبرك علينا….”!

لا يروقنا كذلك أن يوقف أحدهم مركبته في منتصف الطريق ليقضي حاجة ما تعنيه، كأن يحادث سائقًا مقابلاً له، فنبدي غضبًا آنًا، وآنًا نكظمه… ونحن نلعن – تبعًا للشخصية التي أمامنا– ونسأل إذا جرؤنا: لماذا لم يعط حضرته إشارة، وبعد ذلك يقف على الجانب الأيمن؟
فتكون الإجابة حاسمة، وبصوت عال يتحداك:
” كلها دقيقة يا أخي! شو صار؟”.

لا تروقنا كذلك أصوات أبواق السيارات في مظاهرات الأعراس، ومع ذلك نقبل الإزعاج إذا كان أهل العروس من ذوينا، وإلا فكيف يعرف الناس النبأ التاريخي الهام، فلا مندوحة إذن من سمفونية الزوامير يسمعها الصغير والكبير.
….
لا يروقنا أن يقود الصغار السيارات – إذا كانوا لا يملكون ترخيصًا، ويصل آذاننا صوت (الحركة). و (الحركة) كلمة عربية نقلتها العبرية أسوة بالشتائم، وكل ما هو سلبي عن لغتنا. ومع ذلك فبعضنا يعطي سيارته لابنه الناشئ – وهو يبتسم – حتى يتعلم المحروس، والله ساتر! وبعضهم يجعل صغيره معه على مقعد السيارة، وهذه المرة: “شوفونا يا ناس”! .
….
وإذا ما سرت ليلاً وأضواؤك عالية، وغفلت عنها عند مواجهة سيارة قادمة، فإن هذا السائق – أمامك – سيتكرم عليك بضوء أسطع، فهذه هي المعادلة:
* شتمتني، سألعن سنسفيل أجدادك.
* رفعت الضوء عاليا..سأعميك.
ورحم الله أبا العتاهية ورحم بيت الشعر:
إن أنت كافيت من أساء فقد صرت إلى مثل سوء ما فعلا
….
ومثل هذه المماحكة غير المبررة تقع عندما تجتاز أنت سيارة خطأ، فالسائق الذي أمامك قد يضايقك – بدلاً من أن يفسح لك، أو يعينك في لحظة الخطر– وقد يداعبك من تجتازه في خفة ظل غريبة، فيسابقك، حتى تقع في حيرة، لا يعلم إلا الله مآلها.
….
وإذا احتججت أو نظرت شزْرًا إلى بعض السائقين فقد يرجع هذا للحاق بك ،حتى يعلمك كيف تنظر إليه، وبالطبع ففي بعض السيارات: عصا فأس أو جنزير أو زجاجة مكسورة، وهي للاستعمال حين الحاجة.
…..
كم أحسّ هذه الأيام بأن السياقة لا نأمن فيها عادية. كم أتضايق هذه الأيام من الذين يطاردون في الشوارع على تراكتورات صغيرة للسباق، فيقومون بألعاب بهلوانية، وأحيانًا يكاد رأس الواحد من هؤلاء الشباب يصل إلى الأرض. الكل ينظر ويسكت!
الكل يلعن الشباب وأحيانًا آباءهم، وأحيانًا مجتمعنا عامة!
إنه صراع في ميدان .
وكم نحن بحاجة إلى الأخلاق في سيرنا للتهدئة من حدة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
****
يروق لي عزيزي السائق، أن تتسامح للآخر حتى ولو أخطأ.
أن تساعد من هو في حاجة لمساعدتك.
ألا تضيق الطريق على أحد.
ألا تمنع المرور.
ألا تغلق الدخول والخروج إلى مكان مفتوح.
ألا تسرع كالبرق في شوارع قرانا الضيقة.
ألا تسبب الخطر للمارة والضرر للممتلكات!
وبالطبع فقوانين السير لها صرامتها وأهميتها، ولكن الأخلاق هي التي تبقى دائمًا معك، وهي التي تعطي معنى لإنسانيتك، وإذا كانت السيارة وسيلة حضارة فيجب أن نسير بها ومعها في أساليب حضرية، لا همجية استفزازية.
اعرف أن حريتك تنتهي عند حرية الآخرين، وإذا كنا أولاد أصول فعلينا بالأصول!

بقلم فاروق مواسي

faroqq

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة