الحرب على غزة وخسائر الاحتلال
تاريخ النشر: 26/08/14 | 8:09شن الحرب على غزة وهمجية الاحتلال
سعياً من المؤسسة العسكرية في الكيان الصهيوني لإثبات قوة الردع لديها، وبعد سلسلة من التمهديات التي اعتمدتها لتأزيم الموقف في فلسطين برمتها، بدءاً بالضفة الغربية، مروراً بالقدس والداخل الفلسطيني المحتل، وانتهاء بقرار الحرب على قطاع غزة.
قرار الحرب له أسبابه وموجباته، وكل المؤشرات تفيد بأنه كان معداً مسبقاً لدوافع ورغبات إسرائيلية مسبقة، ولكن قرار الحرب كان حاسماً، واتخذ وسط تأييد شعبي إسرائيلي ورغبة جامحة بالقضاء على قوة المقاومة في غزة، وتفكيك الوحدة الفلسطينية الداخلية.
هنا من المفيد أن نذكر أن القيادة العسكرية للحملة الإسرائيلية التي تقود الحرب ضد غزة، حظيت بدعم سياسي من المستوى الحكومي ورئاسة التيارات السياسية الإسرائيلية، وهو ما مكنها من الحشد ودعوة الاحتياط وتحريك أكثر من ثمانين ألف جندي نحو حدود قطاع غزة.
المراقبون شددوا على وجود حالة نادرة وممنهجة تندرج تحت الاستهداف المبرمج للإنسان والبنية التحتية في قطاع غزة، وأن الاستهداف كان مقصوداً لكل المنشآت الاقتصادية والدينية والبنية التحتية، واستهداف بيوت الآمنين.
قطاع غزة من أكثر مناطق العالم اكتظاظاً بالسكان، فهذه المنطقة التي لا تزيد مساحتها عن 365 كيلومتر مربع، وهي عبارة عن شريط ساحلي معزول ومحاصر من كل الجهات، لا يمكن لأي استهداف لها إلا أن يوقع العديد من المدنيين، ويعتبر الهجوم عليها انتهاكاً لكل مواثيق الأمم المتحدة التي تمنع مهاجمة المدنيين الآمنين.
الخسائر النفسية للعدو الصهيوني
تتعدد أشكال الخسائر الصهيونية في العدوان الهمجي على قطاع غزة مؤخراً، فمنها ما هو حسي ملموس، ومنها ما يتصل بالبعد النفسي.
في داخل الكيان الصهيوني فقط، ونظراً لإيمان الصهاينة المستجلبين من كل أصقاع المعمورة بأن الواقع الفلسطيني والعربي العام يرفض وجودهم برغم كل مسارات السلام المطروحة مع دول الطوق العربي، إلا أن أصغر حدث يؤثر في استقرار هذا المجتمع وسلامة السير للحياة اليومية فيه، فكيف بنا ونحن نتحدث عن حرب حقيقية، وعيش في الملاجئ لعشرات الأيام، وسماع دوي الانفجارات والعيش تحت الصواريخ.
علينا أن نتذكر جيداً هنا الكلمة التاريخية لقادة العدو تاريخياً لنستبين طريقة تعاملهم مع الأمور وكيف يخفون حقيقة ما يعيشونه من ظروف صعبه نظراً لما تتركه من أثر على الجمهور، فقد ألقى دافيد بن غوريون خطاباً جماهيرياً في عام1948، قال فيه: “إنني أثق أنه يتوجب أن تكون هناك صحافة ناقدة، لكن علينا ألا نعطي معلومة للعدو، علينا ألا نساهم في دب الفزع في أوساط الجمهور”.
بهذه الطريقة تفكر “إسرائيل”، ولأجل لذلك فهي تفرض رقابة عسكرية على الصحفيين أثناء الحروب، وحتى في الأوقات الطبيعية، ويعمل الرقيب العسكري في اتجاهين، الأول: هو التحذير من نشر بعض المواد، والثاني: توزيع مواد يجب عدم التطرق إليها في وسائل الإعلام.
سأبدأ الحديث هنا عن الأثر النفسي على الداخل الصهيوني، أو ما يسميه اليهود (الجبهة الداخلية)، والتي لا تجتمع عرقياً ولا معرفياً، بعضهم من روسيا وبعضهم من المغارب العربي وبعضهم من غيران وبعضهم من إثيوبيا وآخرون من أمريكا، وغير هؤلاء من بلغاريا وبولونيا ونحوها، فلا قاسم مشترك بينهم، ولا عامل يوحد بينهم في حال الرخاء عدا عن واقع الحروب والشدة.
الصور الواردة من المواقع الإلكترونية العبرية تثير تساؤلات حقيقية، وتسلط الضوء على حجم الأثر النفسي الكبير والذي يتمثل في الأمور الآتية:
أولاً: الخسائر النفسية الباهظة نتيجة الخوف من المقاطعة العالمية:
نحن بذلك نتحدث عن عمق الخوف الداخلي بعدي المدى لدى الشخصية اليهودية، وعلى صورة اليهود في العالم بأسره.
فاليهودي الذي يعيش أصلاً بحالة من الخوف والترقب بصورة طبيعية، ويكشف جواز سفره (غير الإسرائيلي) في سفره وتنقلاته، وينزع القبعة الإسرائيلية التي تعتبر رمزاً دينياً في حال خروجه من فلسطين المحتلة، لا يمكن له أن يتخيل أن العالم كله بات ينظر إليه على أنه مجرم حرب، وسفاح من سفاحي البشرية، فهذا يجعله يعيش بشكل مستمر في حالة من الرعب القاتل، الرعب الذي يفتك بشخصيته وحركته واستقراره في أي مكان قد يعيش فيه.
واستمرارية حملة المقاطعة العالمية للمنتجات الإسرائيلية ومنتجات المستوطنات، أوجدت حالة مستشرية بات المراقبون داخل إسرائيل ومراكز الدراسات العالمية تؤكد على خطره العام على استمرار ووجود إسرائيل في الخريطة الدولية.
ثانياً: الخسائر النفسية المترتبة على العيش في الملاجئ، فاليهود اجتمعوا بناء على دعوى الرفاهية، وتحت شعارات البيت والراحة وبلاد الأجداد، ففي حال تضرر واقعه الاقتصادي، وعيشه في نفق جبراً لعشرات الأيام، إضافة إلى ضرورة ارتباطهم بالمواقع القريبة من الملاجئ، والتي لا تبعد عن أي ملجأ أكثر من دقيقتين بالحد الأعلى، فنحن نتحدث عن حالة رعب وترقب تفتك بهم بكل المعايير النفسية، وتجعلهم يعيشون الخوف وكل ما ينجم عنه من تداعيات نفسية مستقبلية، وما حالات التبول اللاإرادي، والخوف من النوم، والتشكك بوجود مقاومين تحت بيوتهم بشكل مستمر إلا تعبير عن هذه الحالة التي لا تستثني عسكرياً أو مستوطناً.
ثالثاً: الخوف من الموت والقتل.
هذه النقطة بالتحديد هي الأهم، فهي المفصلية في بقاء أي يهودي على أرض فلسطين المحتلة، وهي حجر الزاوية في أي فهم للمعادلة القائمة، فإذا انتبهنا للخطاب السياسي والعسكري، لا تجد زعيماً إسرائيلياً، ولا مسؤولاً في أي موقع، ولا إعلامياً في أي مؤسسة إعلامية، إلا ويستخدم كلمة (الأمن) عشرات المرات، ففي حال فقدان الأمن، فقدت الحياة العملية.
علينا هنا أن لا ننسى قول الله تعالى: ((لتجدنهم أحرص الناس على حياة)).
فعندما يشعر اليهودي بأن خطر الموت يتهدده، فعندها فقط تنكشف أسطورة أرض الميعاد وأسطورة اليهودي العالمي، فاليهودي أمام الموت ينسى كل شيء، والتهديد له بالإصابة أو بالموت يعني عنده استبدال الدنيا وما فيها بحياته الشخصية، والتضحية بكل قيمة يؤمن بها للنجاه بنفسه.
سأعرض لحضراتكم بعض الآثار النفسية بالصور لمعنى الموت في المجتمع الإسرائيلي المفكك أصلاً، وكيف ينعكس موت عسكري واحد، أو شخص واحد فقط على المجموع كله، ويورث المجتمع حالة من الرعب والخوف على الحياة.
الخسائر الاقتصادية للعدو الصهيوني
تأثر الاقتصاد الإسرائيلي بصورة سلبية كبيرة من تداعيات العدوان على قطاع غزة، فقد تأثرت اسواق المال، والبورصة الإسرائيلية، وأقفلت المصانع، وكسدت التجارة بالمطلق، وباتت المنتجات والسلع الإسرائيلية مرفوضة في الذوق العالمي، وبات كل ما هو إسرائيلي أو يهودي محط رفض عند شرائح المجتمعات الأمريكية والأوروبية التي لطالما فتحت أسواقها لمنتجات الاقتصاد الإسرائيلي.
هوت قيمة تداول (الشيكل) الإسرائيلي في التعاملات، وبدأت العجلة الاقتصادية تتوقف تدريجياً بفعل تهديد الصواريخ وعمليات الإنزال خلف الخطوط الإسرائيلية، ودبت حالة من الرعب في الشارع الإسرائيلي، وتوقفت الحياة السياحية، وتوقفت المصانع، وباتت الدولة تواجه خطر الانتفاض الداخلي نتيجة هذه العوامل الاقتصادية الخانقة.
سأضرب هنا بعض الأمثلة على أنماط هذه الخسارة:
أولاً: منع حركة الطيران في مطار بنغوريون.
مع التهديد الجدي الذي مثلته صواريخ المقاومة الفلسطينية لحركة الملاحة الجوية، وامتناع العديد من شركات الطيران ووكالات السياحة والسفر عن التوجه للمطارات الإسرائيلية، نحن نتحدث هنا عن كساد شامل لقطاع السياحة، وكساد شامل لحركة الأفراد، وتخوفات على حياة اليهود العالقين في المطارات العالمية، وتوقف لحركة التصدير، وخسائر شركات الطيران الإسرائيلية لا سيما شركة إلعال كبرى شركات النقل الجوي.
الخسائر الاقتصادية المباشرة نتيجة الحرب:
سقوط الصواريخ على البيوت والمصانع ومحطات البنزين والسيارات، وما تبعه من توقف لحركة القطارات والمترو، وما نجم عنه من موت لحركة المواصلات العامة والخاصة، ناهيك عن البيوت التي تهدمت بسبب الصواريخ الفلسطينية من شمال الكيان وحتى جنوبه، كلها أوجدت مجموعة من الخسائر الاقتصادية التراكمية ذات الأوجه المتعددة في الحالة الاقتصادية الإسرائيلية الداخلية.
الخسائر الناجمة عن حملة المقاطعة العربية والعالمية للمنتجات الإسرائيلية:
هذه النقطة شكلت معول هدم لكل الآمال الإسرائيلية بإمكانية الاستمرار بالحرب ضد قطاع غزة، فالمشاهد والمظاهرات التي كان عنوانها المقاطعة الشاملة، مقاطعة إسرائيل أكاديمياً وعلمياً واقتصادياً وسياسياً وعسكريا، شكلت ضربة قاصمة لصورة إسرائيل العالمية، وتركت آثاراً مدمرة على حركة الاقتصاد الإسرائيلي.
الخسائر العسكرية للعدو الصهيوني
للتفصيل في هذه الجزئية، لا بد لنا من الحديث تفصيلاً عن بعض النقاط الهامة في الخسارة العسكرية للكيان الصهيوني في هذه الحرب الأخيرة.
لن أتطرق هنا لملايين الطلقات النارية وعشرات آلاف قذائف المدفعية وقذائف الدبابات، والخسائر في الوقود العسكري والخسائر الخاصة بالعتاد، فهذا يمكن تعويضه بالدعم الأمريكي أو بالتصنيع المحلي، ولكني سأركز على قضايا أرى أنها أهم وأولى بالنظر والدراسة، ومن أهمها:
أولاً: سقوط المنظومات العسكرية والصناعات العسكرية الإسرائيلية.
فالقول بالتفوق العسكري التكنولوجي، والتفوق النوعي للعتاد الإسرائيلي، ونظرية الرادارات المتطورة، ومنظومات الصواريخ الاعتراضية التي تتباهى بها الصناعات العسكرية الإسرائيلية ذهبت أدراج الرياح، ناهيك عن منظومة الطائرات بدون طيار (الهورون) ونحوها.
وحين تفشل القبة الحديدية التي اعتبرت مفخرة إسرائيل، وتفشل منظومة معطف الريح لحماية الدبابات والمدرعات الإسرائيلية، وحين يتكرر الفشل في منظومة أداء الطيران الإسرائيلي في تحقيق أهدافه فنحن نتحدث عن خسارة كبرى لصورة وسمعة وحجم تصدير الصناعات العسكرية في العالم.
ثانياً: سقوط نظرية الجندي السوبر (الجندي الذي لا يقهر).
فاليوم، ظهر جلياً للعيان أن الجندي الذي لا يقهر هو الفدائي الفلسطيني، والمقاوم الذي يهاجم مستوطنة عسكرية ونقاط تمركز العسكر ويرديهم بين قتيل وجريح برغم فارق التسليح والقوة بينهم.
ثالثاً: سقوط نظرية (وحدات النخبة) بكل أسمائها.
فقوة إسرائيل الضاربة إعلامياً عمدت إلى تهويل الصورة الخاصة بوحدات النخبة الإسرائيلية، وأنهم درع إسرائيل الحصين، من دوفدوفان، وغولاني، ونحوها من القوات الضاربة، تلاشي هذه الصورة تحقق بصورة لا تقبل الشك مع أول لحظات الحرب البرية.
رابعاً: حجم ونوعية القتلى العسكريين والقادة لنخبة النخبة
فمعظم القتلى بين صفوف الجيش الإسرائيلي هم من وحدات النخبة الإسرائيلية، ومن قيادات هذه الألوية المشاركة في الحرب، وقتلهم أثر نفسياً على الجيش، وأوجد حالات من التمرد والهروب من الخدمة، كما أثر على صورة النخبة في العالم بأسره، فأي هيبة بقيت بعد أن تشتتوا بين قتيل وجريح ورافض للخدمة؟
د. نزار نبيل الحرباوي