نحتاج مجلة أدبية شاملة ..!

تاريخ النشر: 07/04/12 | 10:56

مجتمعنا العربي الفلسطيني في الداخل لا يختلف عن بقية المجتمعات العربية . فقد شهد في السنوات الغابرة نهضة ثقافية وانطلاقة أدبية مباركة، تمثلت بصدور المجلات والدوريات والملاحق الأدبية والثقافية ، وتأسيس دور النشر لطباعة وتسويق الكتاب المحلي والعربي ، وصدور عشرات بل مئات العناوين والكتب والمجاميع الشعرية والنثرية والادبية في مختلف اجناس وألوان الكتابة الابداعية . اضافة الى اقامة المؤسسات الثقافية، التي تعنى بتعميق وتجذير الوعي الثقافي والجمعي ، وصيانة هويتنا الفلسطينية واحياء الذاكرة الجماعية الفلسطينية.

ولكن نظرة على الواقع الثقافي الراهن كافية ان تبين لنا التراجع والانحسار الثقافي الرهيب ، واحتضار المجلات الادبية والفكرية، التي شكلت عصب الحياة الفكرية لشعبنا وكان لها الدور الايجابي الحضاري المؤثر في الحراك الثقافي والنهضة الادبية وتفعيل حركتنا الادبية والثقافية ، عدا عن تدهور وضع صحافتنا الأدبية وما تبقى من مجلات فصلية ودورية ، وانخفاض مستواها وخفوت وهجها ، وذلك لغياب الموارد المالية، ونتيجة الجو العام السائد، المشحون باللامبالاة والمعادي لثقافة التنوير والعقل ، ولفكر التحرر والتقدم والانفتاح على الآخر . ناهيك عن طغيان الانترنت والفضائيات، وثقافة المادة والاستهلاك والاهتمام بالشكليات والمظاهر البرّاقة ، والعشق الهستيري والجنوني للصوت والصورة الاباحية والجسد العاري.

فقبل سنوات طويلة ، وبعد الانهيار الذي عصف بالمعسكر الاشتراكي، توقفت مجلة (الجديد) أعرق المجلات الأدبية والفكرية والثقافية الفلسطينية ، التي كان يصدرها الحزب الشيوعي ، وشكلت حاضنة ثقافية لجميع الأقلام الوطنية التقدمية والديمقراطية ، التي تنتصر للانسان المقهور ، ولأدب الحياة والمستقبل الملتزم ، الأدب الواقعي. هذه المجلة الرائدة ، التي لا يمكن لاحد انكار دورها الهام والمؤثر في مسيرة حياتنا الثقافية والنضالية ونهضة شعبنا العلمية والأدبية ، وكانت تعنى بالشؤون الأدبية والقضايا الفكرية والوطنية ، واتخذت مواقف صارمة من الأحداث السياسية والاجتماعية والمسائل الثقافية والفكرية ، التي كانت مطروحة على الساحة والاجندات في تلك الفترة الزمنية والحقبة التاريخية لجماهيرنا العربية الفلسطينية.

وقبل ذلك توقفت مجلة (مشاوير) الأدبية الشهرية ، التي كان يشرف عليها الشاعر الجليلي المرحوم جورج نجيب خليل،ومجلة (الآداب) التي أصدرها الراحل عفيف صلاح سالم، كما احتجبت مجلة (المواكب) الأدبية ، التي بادر لاصدارها الشاعر الراحل فوزي عبداللـه ، والتي احتضنت النتاج والعطاء الأدبي المتنوع لأدبائنا وشعرائنا الفلسطينيين المقيمين ، وساهمت في تدعيم الحوار الثقافي والسجال الفكري بين التيارات الفاعلة في مجتمعنا.

كذلك غابت مجلة (مشارف) الشهرية الثقافية ، التي كانت تصدر في حيفا والقدس، والتي أسسها الأديب الفلسطيني الراحل اميل حبيبي ، ورغم عمرها القصير كان لها أثر مهم في حياتنا الثقافية والأدبية والاعلامية المعاصرة.

وقد بقيت على الساحة الادبية مجلة (الشرق) التي يشرف عليها الأديب محمود عباسي ، وتصدر كمجلة دورية فصلية ، وتخصص محاور وملفات لتكريم شعرائنا وأدبائنا في هذا الجزء النابض من أرض الوطن الفلسطيني. وأيضاً مجلة (الأسوار) لصاحبها ومؤسسها الناشر يعقوب حجازي ، التي تصدر ككتاب فصلي وبصورة غير منتظمة عن مؤسسة (الأسوار ) للتنمية الثقافية في عكا. اضافة الى مجلة (الاصلاح) الثقافية الشهرية، التي تصدر عن دار (الأماني) ومقرها في عرعرة ، ويحررها ويشرف عليها الكاتب الصحفي مفيد صيداوي ، وتساهم رغم امكانياتها المادية الشحيحة، في رفد ثقافتنا وتفعيل حركتنا الثقافية المحلية . وقد اثبتت استقلاليتها والتزامها ازاء القضايا الوطنية والسياسية والمحورية المبدئية ، وتحقق طموحاً ، وان كان متواضعا، للمسيرة الثقافية والنهضة الأدبية في هذا الوطن وتسعى دائماً للأفضل.

وفي الماضي كانت هنالك محاولات حثيثة لأصدار مجلة شهرية تعنى بالقضايا الأدبية والفكرية والثقافية كتلك التجربة التي قام بها الشاعر والسياسي سالم جبران ، باصدار مجلة (الثقافة) ، ولكن هذه التجربة سرعان ما احتضرت وماتت سريريا في المرحلة المبكرة من ولادتها. والتجارب العديدة والمحاولات المتكررة للشاعر والحكواتي عبد الحكيم سمارة كـ (المسيرة) و(شمس) ، ومحاولة المسرحي عفيف شليوط باصدار مجلة (الأفق).

اننا في خضم الواقع الجديد الذي تفرضه التغيرات والتحولات السياسية والانتفاضات الشعبية والجماهيرية العربية ، وفي ظل غياب المنابر الأدبية والصحافة الثقافية الابداعية في عصر الانترنت والفضائيات ، واختفاء الملاحق الأدبية من صحفنا العربية ، لعدم وجود محرر أدبي أو مشرف ثقافي ، فاننا بحاجة ماسة لمجلة أدبية شهرية شاملة ، تعمق الوعي لأهمية الثقافة ولدورها الحضاري على الجبهة الثقافية والفكرية ، وتحتضن التجارب الأدبية الراقية ذات المستوى الرفيع والمحتوى الناضج الهادف ، وتنهض ثقافياً وأدبياً بمجتمعناالعربي ، الذي خلخلته الهزائم الذاتية لصالح )ثقافة( الجسد ،و)ثقافة( الواوا، وسيطرت عليه النزعة الاستهلاكية ، وغابت عنه روح الابداع والتجديد والاهتمام بالثقافة والكتاب، وانتعشت فيه مقاهي)النرجيلة(و )مسابقات الجمال(ومشاهدة مباريات كرة القدم و)المونديال (ورفع أعلام منتخب )برشلونة(وفريق )ريال مدريد(واطلاق المفرقعات في الهواء بانتصار )ميسي(، والتنافس الشبابي على أخرصرعات)الموضة)والأزياءالكاشفة،و(البليفونات)و(السيارات) الفاخرة.

‫3 تعليقات

  1. السؤال الأهم: هل هناك اليوم كتاب أعني كمن كانوا؟
    ولكن قبل ذلك: هل هناك قراء جادون متابعون أعني القراء الذين “يطحنون ” سبعة كتب على الأقل في الشهر. هكذا في متوسط المثقفين في الوسط العبري كما ظهر في عدد الفصح من معريب
    اليوم قرأت مقاله هامة جدا للبروفيسور بطرس أبو منه في موقع الجبهة عن المطالعة أدعوك لقراءتها وعد إلينا لتقول رأيك

  2. تردّدْتُ كثيرا قبل الإدلاء برأيي وتساؤلاتي . بداية أتفق كليّا مع الأخ بو أحمد أن الثقافة والكتابة الأدبية أو الثقافية عامة لا يمكن أن تنهضا بدون نهضة المطالعة والقراءة في أي مجتمع وأي عالم . فالقراءة والكتابة لا يمكن الفصل بينهما وأعتقد أن كتابة جدية لن تتطور ما لم تلق التشجيع والحوار الناقد من جمهور قارئين نبهين . وما لفت انتباهي ، أكثر من مرة ، أن مَن يكتب عن الظواهر الأدبية ولا يتزود حقيقة بمعلومات موضوعية حقيقية ، فكتابته لا تسوى الجهد الذي بُذِلَ لحظة الكتابة . وأكثر ما يحزنني هو غياب التوجه الموضوعي عند الكتابة ، إنما الإلتزام بالتوجه العصبوي ، فكثيرا ما أسمع عن كتاب ولا تجمعهم حقيقة أية صلة بالكتابة الأدبية . وكثيرا ما يجري عمدا الخلط الفاضح بين كتبة مقالة صحفية لا جديدَ فيها ” من حيث الأسلوب والمضمون ، وبين كتاب حقيقيين . ويبدو أن الصديق فريد شاكر حسن غير مطَّلِعٍ كفاية أو لا أدري ما السبب تجاهله لمجلتين تصدران من سنتين في منطقة الجليل وتوزعان قطريا ، الأولى هي مجلة ” الغد الجديد ” يُحررها إنسان من مجد الكروم لا علاقة له بالأدب الحقيقي ، لكنه يصدرها بالتعاون مع ناس ، أذكر منهم على سبيل المثال الكاتب القصصي محمد نفاع . والمجلة الثانية اسمها ميس ، يحررها الشاعر أسامة ملحم وبالصدفة كنتُ أنا والقاص النصراوي ناجي ظاهر وأسامة ملحم أحد مؤسسيها ومحرريها . والعدد السادس الأخير أوصلناه إلى عدد واسع من الأصدقاء في المثلث. وآمل أن يتعرف الأخ أبو أحمد عليها . وأستطيع القول ، واثقا ، أنها مجلة للثقاة العقلانية وللأدب الجميل . وهي تسعى لأن تكون منبرا أدبيا ليس فقط للكتاب العرب في إسرائيل وتربطها علاقات حميمة مع كتاب عرب في الوطن العربي الكبير . لي رجاء بسيط للزميل فريد شاكر حسن أن يتوخى الدقة المعرفية حين يكتب ، ذائقته الأدبية لن اتطرق إليها ، تلك مسألة أخرى ، فالمهم قال أبو أحمد أن نسعى ما أمكن لتشجيع القراءة . آسف إن أطلت . ابراهيم مالك

  3. أقسم أنني أردت أن أذكر بمجلة ميس فقد تصفحت عددين وقرأت فيهما مواد جيدة لكتاب لم أعرفهم سابقا، وقد قرأت العدد الأخير من الفكر الجديد وهو على مستوى، فالجليل في حركة والحركة بركة . كما قرأت مجلات أكاديمية تعالج الأدب منها جامعة مدارات وباختصار لدينا ، ولكن كما قلت من يقرأ؟ صحيح أننا لا نجد كتاب أيام زمان بنفس الزخم، ولكن يا أخي شاكر (ريحة الجوز ولا عدمه ) وريحة الجوز فائحة
    شكرا للمناضل الأدبي الأستاذ إبراهيم!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة