المترجمة والمؤرخة العربية الدكتورة “سلمى الجيوسي”

تاريخ النشر: 06/08/14 | 9:15

-“العرب لا يملكون ثقافة ولا أدبا”.
-“سأريك”.

هذه القدحة، أوالشرارة الأولى، هي التي ألهبت وحركت كوامن العمل الجاد، والجهد في قلب د.سلمى خضراء الجيوسي تجاه أمة بأكملها. ففي نزهة ترفيهية مع طلابها في جامعة “تكساس” الأمريكية، تهكم أحد الطلاب الامريكان وتفوه، وبطريقة ساخرة، بأن ليس للعرب في الركب الادبي او الثقافي شيئا. فلم تتمالك نفسها، وثارت بين جوانحها نخوة المعتصم، وانطلقت كالبركان يقذف بالحمم اللاهبة، وردت بقوة وتحد واصرار:”سأريك” أن العرب يمتلكون الكثير من أصول و روائع الادب والثقافة. وعلى اثر هذه المشادة الكلامية، عقدت د. سلمى العزم، ومن تلكم اللحظة، على تأسيس مشروع مختص بترجمة الاصيل من موروث الثقافة العربية، من شعر ونثر وتراث ومعرفة، لأجل تقديمها الى الأخر- المتكلم بالانجليزية في هذا الكون الرحب.

شرعت في انشاء مشروعها الذي أطلقت عليه اسم “بروتا” عام 1980 متحملة بمفردها كل المشاق والضنك، لأجل الاثبات بأن لأمة الضاد دور في هذا العالم الرحب. فخلال ربع قرن من العمل الدؤوب، استطاع هذا المشروع ردم جزء كبير من الهوة المتمثلة في جهل “الأخر” بتاريخ امتنا العربي والاسلامي.
فتاريخ عظيم كتاريخنا، يصعب ان يقوم به شخص واحد، ما لم تدعمه، وتؤازره أياد مخلصة، رسمية وغير رسمية، لا يقل اهتمامها عن اهتمام د. سلمى، ان لم يزد.

فحيثما يوجد النجاح، توجد المشكلات، وتكسير المجاذيف، والاحباطات، ونكران الجميل. فما أن وضعت قدميها على بداية الطريق، وبدأ المشروع يأتي أكله وثماره اليانعة، حتى تصدت له اياد خفية ظلامية، من مثقفي العرب، وغير العرب. فوضعوا لها الكثير من العراقيل، بغية وأد المشروع الوليد في مهده، كما لم يكلف أحد من العرب نفسه بارسال رسالة شكر وامتنان، الى صاحبة هذا المشروع، لشحذ همتها وتشجيعها، معنويا، على أقل تقدير.
أما المؤسسات العربية الرسمية، فبرغم الالحاح في طلب المساعدة المادية لانجاح مشروع وطني عربي كهذا، فجلها أشاح بوجهه عن المساعدة، الا من رحم ربي، وكأن الأمر لا يعنيهم، أو لا يتعلق بتاريخ امة ينتمون هم انفسهم اليها و كانت – وستبقى- عظيمة.

بلغ مجموع ما حققه مشروع “بروتا”، وما حررته د. سلمى الجيوسي من روائع الأعمال ما يزيد على (30) عملا، ومنها على سبيل السرد، لا الحصر، خمس موسوعات ضخمة للأدب العربي، وهي على النحو التالي:
1-الشعر العربي الحديث (93 شاعرا)
2. أدب الجزيرة العربية (95 شاعرا وقاصا)
3.الادب الفلسطيني الحديث (103 شاعرا وكاتبا)
4.المسرح العربي الحديث (12 مسرحية كبيرة)
5.القصة العربية الحديثة (104 قاصا).
كما قامت د. الجيوسي بتحرير كتاب عن اسبانيا بعنوان “تراث اسبانيا المسلمة” حيث اشتمل على (48) دراسة متخصصة، تغطي جميع مناحي الحضارة الاسلامية في الاندلس، وقد اضطلع بهذا الجهد المضني (42) استاذا متخصصا في أمريكا، أوروبا، ومن العالم الاسلامي. كما لم يفت صاحبة المشروع، اغفال بعض السيرالعربية التراثية كسيرة “سيف بن ذي يزن”، حيث اسندت ترجمتها واعدادها الى لينة الجيوسي، وكان عملا رائعا حقا.

د. سلمى الجيوسي لا تعرف الراحة الا في العمل، وليس أي عمل، انه العمل الفكري المضني. هي بحق تشقى في النعيم بعقلها. فمنذ العام 1989 وهي تعمل على أضخم وأقوى أنطولوجيا للأشعار العربية، ناهيك عن عملها على مقالات نقدية باللغة العربية والانجليزية. وأما بخصوص دول المغرب العربي: ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، وموريتانيا، فقد خصصت، ومنذ العام 1993، مشروعا شاملا متكاملا لدراسة الادب والثقافة في هذه الدول. ما بين العام 1994 والعام 1995، وفي ” برلين ” بالذات، أجرت الجيوسي دراسة معمقة عن تقنيات الشعر العربي منذ ما قبل الاسلام، الى وقتنا الحالي، كما صدرت لها موسوعةالادب الفلسطيني في العام 1997.

تقول الجيوسي: “أنا التي أعطيت نجيب محفوظ جائزة نوبل، أنا من كتبت عنه تقريرا بناء على طلب هيئة الجائزة وقلت حينها ان محفوظ هو من أرسى قواعد الرواية العربية “. وحينما سئلت عن قناعاتها بأهلية “أدونيس” وجدارته وأحقيته بجائزة نوبل، اردفت بأنه فعلا يستحقها، ولكنه أفسد قضيته بتناقضاته الفكرية.

تم تكريم د. سلمى خضراء الجيوسي بمنحها وسام القدس 1990، ونالت جائزة تكريمية من اتحاد المرأة الفلسطينية في امريكا عام 1991. أمد الله في عمرها ومتعها بالصحة والعافية، واعانها على تحمل أعباء هذه المسئولية الكبيرة والشاقة.

يونس عودة- الأردن

yones3wdh

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة