أمثال شعبيّة أغضبتني!

تاريخ النشر: 16/03/12 | 1:32

“من سيرتي الذاتيّة”

اليوم، وبعد هذه السنين التي عشتُها، وبعد التجارب التي خضتُها، وبعد هذا الكمّ الغزير من المعلومات والمعارف التي اطّلعتُ عليها، صرتُ أقلّ انفعالا، وأكثر ميلا للتروّي ولتحكيم العقل، واكتسبتُ مرونة في تصرفاتي وفي أحكامي!

لكنّ الأمرَ لم يكن كذلك عندما كنتُ طفلا صغيرًا، أو عندما كنتُ فتى يافعًا!

كنتُ آنذاك عاطفيًّا سريعَ الانفعال، أُصدِرُ الأحكامَ القاطعة بعفويّة بدون تأنٍّ أو رويّة!

أذكر موقفًا لا أنساه مررتُ به وأنا في الصفّ الخامس الابتدائيّ.

كان يومًا من أيام الربيع المشمسة، وبالتحديد بعد ساعات الظهيرة، حيث تجمّعت نساء الحارة في ساحة بيت أحد الجيران، وقد افترشن الحصر وجلسن على “الطراريح” أو البُسط ورحن يتجاذبن أطراف الحديث بمتعة وسرور، إذ لم تتوفّر في تلك الأيام أجهزة المذياع أو التلفزيون في البيوت.

أمّا نحن الصغار فانهمكنا في القفز والجري واللعب في الأزّقة والطرقات، وأحيانًا كنّا نركض فرحين خلف بعض الفراشات المزركشة الجميلة، أو نهرب مذعورين من دبابير شرسة!

وحدث في أثناء ركضي أن “عرقلني” – متعمّدًا – زميلٌ من أبناء الحارة، فوقعتُ على الأرض، وأصابتني بعض الرضوض والخدوش، فلم أتمالك نفسي فصرختُ بأعلى صوتي ذامًّا ذلك الزميل الشرير، ومعلنًا كراهيتي الفائقة له ولسلوكه العدوانيّ!

ولما كنّا على مقربة من نساء الحارة المتجمّعات، فقد سمعن صراخي وكلامي، وشاءت الصدف أن تكون والدة “الجاني” مع النساء المتجمهرات، فغضبت منّي، وأخذت تدافع عن ابنها وتمجّدُ أخلاقَه الحميدة وتستنكر أقوالي عنه!

نهضت إحدى الجارات، وتقدّمت منّي تواسيني وتلطّف من ألمي وهياجي، وانتحت بي جانبًا وقالت لي اسمع منّي هذه النصيحة واعمل بموجبها:

“حبّ وداري، وابغض وواري”!

وراحت الجارة تشرح لي حكمة ذلك المثل وجدواه في حياتنا، حيث يجدر بنّا إذا أحببنا أن نعلن حبّنا ونجهر به ليعرف المحبوب ذلك، وإذا كرهنا علينا أن نُخفيَ ذلك الكرهَ عن الشخص المكروه!

يومَها، صدمني هذا المثلُ في فحواه ومغزاه!

كان يمكنُ أن أقبلَ الجملة الأولى من المثل – إظهار الحبّ للمحبوب، ولكنّي أرفض الجملة الثانية التي تحثّ على الرياء وعدم إظهار مشاعرنا الصادقة!

بعد هذه الحادثة، بدأتْ نفسي الغضّة تتألّم، بل تثور، من سماع بعض الأمثال الشعبيّة التي يردّدها الناسُ الكبار في مجتمعي، تلك الأمثال التي لها إيحاءات سلبيّة وتسهم في ترسيخ قيم وعادات مرفوضة يجب استئصالُها وإلغاؤها!

من بين تلك الأمثال الشعبيّة الشائعة التي لها إيحاء سيء أذكر:

– الكذب مِلح الرجال.

– اللي بوخذ أمّي هو عمّي!

– حط راسك بين الروس وقول يا قطّاع الروس

– بوس الكلب من ثمّو تا توخذ حاجتك منّو.

فكيف نردّد مثل هذه الأمثال التي تحثّ على الكذب واستحسانه، أو التي تدعو للخنوع والذلّ والاستسلام، أو التي تُبيح كلّ الوسائل للوصول إلى الغايات فتدعو للّجوء إلى الخداع والنفاق!

إنّ الأمثال الشعبيّة وما لها من تأثير وشيوع بسبب ما تتصف به من خصائص وميزات سواء في الصياغة أو الأسلوب أو المضمون، تحتّم مراجعة دقيقة للعدد الضخم الهائل من الأمثال الواردة في الكتب والمصادر والموسوعات، لغربلتها وتنقيتها من تلك الأمثال التي تتنافى مع القيم والمثل السامية النبيلة، فلا يتناقلها الناسُ في أحاديثهم أو كتاباتهم!

ملحوظة:

هناك الكثير من الأمثال الشعبيّة التي لها إيحاءات إيجابيّة محمودة وقد أتطرّق إلى بعضها في المستقبل!

اقرا ايضاً في هذا السياق:*”من سيرتي الذاتيّة” د. محمود أبو فنه

محطّة بارزة وحاسمة “من سيرتي الذاتيّة”

العناية الإلهيّة تحرسك!

كيف تغلغل حبّ الكلمة إلى قلبي!

منكما رضعتُ المبادئ والقيم!

‫13 تعليقات

  1. بارك الله فيك استاذ محمود. جدا شيقة كتاباتك، ولذاكرة الطفولة طعم خاص دافئ

  2. احييك اخي الكريم ..اسلوبك بالكتابة جذاب به متعة ونكهة طيبة…مقالاتك جوهرية..

    لك مني خالص الحب والود الجميل..

  3. تحية عطرة لأستاذنا العزيز الدكتور محمود ابو فنه . لقد امتعتنا باسلوبك الخاص والذي يملي على القارىء المتعة والمسرة . وتذكرك للماضي يزيدنا تمسكا به . دمت لنا ذخرا لتستمر في مسيرة العطاء . اسالك استاذي اذا كان هناك كتاب عن سيرتك الذاتية فكيف بالامكان الحصول عليه ؟

  4. تحياتي لك. استاد محمود وادام الله عزك ومجدك سلامي لام سامي

  5. تحياتي د.محمود على اسلوب الكتابه الممتع للغايه…..هناك الكثير الكثير الكثير من امثالنا وعاداتنا تحتاج الى التغيير والحذف ليس لها مكان ومغزى في حياتنا….كلامك جواهر..وشكرا الك على هللفتات الرائعه….. بروين

  6. تحياتي لك. استاد محمود وادام الله عزك ومجدك سلامي لام سامي

  7. هذه الامثال الشعبية تمثل ثقافة مجتمع يتغير وتتغير ثقافته مع مر السنين.
    تحياتي لك استاذ.

  8. انت على حق د. محمود ان هذه الأمثال عكس مبادئنا لكن الناس يتمسكون بها ذريعةً لتصرفاتهم. وفي هذا الزمن الناس مشغولين بالماديات والشكليات وبعدين عن المبادئ.. أهنئك على كتاباتك الشيقة والتي تدخل العقول والقلوب الله يبارك ويزيد

  9. الف تحيه للاستاذ الدكتور محمود ابو فنه …
    مقالتك هادفه وهدافه .ان هذه الامثال اللتي ذكرتها وغيرها من الامثال السيئه .يجب ان نمحوها من قاموسنا .ان كان ذلك كتابه او قراءه او كلاما .فبهذه الطريقه نستطيع ايضا ازاله الكذب والغش والخداع والرياء وغيرها من العادات القبيحه .
    باركك الله ويعطيك الصحه والف عافيه..

  10. مثل جديد سمعته لاول مره بقوووول
    لا تؤمــــــــــــــن لشمس الشتاء ولا تؤمن الى دمــــــــــــــــــــــــــــــــوع النساء

  11. تحية خاصة لك كلام حلو واسلوب رفيع يا ريت تكتب كثير لنقرا مقالاتك كل الاحترام

  12. جزيل الشكر وأصدق التحيّات لكلّ من قرأ النص وتفاعل معه.
    للجميع أتمنّى دوام الصحّة والعطاء وراحة البال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة