أنا لا أحاربُ من أجلِ عمر!

تاريخ النشر: 20/02/12 | 11:08

في تاريخ كلّ أمّة ، وكلّ شعب، صفحات خالدة ناصعة زاخرة بالإنجازات والبطولات والتضحيات، ولكنّ هذا التاريخ، كذلك، لا يخلو من فترات نكوص وجمود ونكسات!

من المواقف والأحداث الرائعة التي سجّلها الرواة والمؤرّخون في تاريخ أمّتنا العريقة أتوقّف عند هذه الحادثة:

ينقل الرواة أنّ الخليفة عمر بن الخطاب عندما بويع بالخلافة بعد أبي بكر الصدّيق أرسل رسالة لأبي عبيدة الجرّاح يأمره فيها أن يعزل خالد بن الوليد عن قيادة جيش المسلمين في الشام (اليرموك)، وأن يتسلّم أبو عبيدة نفسه القيادة.

لمّا بلّغ أبو عبيدة خالدَ بنَ الوليد بهذا الأمر، كان ردّ خالد هذه العبارة المشهورة:

“أنا لا أحارب من أجلِ عمر، ولكن أحاربُ من أجلِ ربِّ عمر!” .

يا لها من عبارة موجزة، دالّة، معبّرة وخالدة!

إنّها عبارة تستدعي التأمّلَ والتفكير، وتستحقّ التنويهَ والتقدير!

القائد العظيم العبقريّ الفذُّ خالد بن الوليد الذي لقّبه الرسول بسيف الله المسلول، القائد الذي لم يهزم في معاركه، البطل المغوار الذائع الصيت الذي قيل عنه: “عجزت النساء أن تلد مثل خالد”، هذا القائد المحنّك الإنسان العلمُ يقبل حكمَ الخليفة ويؤكّد التزامه بعقيدته التوحيديّة، وانتماءه لمبادئه، ومواصلة كفاحه وتضحيته من أجل رسالة الحقّ والهدى والنور!

لم يحاول خالد بن الوليد التمرّد أو العصيان، ولم تسيطر عليه مشاعر الغضب والأنانيّة، بل ضرب مثلا أعلى في الإيمان الصادق، والإيثار والتواضع!

واليوم، وفي هذا الزمن العاصف الصاخب اللاهث، أتساءل:

لماذا هذا التهافت وهذا التكالب على المناصب والرتب والأضواء… على حساب المبادئ والقيم النبيلة؟!

متى نقتدي – جميعًا – بخالد بن الوليد وبسلوكه الرائع ؟!

متى يخلص كلّ فردٍ فينا في القيام بواجبه، وفي أداء عمله وإتقانه، بعيدًا عن أضواء الشهرة وبريقها، وبعيدًا عن المديح الكاذب المخادع؟!

ليقُم الآباءُ والأمهات بواجبهم المقدّس في رعاية الأبناء وتربيتهم وتثقيفهم بدون منٍّ أو كلل!

ليشقّ الأبناء طريقهم إلى المستقبل الواعد المشرق بجدّ ومثابرة وبالتمسك بالأخلاق الحميدة!

لينهض كلُّ معلّم وكلُّ مربٍّ برسالته السامية ولا يكترث إذا لم ينل الترقية أو المديح!

ليخلص كلّ عامل وكلّ موظّف في أداء عمله وفي إتقانه، لأنّ الله يحبّ هذا الإخلاص وهذا الإتقان!

كمْ أهيب بنفسي وبكم أن نحذو حذو خالد بن الوليد!

ليعمل كلٌّ منّا – مهما كان عمله وموقعه – بإخلاص وتفانٍ وبصدق وإيثار لنلحق بركب الحضارة المتسارع، ولنشارك في مسيرة الإنتاج والإبداع والابتكار والتميّز!!

‫11 تعليقات

  1. جزاك الله كل خير يا استاذي الفاضل… حقيقة انا من اشد المعجبات بكتاباتك الرائعة واستمتع جداً بقرائتها … فلتدم فخراً لاهل بلدك

  2. اشكرك استاذي الفاضل على كتاباتك الرائعة لأنك تذكرنا دائما بالتاريخ الذي نفتخر به كثيرا . آمل ان تزودنا دائما بانتاجاتك الرائعة التي تمتعنا بها . دمت لنا ذخرا مع تمنياتي لك بالصحة والعافية .

  3. سيد ابا سامي

    احييك على هذا المقال الرائع له ابعاد كثيره ونحن للاسف نعيش في زمن الغش والخداع , زمن كله مناظر والخ من صور مزيفه – فمتى نقتدي بسيف الله المسلول ونحن نحارب بعض ونشن كل الهجموم من اجل المال , المنصب ووووو

    قال عنه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ” ما مثل خالد من جهل الإسلام ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين على المشركين لكان خيراً له ولقدمناه على غيره”، وبعد الإسلام قال عليه الصلاة والسلام” الحمد لله الذي هداك ، لقد كنت أرى لك عقلاً رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير” .

    تحياتي ومودتي

  4. عندما أسمع بسير الأبطال العظماء من أبناء أمّتنا العربيّة الخالدة ,فإنّني أشعر بالعزّ ة والفخر بهؤلاء الرجال الرجال ,أصحاب النخوة والكرامة والمبدأ,قادة لم ينتظروا مديحًا من أحد ولا تزلّفوا لصاحب جاه ,بل كان همّهم مرضاة الله في أعمالهم وإتقانها تيمّنًا بقول الهادي -صلّى الله عليه وسلّم-:”إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه”.
    إن هذه العبرة من انصياع خالد لأوامر قائده الخليفة الفاروق عمر -رضي الله عنه- لها دلالات ودلالات ,فرغم أنّ خالدًا لم يخسر في حرب وله من السمعة الطيّبة كقائد فذّ يدخل غمار الوغى ويخرج منها رافعًا راية النصر ,إلّا أنّه لم يتردّد في تسليم الرّاية لقائد آخر اختاره الخليفة بحساباته الخاصة كقائد المرحلة ,وقد ضرب خالد مثلًا حيًّا لمعنى المسؤوليّة الحقّة,واثقًا برجاحة تفكير قائده ,وأنّ ما قام به سابقًا من واجب كان بأمرٍ ممّن يطلب منه التخلّي .
    السّؤال الّي لا بُدّ منه:ماذا كان سيحدث لو أنّ الأمر جرى مع أحد قادتنا؟؟هل كنّا نسمع منه تلك الجملة المشهورة الّتي قالها خالد ,وينتظم جنديّا محاربًا تحت إمرة غيره؟؟؟؟وهل لدى قادتنا من ثقة بالله وبالنفس حتّى يسلّموا الراية لغيرهم ؟؟ وهل نحن بحاجة إلى جواب وأقزام اليوم يوغلون قتلًا وتدميرأ بشعوبهم ومقدراته!!!
    أخي العزيز الأستاذ محمود أبو فنّة !أدعو لك دوام العطاء ,وأرجو لأمّتي الفرج القريب من كربها وضيق حالها ,ولك منّي خالص التّحيّات.

  5. جزاك الله الفردوس الاعلى وجعله في ميزان حسناتك
    المقال رائع والعنوان اروع وجذاب
    لاول وهله قلت عمي بدو يجوز عمر محمود…..

  6. استاذي واخي الكريم..حياك الباري وجمل ايامك بالكرامة ومكارم الاخلاق..

    مقالتك جوهرية المعاني تهدف الى تذويت القيم الحميدة في النفوس..

    جدير بنا ان نتالق باداء ادوارنا بمسرح الحياة لنخلق حياة فاضلة..تعم بها الرفاهية..

    مكارم السلوكيات..والاخلاق الايجابية..

    لك جزيل الشكر والثناء على عطائك الكريم المتواصل..بوركت وجزاك الله كل السعادة

    والخيرات..

  7. والدي الغالي، أولاً أحييك من أعماق قلبي على كتابة هذه المقالات الرائعة والهادفة والتي تكتبها الواحدة تلو الأخرى والّتي تكرس لها جل وقتك (وأنا أرى ذلك من قريب) وهي مقالات علينا جميعاً أن نسطّر بها دستور حياتنا في البيت، في العمل، في المجتمع … وفي كل أتلام الحياة.

    عندما قرأت لي هذا المقال اليوم في البيت (والذي عرفت اليوم انك نشرته في هذا الموقع الطيب) إنتابتني مشاعر جيّاشة من كل كلمة وقعت على مسمع أذناي عن قائد عظيم لأمة عظيمة – خالد بن الوليد.

    وفي النهاية أدعو الله لي وللجميع أن يوفقنا في جني بذورات هذه المقالات الهادفة، المعبرة والجميلة وغرسها في نفوس أبنائنا فلذات أكبادنا كي يكبروا وقد تجذّرت في أعماقهم القيم والمبادىء السامية والأخلاق الحميدة والعزّة والكرامة ولأنّ أمتنا بحاجة إلى الكثير من أمثال خالد بن الوليد.

    تحية كبيرة من زوجتي سوزان ومن الأحفاد الصغار المحبين لجدهم (ولجدتهم طبعاً) لمى، محمود، ليان وزينة.

  8. بارك الله بيك …..يا ريت الناس تمشي وتتبع مبادئها في جميع مجالات الحياة.. الناس اليوم بتركض وراء الماديات
    معجبه بكتاباتك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة