إزالة الجبل

تاريخ النشر: 10/02/12 | 3:40

يحكى أن إحدى القرى كانت تقع بجانب جبل يحجزها ويمنعها عن أقرباء يعيشون خلف هذا الجبل وكان الوضع يتطلب أن يصعد الجبل وينزل عنه كل من أراد أن يزور الأقارب في الجهة الأخرى منه وكان في ذلك مشقة كبيرة وخاصة أن صلة القربى والأرحام والترابط الاجتماعي والاقتصادي بين الجانبين قوية جداً وكان يستلزم البعض للذهاب والعودة عدة مرات في اليوم.

ورغم الجبل إلا أن أواصر القرابة والمصاهرة والصداقة تنامت وازدادت والعلاقات التجارية والبيع والشراء تطورت والعلاقات المهنية والاجتماعية والأمور الحياتية واليومية تضاعفت وترعرعت بين الطرفين مما جعل الجميع يشعر بالمشقة والجهد والتعب من الذهاب والعودة, الصعود والنزول وكذلك المشقة في نقل البضائع والمستلزمات من طرف إلى آخر.

توصل الجميع إلى قناعة تامة بأن هذا الجبل يشكل عائقاً وحاجزاً ومانعاً والكل يشكو ويتذمر فالمريض يصعد الجبل وينزله وهو في أشد الإعياء كي يصل إلى الطبيب في الجهة الأخرى .

والأطفال يذهبون إلى المدرسة في الجهة الثانية والعمال والتجار والباعة والمزارعين والأقرباء يتنقلون من جهة إلى أخرى يمرون ويتقابلون في مكان ما على الجبل في صعودهم ونزولهم وكانوا يكثرون من الشكوى والتذمر من التنقل بين طرفي القرية الواحدة التي ارتبط مصيرها بالعيش معاً رغم كل الصعوبة والمشقة.

وكم من الحالات والحوادث التي وقعت أثناء تسلق الجبل أو أثناء النزول عنه وكم من حالات موت وكسر وانزلاق وإعياء وإغماء وحالات ولادة وإنجاب وصداقات وتعارف وارتباط وصفقات وحكايا نقشت على صخور هذا الجبل مما جعل الأمر يزداد تعقيداً وصعوبة إلا أن التذمر والشكوى والتأفف أو اللامبالاة كانت هي مجمل ردود الفعل لكل ما يحصل .

كان البعض يقول ما باليد حيلة والبعض يقول هذا هو القدر والبعض يقول الصبر مفتاح الفرج والبعض يقول وما العمل ؟؟

لكن أحداً منهم لم يفكر بإزالة الجبل أو باختراقه أو حفر نفق فيه أو الالتفاف عليه !!

كلنا ننشغل بالصعود والهبوط ولا نجد المتسع من الوقت كي نفكر بالأوضاع والحلول وعلى جميع المستويات وفي كل جوانب الحياة , لا نريد أن نواجه الواقع ولا أن نجابه الأحداث ويطيب لنا العيش بما نحن فيه وعليه.

لكل منا جبل يجثم على صدره, جبل من المصاعب في الخوف والقلق والحرص والصمود والسعي والبقاء ولكلنا جبل واحد من المصائب في الفرقة والتمزق والتشرذم والحقد والكراهية والأنانية والألم والنزاعات والخصومات.

وحقاً ما العمل ؟؟

صعد رجل عجوز إلى أعلى الجبل ونادى بأعلى صوته أيها الناس الحل في إزالة الجبل !

البعض ضحك واستهزأ والبعض تجاهل ومضى والبعض قرر وقضى وعزم وبدأ بالعمل .

وبالصبر والجد وبالتحدي والمواجهة والعمل الدؤوب والإيمان والثقة بالله استطاع الجميع كل من طرفه بإزالة جبل المصاعب في ذاته والتعاون والتكاتف والبذل بإزالة جبل المصائب الذي يفرق بين طرفي البلدة على سفحيه وفعلاً تحقق الأمر وزال الجبل !

توفي الرجل العجوز لكن الأجيال القادمة تخلصت من هذا الجبل وعاشت تبني وتعمر وتتواصل بالخير والدفء والمحبة والأمن والاطمئنان والسلام.

لقد قال ابن القيم رحمه الله :- ( لو أن أحدكم همَّ بإزالة الجبل وهو واثق بالله لأزاله ) .

هيا بنا نبدأ أنا أبدأ بنفسي وتبدأ أنت بنفسك وكلنا نمضي معاً !

تعليق واحد

  1. استاذي العزيز..حياك الباري وجمل ايامك بالسعادة والعطاء الكريم..

    مقالتك جوهرية المضامين بها نصائح ودروس من الذهب العتيق ..

    القواعد الايجابية تقودنا الى بصيص من الامل..تمنحنا الطاقة والعزم لمعالجة الامور

    بصورة عقلانية وموضوعية..

    الحياة شعلة سلمت لنا ..علينا ان نسلمها شعلة كبيرة للاجيال القادمة..

    علينا ان نتالق باداء ادوارنا بمسرح الحياة لكي نخلق حياة فاضلة..

    جدير بنا ان نركز على زخات الخير بمجتمعنا..وعلى الامور الايجابية التي تملأ

    القلوب فخرا واعتزازا..لنخلق الامل بمستقبل واعد للاجيال القادمة..

    جدير بنا ان نعالج مشاكلنا بموضوعية وبصورة عقلانية ضمن البدائل والحلول

    البناءة المتاحة لذالك..

    استاذي الكريم..انك انسان كريم معطاء..عطاؤك متواصل وباستمرار..

    لك في قلوبنا كل الحب والتقدير..بوركت وجزاك الله كل الخيرات..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة