صديقي الذي لم أره
تاريخ النشر: 26/05/14 | 9:00قد لا يختلف شخصان حول تعريف الصداقة ومفهومها، فالصداقة هي تجربة إنسانية يختبرها ويمر بها كل إنسان خلال مراحل حياته المختلفة، ومنها ما يدوم ومنها ما يطويه الزمن في سجلات الماضي مع تراكم المشاغل والمتطلبات الحياتية المتسارعة ولكن تبقى دائماً أحلى ما في الصداقة هي تذكر اللحظات الجميلة التي تبقى محفورة بالذاكرة لا يمكن للمرء أن ينساها، بل يراجعها ويتذكرها من حين لآخر فتعود البسمة والفرحة مجدداً كأنه يحيا هذه اللحظات من جديد، فالصداقة هي أكبر من أن تنسى.
غالبية البشر يفهمون الصداقة على النحو التقليدي، صداقة يعني أعرف شخصاً ويعرفني ونلتقي من حين لآخر أما خلال فترة الدراسة (المدرسية و/أو الجامعية) أو خلال مسيرة الإنسان المهنية (العمل) أو الإجتماعية من خلال وهكذا..
ولكني اليوم لن أتطرق لهذا النوع من الصداقة بمفهومها المباشر، إنما جئت اليوم عن مفهوم آخر عابر للمكان، فكم من أناس نسمع بهم ونقرأ عنهم ونهتم بآرائهم فنشعر بأنهم قريبون منا رغم تباعد المسافات، أحياناً تكون هذه الصداقة أكثر نًبلاً من الصداقات التقليدية لأنها إجتمعت على الرؤية والهدف، سيما إذا كانا هذان (الرؤية والهدف) نبيلين، ناصعين ومُشرقين.
لا شك أن صداقة من هذا النوع ستكون مميزة حتى ولو لم يلتقي هذان الصديقين وجهاً لوجه أبداً. وماذا لو كانت هذه الصداقة إلى جانب أنها عابرة للمكان تكون أيضاً عابرة للزمن؟ بمعنى أن هذا الصديق من مكان آخر، من زمن آخر وهو غير “متواجد” معنا اليوم بالمفهوم المادي. ماذا لو كان هذا الشخص جاء، عاش، أبدع، أنتج، دعا وعلم أجيالاً ثم ترك من خلفه رجالاً يحملون قضيته وهمومه التي ناضل من أجلها وبذل حياته من أجل تحقيق هذه الغاية وإرتحل على عجالة كما جاء، إلا أن العظماء لا يموتون بمجرد أن تسكن أجسادهم، هم عابرون للموت أيضاً كما كانوا عابرون للزمان والمكان، لا تموت ذكراهم ولا أفكارهم ولا تضمحل القضية التي من أجلها بذلوا أرواحهم رخيصة لوجه الله، لأن الله سبحانه وتعالى لن يضيع جهد أولياءه الذين عاهدوا أنفسهم على نصرة الله، فكثير أمثال هؤلاء العظماء الذين سبقونا بسنوات ومنهم بعقود وأخرين بقرون عديدة لا زلنا نتعلم منهم، نتداول أحاديثهم وعلومهم التي وهبوها لتنير الطريق للإنسانية جمعاء، لتخرج الناس من ظلمات الجهل إلى أنوار العلم والإيمان واليقين…
ولعلنا لن نستطيع أن نقول لهم مجرد كلمة شكر مهما كتبنا من سطور، ومهما قلنا من كلمات بحقهم، فهم أسمى من أن نشهد لهم، وأكبر من أن نستطيع أن نجزيهم حقهم، وكفى بالله مجزياً ومكافئاً، فهو حسبهم إذ كان نصب أعينهم منذ كانوا وعندما إرتقوا كرماء بدمائهم الزاكية العطرة إلى جوار ربهم تعلو شفاههم إمارات الرضا والسرور.
اليوم تحل الذكرى التاسعة لرحيل رجل من رجالات هذه الأمة يحبه الله ورسوله، ونشهد الله أننا نحبه أيضاً، سبق زمانه فكان له بحق فضل الريادة والقيادة والشهادة بلا منازع ولا منافس، فلله درك من أسد، فلله درك من بطل.
أنا لم أسمع عنه من قبل حتى مدة قصيرة (بضعة شهور) مصادفة أرادها الله فكانت.. فقرأت له وإستمعت فإذا أنا أقف أمام داعية متميز، ومفكر عظيم، وقائد هُمام صاحب إرادة وعزم لم يلن أمام الصعاب، بل عبر المستحيل وإنتصر بدمائه على الظلم.
قد يتسائل البعض: من هو يا ترى هذا الرجل؟؟
أقول: هل حقاً يهم الآن إسمه؟ هل إسمه سيحدث فرقاً عندك؟؟ هل أين عاش يغير من المسألة شيئ؟؟
دعك من بذخ القول، ودعك من هذه الأسئلة المتأخرة عن مكانها وزمانها، يكفي أن تعلم أننا كبشر نعيش اليوم، ووصلنا إلى ما وصلنا إليه بفضل أمثال هؤلاء من العظماء حتى ولو لم نعرفهم بأسمائهم ولا بمكان ولادتهم… فكم من دواء تتناوله ولا تدري من صنعه (إبتكره)، وكم من جهاز نستعمله اليوم ولا نعلم عنه سوى تعليمات تشغيله…
فكيف بمن خط الطريق أمام أمة كاملة لتنهض، لتعرف دربها إلى الله، وسبيلها نحو المعالي. لم يهزم مشروعه (ولن بإذن الله)، وحتماً سيكون ما أراد بمشيئة الله، لأن الخير هو المنتصر بالنهاية، لأن هذا ما يريده الله للبشرية.
لم تنتهي القصة بعد، فحتماً سيكون للعالم أجمع وقفات ووقفات أمام محطات حياة هذا الرجل العظيم، ولكن لكل أوان حين.
وبالنهاية نصلي ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الأطهار أجمعين حتى يرضى الله ويرضى الرسول الكريم، والحمد لله رب العالمين.
إياد سعيد إغبارية