ليس دفاعاً عن نجيب محفوظ بقلم الأديب محمد علي طه

تاريخ النشر: 18/12/11 | 5:20

شنّ الظلاميون المتخلّفون حملة هوجاء شرسة على عملاق الرواية العربية، الكاتب العالمي، نجيب محفوظ، “احتفاء” بمائة سنة على مولده واتهموا نتاجه الأدبي الرائع بالدعارة وبالزنا وحكموا بالإعدام على روائع محفوظ مثل “الثلاثية” و”الحرافيش” و”أولاد حارتنا” و”الشحاذ” و”ميرمار” و”زقاق المدق” وسبعين عملاً أدبياً آخر.

الدعوة لمصادرة كتب نجيب محفوظ هي مقدمة لمصادرة أعمال أدبية وفكرية تراثية مثل “ألف ليلة وليلة” و”الأغاني” و”رسالة الغفران” و”رسالة التوابع والزوابع” وديوان أبي نواس وديوان عمر بن أبي ربيعة وغيرها كما أنها بالون اختبار للهجوم على تراث طه حسين وتوفيق الحكيم والسباعي وعبد القدوس وإدريس والشرقاوي وعبد الصبور وأمل دمقل وغيرهم من الأدباء والشعراء الكبار في مصر.

الظلاميون أحفاد هولاكو الذي أحرق مكتبات بغداد وألقى آلاف الكتب في نهر دجلة حتى اسودّت مياهه، لا يفهمون الأدب ولا يعرفون قيمته ولا يتذوقون الفن ويعادون العقل ويرغبون بإعادة المجتمع العربي إلى القرون الوسطى في أوروبا عندما حاكمت الكنيسة عالم الفيزياء والفلك الايطالي غاليليه Galilei (1564-1642) الذي اكتشف حركة دوران الأرض حول الشمس وما زالت جملته تتردد حتى اليوم: ولكنها تدور.

وهؤلاء الظلاميون المنغلقون يسيئون للدين الإسلامي الحنيف حينما يهاجمون الأدب والفن والنحت والرسم والموسيقى والمسرح والسينما لأنهم يفصّلون الدين على مقاسهم وعلى ذوقهم وفكرهم المريض ويجعلون أنفسهم ممثلي الذات الإلهية على الأرض فيكفّرون الناس ويعتدون عليهم. كما أنهم يشوّهون صورة العربي والمسلم أمام عيون العالم وينسون الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تنهاهم عن ذلك.

اتّسعت الحضارة العربية في مجدها للرأي والرأي الآخر فلم يحاكموا المعريّ على شكّه في العديد من لزومياته ولم يحرقوا “رسالة الغفران” التي سخرت من يوم البعث ومن الجنة ومن النار ومن السراط المستقيم ولم يعاقبوا كبار القضاة الذين ألّفوا كتباً في الجنس مثل الشيخ الجليل جلال الدين السيوطي والعالم والقاضي الجليل شهاب الدين التيفاشي والنفزاوي وغيرهم.

مثقفو مصر، أحفاد الطهطاوي وطه حسين وأبناء النهضة العربية لن يسمحوا للظلاميين المتخلفين بتحقيق مآربهم، بل سيقفون سداً منيعاً في وجه الريح السامة التي تسيء إلى الأمة العربية والدين الإسلامي وتسعى إلى إعادة الشعب المصري إلى أيام الجهل وزمن الأمية.

نجيب محفوظ ليس كاتباً عاديا، بل هو كاتب عالمي عملاق وأدبه تراث عربيّ وعالميّ وإنسانيّ يعتزّ به كل مثقف وكل قارئ وكل متعلم.

حينما زرته في مكتبه في “الأهرام” في كانون الثاني 1989 مع وفد من الأصدقاء الأدباء لنهنئه بجائزة نوبل للآداب قلت له: شرف كبير لجائزة نوبل أن تمنح لنجيب محفوظ أكثر مما هو شرف لمحفوظ بأن ينالها.

الثورة المصرية لن تنجب قوى الظلام والتخلّف بل ستعصف بهذه القوى وتبددها شذر مذر.

لا أدافع عن نجيب محفوظ فتراثه يدافع عنه ولكني أدافع عن صورة شعبنا أمام العالم المتحضّر.

بقلم الأديب محمد علي طه

تعليق واحد

  1. أحيّي الأديب الصديق محمد علي طه على مواقفه الشجاعة والمتّزنة، وعلى التذكير بأنّ أجدادنا كانوا يحترمون تعدد الآراء، واتّصفوا بالتسامح الفكريّ الثقافي، مما أتاح تلك النهضة والازدهار التي شهد لها الداني والقاصي!
    كنتُ أتمنّى أن تتوفّر مثل تلك الأجواء المنفتحة على الرأي والرأي الآخر في أيامنا!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة