المجزرة مستمرة… ومن تحت الركام تصرخ إنسانيتنا

تاريخ النشر: 26/05/25 | 21:09

عشرات الشهداء. مئات الجرحى. المفقودون تحت الركام، والأمهات تلمّ ما تبقى من أرواحها في أكياس سوداء. ماذا نكتب؟ بأي قلم نكتب؟ بأي لغة؟ الكارثة تخطّت حدود اللغة، تجاوزت قدرة الحروف على الاحتمال. إنها ليست مجرّد حرب، إنها مجزرة العصر، ومأساة غير مسبوقة في التاريخ البشري الحديث.

في القرن الحادي والعشرين، تُباد العائلات بأكملها، وتُقصف البيوت وهي تنام. في القرن الحادي والعشرين، يُمنع الحليب عن الأطفال، وتُمنع الإسعافات عن الجرحى، وتُمنع الصلاة على أرواح الشهداء. وفي القرن الحادي والعشرين، يقف العالم يتثاءب، يراقب، يبرّر، يوقّع، ويغسل يديه من دم لا يمكن غسله.

أي صمت هذا؟!
أي موت للضمير؟
أهذه أرض أم مسلخ؟
أهذا زمن أم لعنة لا تنتهي؟

كل بيت في غزة صار شاهدًا على القيامة. كل جدار يصرخ: كان هنا بشر. كل صرخة أم تحت الركام تعادل ألف خطاب في الأمم المتحدة. كل جسد صغير ممدّد على الأرض يجلد حضارة تدّعي الإنسانية بينما هي ترتجف جبنًا أمام آلة الموت.

أي تاريخ سيكتبه الأطفال الذين عاشوا القصف؟
أي معنى ستكون له الطفولة حين تكون لعبتك الأخيرة هي دم أخيك؟
أي شتاء سيغسل الدموع عن العيون التي لم تعد تعرف سوى الغبار؟

لكنّهم لا يموتون، هؤلاء الشهداء لا يموتون.
يعودون في صلوات الأمهات، في زغاريد الجنائز، في دمعة الأب الصامت، وفي ابتسامة الطفل الذي رُفع من تحت الأنقاض وما زال حيًّا، يصرخ للحياة.

إنها ليست مجرد كارثة.
إنها جريمة موثّقة بالصوت والصورة، بحبر العار على جبين الصامتين.
جريمة ستحاكم كل من رآها وسكت، كل من سمعها وبرّر، وكل من كتب عنها بلغة محايدة باردة.

نحن لا نطلب شفقتكم. نحن لا نتسوّل تضامنكم.
نحن نصرخ لأن صوت الضحية، حتى لو جرى خنقه، يبقى وصمة عار في جبين القاتل.

غزة ليست فقط تحت النار.
غزة تحت المجهر الإلهي.
غزة تمتحن العالم، تسألنا جميعًا: من أنتم؟ من نحن؟ وماذا تبقّى من إنسانيتنا؟

سيُسجَّل هذا، نعم.
وسيُحفظ، لا في كتب التاريخ، بل في ضمائر الأطفال الذين نجوا، وفي عيون من بقوا أحياء ليحكوا لنا – نحن البعيدين – أننا خذلناهم ذات مساء، حين آثرنا الصمت.

لكني لن أصمت.

فأنا، رانية مرجية، أكتب اليوم لا بصفتي كاتبة، بل إنسانة، مصلوبة أمام مشاهد العار، أصرخ من الرملة إلى غزة، من كل حجر في فلسطين:
كفى… كفى مجازر… كفى خيانة للصوت وللحق وللحياة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة