الشهادة والالتحام قصة توثيقية حول قرية عين حوض
هادي زاهر
تاريخ النشر: 14/05/25 | 21:47
عين حوض والعين ذلك الينبوع الذي يتفجر منه الماء، والحوض هو ذلك الحيز الذي يستقبل ماء الينبوع امتلاءً وفيضاناً في الجوار، ومن هنا تصعد الأعشاب والإزهار، وكل هذا الهبوط جاء من مقدس السماء على المكان الأقدس في فلسطين
وبالذات على خاصرة الكرمل الأشم
بقعة جغرافية صغيرة أكبر من هذا العالم وحيز تاريخي صغير لكنه لخّص وجود العالم تلك هي فلسطين التي حاصرتها الكتب المقدّسة من جهاتها الست احتفاءً بقداستها٠٠ شمالاً وجنوباً وشرقاً وعرباً وعلواً في السماء وسمواً في ارض
الخلود.
أهالي عين حوض الذي بعدد أحواض أزهارها وأحواض أشجارها التي تمتلئ من مقدس مائها ريّاً لهذا التراب.
ما أقل عدد سكانها وما أكثر أفعالهم في اشباع ترابها عرق من جباههم رغم ما تجود به السماء التي فرضت على المكان اسمها بكل عذوبته وخصوبته (عين حوض)٠٠
ومع ذلك تمت تهجير اعدادا من سكان قرية عين حوض، إلى أقطار المعمورة، ومنهم إلى قرية دالية الكرمل المجاوزة، وبحكم الجيرة كانت تربط سكان القريتين علاقة أخوية متينة، كما كانت هناك مصالح عديدة مشتركة، وقد عمل العديد من سكان عين حوض في دالية الكرمل ومنهم من كان يعمل قبل سنة ال 1948
عمل عدد من السكان في دالية الكرمل في عدة مجالات منها الزراعة والبناء ورعاية المواشي وقد أعتاد سكان عين حوض على طحن قمحهم في دالية الكرمل حيث افتقدت قريتهم إلى مطحنة.
بعد أن هدأت الأوضاع فكر عدد من السكان في العودة إلى القرية ولكن قانون – الحاضر غايب – يمنعهم من ذلك، فكروا في طريقة يمكنها أن تعيد ولو قليلًا من أملاكهم، وكان أن جاءت الفكرة من قبل عدد من سكان دالية الكرمل، وهي رفع دعوة قضائية تستند على أن عدد من سكان القرية سكنوا بحكم عملهم في دالية الكرمل قبل عام ال1948، نقاش حار جرى بين السكان فهناك من يأمل وهناك من كان يقول: “خسارة على الوقت والجهد” وجاء الجواب: :
ما احنا خسرانين لماذا لا نجرب””
رافق العديد من سكان الدالية سكان عين حوض، لأداء الشهادة – التي تقول إن هؤلاء السكان كانوا يعملون لديهم قبل سنة 1948 منذ فترة وكانوا ينامون عندهم، وكان من بين هؤلاء المشايخ، الشيخ سلمان حديد والشيخ نايف ناطور والشيخ قفطان حلبي
وبعد جلسات طويلة ومباحثات واتصالات وملاحقة متواصلة وإصرار شديد تقرر إرجاع بعض الدونمات لسكان عين حوض مما كانوا يملكون، شريطة أن يسكنوا في خيام وبركيات، ومع الوقت تم إنشاء البيوت التي توسعت وتم بناء قرية عين حوض الجديدة بالقرب من قريتهم الاصلية وكان لبلدة دالية الكرمل نصيب من إخوانهم المُهجرين خاصة والعلاقات الأخوية بحكم الجيرة بين الدالية والعين، شعور الإنساني والأخوي فاعل جدا ويبدو أن التلاحم والتفاعل ليس بين مواطني البلدتين،
حتى تجد بوضوح التلاحم بين الدالية كمسمى وبين عين حوض بدلالاته المائية وبين هذه الدالية
هنا أبطال لا تذكر أسماؤهم ولكن تسلط السماء بهاءً ونقاءً على أفعالهم الفلاحية الخالدة، تلك هي الجغرافيا وهذا هو التاريخ لم تتم لهم السلامة من خلال العبث الاستيطاني في جمال هذا المكان الذي خاصر الأخضر واليابس كذلك التعدي الأكثر اجرامًا الذي لم يترك أهلها الآمنين كما خلقهم الله وخصهم بهذه البقعة الجغرافية المقدسة، عين حوض والتي هي من سلالة فلسطين الخالدة.
والكثير من رموز هذه الأمة كانت لهم وصايا في حب هذه الأرض حتى التحمت وصاياهم بوصايا السماء وكان بدء تكوينها على يد أبي الهيجاء، أحد قادة السلطان صلاح الدين الأيوبي الكبار، والذي توفي بعد معركة حطين
واستمرت من بعد وصايا النخب في حب هذه الأمكنة التي شكلت هذا الوطن البهي وصولا إلى الجيل المبدع في حب هذا الوطن من محمود درويش إلى سميح القاسم ومازال ينبوع هذا العطاء يتدفق في كل الإرجاء من عين السماء الذي أصبح عين حوض الذي لن يجف ولم ينشف على هذه الأرض التي عليها ما يستحق الحياة إلى ابد الابدين..
ومن سخريات القدر أن اللص المغتصب جعل من هذا الجمال المنهوب مركزاً وقرية للفنانين مع أن هذا الفعل الاغتصابي يتنافى مع روح الفن الذي يدعو للمحبة والعدل..