المعجزات بين العلم والايمان وعدم التناقض
موسى عزوڨ
تاريخ النشر: 21/08/24 | 9:51 في نقاش بدأ به خير الدين درويش حول حوار اجراه الدكتور كريم جدي عبر قناة السلام مع الدكتور نضال قسوم الذي تعرض لمسألة المعجزات وانها طويلة عريضة . وان اهم شيئ يجب تعريفها (1) . وقبل ان يسأل ما المقصود ..قاطعه المذيع بالإشارة الى جذر ” المعجزة ” بانه :” أعجز ….لكن صاحبنا اكمل ماهو تعريف المعجزات ؟ وسيتفاجأ الناس قد يكون تعارض مع العلم حسب التعريف ؟ فاذا قلت ان المعجزات تتعارض مع العلم . يعني هي تخرق قوانين الطبيعة ؟ هنا عندنا مشكل . تعارض ( ويضرب امثلة ..) . لكن – وهذا الأهم – معظم الطروحات حول المعجزات لا تقصد هذا ؟ وهنا يعرف المعجزات ( دون الاستناد الى أي مرجع ) بانها : “حادث نادر جدا لم يحدث الا مرة في التاريخ “. وليس عندي مشكلة مع هذا التعريف ؟ اذا كانت المعجزة حدث نادر لا يخرق قوانين الطبيعة انما نادر جدا حدث مرة واحدة في التاريخ ” ماعنديش مشكل ” ( يعني له مشكل مع ان تكون المعجزة خارقة وبرهان للنبي او المرسل ) . وبعد اثارة المذيع باسم ما بعد الحداثة قضيتين هما الاسراء والمعراج وشق البحر للنبي موسى عليه السلام . ووصفها بالحكايات التي لا وجود مادي لها وانها سيقت على سبيل الذكر والموعضة والحكمة فقط . فيكون جواب الأستاذ : – أولا- هل هذه المعجزات التي ذكرت في الكتب المقدسة المقصود منها انها حدثت في الطبيعة بهذه الطريقة . ام انها هي عبرة او حدث ..او انها تفسير وتأويل معين ..ومعظم الناس يقولون لا لا عندما تم سردها في القران فقد حدثت على وجه الحقيقة :” ان البحر فعلا انفلق ” . ليس لا كان هناك أمواج ودخلوا في وسطها ومروا لم يحدث شيء غريب عجيب . ( لاحظ قوله ) نفترض ان البحر انفلق ؟ هل هناك ظاهرة طبيعية تسمح للبحر ان ينفلق ؟ ممكن حدث زلزال ..دق طريق انشق هكذا ؟ هذا ليس خرقا لقوانين الطبيعة ولكن حدث عجيب نادر . هذا نسميه معجزة ؟ بهذا التعريف :” حديث نادر ” . وليس بمعنى انه شيء يخرق قوانين الطبيعة . اذا انت تقصد بهذه معجزة انا ليس لي مشكلة . اذا تقصد انت في الاسراء والمعراج ويذكر ان بعض المفسرين ( وهم قلة قليلة ) قالوا انه لم ينتقل جسديا . ثم ينكر باستهزاء وجود البراق واستحالة الانتقال من مكة الى الأقصى الا بطائرة او محرك ؟ ثم انه لم يشاهد احد البراق ، ثم يؤول انه ربما جاء ملك او مخلوق من الله ؟ ….
– حيث أنه بتاريخ 14-08-2024 على صفحته في الفيسبوك تحدث البروفيسور جمال ضو ( المختص في الفيزياء والمتقن للغة الإنجليزية !) بمنهجية ، وتحت عنوان :” حول جرأة الأستاذ نضال قسوم…” الذي ذكر في فيديو له عبر قناة السلام :
– أولا : ” تعريف المعجزة ليس بالضرورة أنها الظاهرة التي تتعارض أو تخرق قوانين الطبيعية، بل إن معظم الطروحات تذهب إلى أنها مجرد حدث نادر جدا.
– ثانيا :” ينكر فيها المعجزة .
ثم يشير انه خلص من خلال نقاشات سابقة أن منطق الرجل لا يختلف إلا في الظاهر عن منطق الملحدين ومنكري الرسائل السماوية، فالحجج والأطروحة نفسها تقريبا وإن اختلفت النكهات وألبست لباس الدين وكذلك كون الرجل مسلما، ولكن طرحه بالتمادي يصل بأصحابه رأسا إلى الإلحاد أو الاضطراب العقائدي.
ثم حاول الرد بمنهجية على ما جاء في الفيديو :
1- أولا : بخصوص تعريف المعجزة ، طرح سؤال استنكاري عن تعريفه للمعجزة : ” هل هو حكم أطلقه هكذا بناء على شعور شخصي؟
2- ثانيا : بخصوص الحادثتين اللتين رفض الأستاذ ق. اعتبارهما معجزتين ( وإن كان هو ينكر جميع المعجزات التي وردت في القرآن ويعتبرها أحداثا لم تخرق أي قانون للطبيعة). وهنا نتحدث عن حادثتي الإسراء والمعراج وشق البحر لموسى عليه السلام.
2-1- المعجزة : وهنا يقدم أسئلة افتراضية استنكارية محرجة ! :
1) هل أنت تؤمن بالله؟ ..و بأن محمدا رسول الله ؟ …هل تؤمن بأنه أوحي إليه؟
– وفي حالة الانكار فلا داع لإكمال الحوار، لأننا هنا اختلفنا في الأصل وليس في قضايا أخرى..
2- ما هي الآلية التي تتفق مع قوانين الطبيعة التي تجعل ( الانسان) يتلقى الوحي في ظل احترام. قوانين. الفيزياء؟
– إذا كان هذا القرآن منزلا عبر ملك (جبريل بحسب القرآن) ..فهذه لا يمكن تفسيرها أو تبريرها بقوانين الفيزياء مهما حاولنا..
2-2- حادثة الاسراء والمعراج :
2-2-1- وهذا يدفعنا إلى حادثة الإسراء والمعراج…فإذا افترضنا على أقل تقدير أن الإسراء والمعراج كانا بالروح فقط…فالسؤال يعود مرة أخرى..ما هي الروح؟ فحتى الإسراء والمعراج بالروح فقط شيء معجز ويخرق قوانين الطبيعة. كون الروح بحسب نظرية دارويين نفسه تطورا طبيعيا .
2-2-2- أما قصة فرق البحر لموسى عليه السلام فأعتقد أن محاولة تفسيرها على أنها حدث طبيعي في شكل زلزال ما وأمواج..إلخ..تفسير متهافت إلى حد كبير ولا يمكن أن يقبله عقل إلا إذا أنكرنا القصة برمتها. فالزلزال لا يشق البحر ويدفع الماء على جانبين ويفتح ممرا آمنا…ولا يكون بأمر الله لرسوله موسى بأن يضرب الأرض بعصاه بحيث ينطلق الزلزال ومجموعة من الظواهر الطبعيية التي من المستحيل اجتماعها في وقت واحد وفي لحظة فارقة وصل فيها قوم موسى البحر!! فهنا يكون من الأسهل خرق القانون الثاني للترموديناميك و أن نعتبر أنه من الممكن خرق هذا القانون على رغم من أنه احتمال ذلك صفر عمليا.
ثم يتوسع في الموضوع :
1- بان في القرآن قصص عن معجزات تخرق قوانين الطبيعة… ولا يمكن لنظرية التطور أن تفسر ميلاد المسيح وهي عاجزة حتى عن تقديم تفسير لقضايا أبسط من هذا بكثير
2- الفيزيائيين اليوم عاجزين عن إيجاد تفسيرات منطقية عقلانية مقبولة لظواهر كمومية (مثل مفهوم التشابك الكموني والقياس وغيرها)..وأن النسبية العامة والكسمولوجيا فتحا المجال أمام ظواهر تتجاوز حدود فهمنا وتصوراتنا وقدراتنا على الاستيعاب، فما بالك إذا جمعنا الكموم مع النسبية العامة!
ثم يشير انه كمسلم درس الفيزياء النظرية ولديه قراءات متواضعة في مجالات مختلفة (البيولوجيا، نظرية التطور.فلسفة العلوم..) لم تطرح بالنسبةاليه قضايا المعجزات أي مشكل أو تناقض. وفي الأخير يقول أن المعني ليس مرجعية علمية في تخصصه. كما همس في أذنه بما كتبه المفكر والأديب محمود شاكر في هذا السياق ، من آفةِ العلم ..، أن يحمِلَ صاحبَه على أن ينظر إلى رأيِه نظرةَ المعجب المتنزه، ثم لا يلبث أن يُفسِدَه طول التمادي في إعجابه بما يُحسن من العلم، حتى يقذفه إلى اجتلاب الرؤى فيما لا يُحسن، ثم لا تزال تغيره عادةُ الإعجاب بنفسه حتى يُنزلَ ما لا يُحسن منزلة ما يُحسن، ثم يُصرّ، ثم يغالي، ثم يعنف، ثم يستكبر، ثم إذا هو عند الناس قصيرُ الرأي والعقل على فضله و علمه.” والله من وراء القصد وهو الهادي إلى الحق.) .
حيث أنه بتاريخ 25-08-2024 يرد المعني الدكتور ن.ق. عبر صفحته وبنفس الأسلوب على البروفيسور جمال وبنفس النهج الأول في التعالي والاحكام المسبقة : فيذكر انه اصابته الدهشة، بل الذُهول والصدمة، من الرد ، وذلك لعدة أسباب ويذكر منها :
1) اتهامه في عقيدته واخلاقه
2) لومه في الخوض في “مسائل حسّاسة” . (ووصف طريقته باللا منهجية وبدون مرجع واحد)
3) لم يقرأ الرجل أيًّا من كتاباتي .
4) ركّز على شخصي بشكل مهوّس.
خلاصة الكلام ان صاحبنا وهو يحاول الرد اثبت كل ما قاله جمال وانه عمليا لم يقوله ما قال :
أولا- اكد انه قال بأن مراحل الجنين كانت معروفة في القدم (أنظر كتاب A History of Embryology للعالم المؤرخ الكبير Joseph Needham) وبالتالي يسقط تلقائيا الزعم بالإعجاز العلمي (الذي يقوم على أمثلة من القرآن أو السنة الشريفة يفترض أنها لم تكن معروفة في ذلك الزمان واكتشفها العلم حديثًا).
ثانيا- في مسألة المعجزات. ( وبعد اشتراطه ان يحكم على أفكاره من خلال كتبه وليس من خلال الفيديو ؟) . ذكر انه اول ما اكد عليه في الفيديو هو تعريف المعجزة وانها : ليست هي خرق لقوانين الطبيعة؟ وانها حالات نادرة في الطبيعة ولكن لا تخرق قوانين الطبيعة.
ليختم انه : لن يعود الى تلك الصفحة (إلا أن يشاء الله ؟) بالرد أو التعليق، وما كتبت ردي هذا ونشرته هناك وهنا إلا بعد إلحاح من عدة أعزاء، وكنت بداية قررت عدم الرد، لكن قيل لي “إذا لم ترد سيعتقد الناس أنه ليست لديك حجج ومنهجية أو أنك تتعالى..” لكن لن أعود الى مثل هذه السجالات، هنا أو على أي حسابات أخرى، لا لأنني أرفض مناقشة أفكاري وأفكار غيري في هذه المواضيع أو غيرها، وإنما لأن النقاش له منهجيته وأخلاقه.
وهكذا علق جمال بعنوان ” غلق للقوس ..” من دون عودة اليه ان شاء الله . وذكر ان رده كان هلاميا ولا يلامس القضايا بعمق ..ويحيل الى كتبه ..وربما الامر يحتاج تفصيلا ..ولكن الأستاذ ضمنيا تنكر لما قاله . وثانيا يؤكد على انه لم يتهمه بالالحاد اطلاقا . وانه والله ليس مهوسا بشخصك مثلما تصور ، ليختم بمقولة ان لابي حنيفة ان يمد رجليه تعليقا على اعتبار صاحبنا ان افضل من فتح مجال الجمع بين القران والعلم هو المهندس شحرور؟ لكنه لن يمد رجليه بل سيمسك قلمه . وعند الله تجتمع الخصوم .
قام الدكتور حليتيم المتعدد الثقافات بتسجيل فيديو ذكر فيها الحكاية من البداية . ثم نقل من كتب نضال ( رغم انه ضد ان يطلب احدهم من خصمه قراءة كتبه ) . ففي الصفحة 237 من كتابه عن الإسلام والانفجار وداروين . وفي فصل المعجزة يعرفها انها غير مخالفة للطبيعة . فيرد بالعكس الاعجاز هو ما خالف الطبيعة والا فليست معجزة . ثم يتطرق الى قضية الاسراء والمعراج بالدليل والبرهان ان النبي صلى الله عليه وسلم اسري به جسدا وروحا وبالاسقاط العقلي على الحوادث التاريخية الثابتة وكيف كان تخوف ام هاني من الخبر وفرح ابي جهل ونشره للخبر وتصديق ابي بكر للخبر وهكذا . ثم يعود مرة أخرى وينقل من كتاب نضال :” دليل الشاب المسلم الى الحديث ” ونقله غير الصحيح ( يقوله مالم يقل ) لما كتبه حسين الجسر في كتابه العظيم الرسالة المحمدية لانه اهداه للسلطان عبد الحميد وانتقد فيه الداروينية بعد 20 سنة . لكن نضال ينقل عنه بعد ان يعرفه بانه اللبناني السني نشر سنة 1887 كتابا اجرى فيه نقاش لنظرية داروين وابدى موقف إيجابي منها ؟ وهكذا يبين حليتيم ان الادعاء بان المسلم ضد الانفجار العظيم غير صحيح وانما المسلم ضد الخرافة وانتم تنشرون الخرافة . ويذكر الثنائي عدنان إبراهيم واحمد خير العمري . وفي الختام يستدل أيضا من كتابه في الصفحة العاشرة والمقاربة الإسلامية لكنه يحشو محمد طالبي ويبرزه كمفكر إسلامي الأكثر شهرة وهنا اطلق الأستاذ حليتيم العنان للسانه السطايفي البتار .
تجدر الإشارة في الأخير ان قناعتي في مثل هذه النقاشات ان فائدتها تعود عادة للمتلقي الحر غير التابع وغير المتعلق بالاشخاص او أي تاثيرات جانبية ، ولن تؤثر اطلاقا في قناعات الأطراف ( الخصوم ) . كما اني من مشجعي إثراء النقاش مع عدم التعالي عن الناس ومشاركة الجميع وان الذين يزعمون احترام الاختصاص تجدهم اول من يخرقون ذلك ! فيتجرؤون خصوصا على الدين تحديدا وكأنه ليس اختصاص ! وهنا وجب توضيح وهم هذه العبارة تحديدا مع الاشارة الى ان موضوع النقاش ليس ذاتي ولا يقصد اطلاقا نفي صفة العلم او ” الشهادة ” على الدكتور! فاحترام الاختصاص المقصود بها طبعا احترام المجال الذي تخصصت فيها وهو من اليقينيات ، أما القابل للتداول والنقاش والبرهان والأخذ والرد فهو أكيد خارج مجموعة التعريف هذه . ونسأل الله الهداية وحسن الختامة .
والى لقاء محبكم موسى
———–تهميش ——-
(1) المعجزة لغة: تأتي من الجذر “عجز”، وهي تعني الأمر الذي يعجز البشر عن الإتيان بمثله. فهي حدث يتجاوز القدرة البشرية ويظهر كدليل على قدرة إلهية. أما اصطلاحاً: فهي حدث خارق للعادة والطبيعة يفعله النبي أو المرسل كدليل على صدق نبوته أو رسالته. تعتبر المعجزة دليلاً على قدرة الله وتأتي لتدعيم الرسالة الدينية. ومنها القران: ” قُل لَّئِنِ اِ۪جْتَمَعَتِ اِ۬لِانسُ وَالْجِنُّ عَلَيٰٓ أَنْ يَّاتُواْ بِمِثْلِ هَٰذَا اَ۬لْقُرْءَانِ لَا يَاتُونَ بِمِثْلِهِۦ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٖ ظَهِيراٗۖ “.
(2) https://youtu.be/b9q1ZSLrcJo?si=l0W_zYvsQIANOv4q