الثقافة الامريكية والهيمنة على العالم!

بقلم : د . ادم عربي

تاريخ النشر: 23/09/23 | 17:17

بات في حكم الواقع أنَّ الثقافة الامريكية هي المسيطرة في العالم ، وسيطرتها وهيمنتها على العالم ليس لأنَّها الأقوى ، بل بالعكس فهي ثقافة بسيطة وفقيرة جداً وتكاد أنْ تكون سطحية ، وهناك ثقافات أكثر منها قوة كالثقافة الصينية والاوروبية والروسية واليابانية ، إذن ما سرّ هيمنتها على العام؟. السرّ يكمن في الإعلام ، فعلى حد قول ممثلة الولايات المتحدة في الثمانينات السيدة ” جين كير كباتريك” : الإعلام هو العنصر الأساسي في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية .
وأصبح من المتعارف عليه في عالم الإعلام أنَّ كلَّ إعلام يصل إلى أكبر عدد من البشر سواء عن طريق المجلات والصحف والاذاعة والتلفزيون والانترنت والبث الفضائي والهاتف هو إعلام دولي ، وما من شك أنَّ التطور الهائل الذي حدث في اوروبا الغربية وامريكا في مجال المعلوماتية والتكنولوجيا قد لعب دوراَ مهماً في الإستحواذ على الإعلام الدولي .
امريكا تمتلك الطرق والوسائل الأقوى لنشر ثقافتها عبر العالم ، فامريكا تمتلك اعظم ترسانة إعلامية في العالم متمثلة في مؤسسات ووسائل إعلام ووكالات إخبارية وإذاعات وصحف ومجلات ، وهذه الترسانة تتحكم في 85 % من صور البث ، وتقوم بانتاج وبث 60% من الافلام السينمائية في العالم . هناك وكالة “الاسوشيتدبرس” تُزود أكثر من 600 محطة إذاعية وتلفزيونية بحوالي 1700 صفحة إخبارية . ولا ننسى محطة “CNN ” والتي هي المصدر الأساسي للأخبار المصورة في العالم .
الدوائر السياسية ومراكز صنع القرار في امريكا عملتْ على توظيف الترسانة الإعلامية في الدعاية السياسية بنجاح ، ولعلّ أبرز دور تقوم به هو تنفيذ السياسات والاستراتيجيات ذات الطابع السياسي والاقتصادي والعسكري ، مثال على ذلك الحروب الاستباقية والحرب على الإرهاب وداعش ، كذلك يُقام تأسيس لكلّ مرحلة استراتيجياتها ، بما يتضمن هذه المرحلة من قاموس خاص بها من مصطلحات إعلامية ، تلعب الدور المنوط بها على أكمل وجه ، حيث تُصاغ مصطلحات المرحلة بعناية ودقة لتحقيق الأهداف والغايات لغزو العقول وحتى القلوب ، وتغييب الرأي العام وإعادة توجيهه نحو الغاية الاستراتيجية المطلوبة ، باستعمال اساليب ووسائل الدعاية ومصطلحات الإعلام المزدوج والذي يُعد بانتقائية وازدواجية واجتزاء البعض منها لخدمة الهدف ، كمثل الحرية ، الشر ، الخير ، المحور ، الأصولية ، الإرهاب ، التشدد ، المتمردين ، المسلحين ، الديموقراطية ..الخ . إنَّ كلّ إعلام يصل إلى جماهير واسعة بأي طريقة يُصنف إعلام دولي ، وقد لعب التقدم التكنولوجي الهائل الذي حدث في امريكا ودول غرب اوروبا بعملقة الاعلام في هذه الدول ، وجعلته أكثر فاعلية بسبب التقدم في تكنولوجيا المعلومات ، ولهذا أصبح الغرب هو المسيطر على الإعلام العالمي .
حتى نفهم التفاصيل الدقيقة للإعلام الامريكي ننصح بقراءة ” السيطرة على الإعلام ” للكاتب والفيلسوف الامريكي ” نعوم تشومسكي” حتى نكتشف الوجه الاخر للإعلام الامريكي والمختفي عنا ، ومن ثم نعي الصورة الحقيقية للإعلام الامريكي المتوحش على عكس الصورة الجميلة المزيفة التي تبدو للغالبية منا ، ونزيل عن اعيننا الغشاوة التي حجبت حقيقة الأمور من حولنا وكيف أنَّ الدعاية أوْالبروبكندا الإعلامية هي من تصنع الرأي العام وبالتالي تتحكم في زمام أمور العامة من البشر ، فامريكا التي تبدو ظاهريا امبرطورية راعية للديموقراطية وحقوق الإنسان للعالم أجمع ، إلَّا أنَّ لسان الحقيقة يقول أنَّ امريكا عكس ذلك تماما ، وأنَّ قوتها الإعلامية الهائلة هي من خدع كثير من العامة .
يتحدث ” نعوم” في كتابة عن هيئة “كريل ” للدعاية وهي مكونة من شخصيات مهمة امريكية كيف استطاعتْ هذه الهيئة في عهد الرئيس “ويلسون” تحويل الرأي العام الامريكي المناهض للحرب العالمية الاولى إلى التعطش لدخول الحرب ، وتحدث ” نعوم” في كتابه أيضا عن حجم الإجرام والنفاق الذي يقف خلف الماكنة الإعلامية القادر على تغيير أنظمة وإبادة شعوب وافتعال حروب قذرة عن طريق نشر اخبار مزيفة وكاذبة لا أساس لها من الصحة ، لتشكل ما يشبه الدهشة أوْ الصدمة الكبيرة والتي تجعل المتلقي على استعداد كامل لتصديق أي شيء يُعرض عليه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة