مُعَلَّقَةُ الرُّمَّانْ

تاريخ النشر: 01/02/22 | 8:05

مُعَلَّقَاتِي الثّلَاثُمِائَةْ {46}مُعَلَّقَةُ الرُّمَّانْ لمحسن عبد المعطي محمد عبد ربه و قصيدة تَأَوَّبَ طَيْفٌ مِنْ «سَمِيرَة َ» زَائرُ لمحمود سامي البارودي على أنغام بحر الطويل
بقلم / الشاعر الدكتور والروائي المصري / محسن عبد المعطي محمد عبد ربه..شاعر العالم شاعر الثّلَاثُمِائَةِ معلقة
{1} مُعَلَّقَاتِي الثّلَاثُمِائَةْ {46}مُعَلَّقَةُ الرُّمَّانْ
الشاعر الدكتور والروائي المصري / محسن عبد المعطي محمد عبد ربه..شاعر العالم شاعر الثّلَاثُمِائَةِ معلقة
تَأَلَّقْتُ فِي حُبِّي وَقَلْبِي يُغَامِرُ=عَسَى أَنْ تَهِلِّي أَوْ تُزَاحَ السَّتَائِرُ
قَصِيدَةُ حُبٍّ فِي مَلَامِحِ بَضَّةٍ=تُعِيدُ شَبَابَ الْحُبِّ وَالْقَلْبُ طَائِرُ
مَلَاحِمُ لِلْأَبْطَالِ فِي بَيْدَرِ الْهَوَى=تُدَاوِي جِرَاحِ الصَّبِّ وَالْبَدْرُ حَائِرُ
تَمَهَّلْ فَإِنَّ الْحُبَّ فَنٌّ وَبَسْطَةٌ=وَدُنْيَا غَرَامٍ فِي الْبِلَادِ تُخَاطِرُ
عَوَاطِفُ فِي بَحْرِ الْفُؤَادِ تَقُودُهُ=إِلَى عَالَمِ النَّجْوَى وَتِلْكَ مَآثِرُ
قَصَائِدُ بَلْقِيسُ الْأَمِيرَةُ ثَرَّةٌ=فَفَاضَتْ بِأَطْيَافٍ وَهَلَّتْ خَوَاطِرُ
أَلَا يَا سُلَيْمَانُ الْمُكَرَّمُ هَاتِهَا=وَحَاذِرْ فَأَرْبَابُ الْحَيَاةِ كَوَاسِرُ
وَأَتْرِعْ كُؤُوسَ الْحُبِّ فَالْهَمُّ زَائِلٌ=بِغَيْبَةِ أَفْكَارٍ وَخَطْبٌ يُكَاشِرُ
فَقَدْ جِئْتُ أَعْدُو والْغُبَارُ مُسَابِقِي=لِيَمْلَأَ شَعْرِي وَالصَّبَايَا نَوَاظِرُ
وَأَطْنَانُهُ الذَّهَبُ الْمُحَمَّلُ رِفْعَةً=تَتِيهُ عَلَى الْأَقْدَارِ وَالْحَظُّ عَابِرُ
أَبَارِيقُ حُبِّي بِالْغَرَامِ تَقُودُهَا=جِمَالٌ وَأَحْمَالُ الْجِيَادِ فَوَاغِرُ
بَرِيقُ الْهَوَى قَدْ نَالَ مِنْ ضَوْءِ نَاظِرِي=فَهِجْتُ وَأَطْيَافُ الْبَرِيقِ تُحَاضِرُ
وَهَا أَنَا ذِي بِالْعُنُفُوانِ مُهَيَّجٌ=فَأَقْبِلْ بِنَارِ الشَّوْقِ وَالْحُبُّ غَامِرُ
عَسَانَا نُطَفِّي الشَّوْقَ فِي أَبْحُرِ الْهَوَى=وَنَمْضِي مَعَ التَّيَّارِ وَالْحُبُّ قَادِرُ
كَصَفْصَافَةِ الْأَقْدَارِ عَمَّتْ قُلُوبَنَا=بِمَاءِ وَأَنْهَارٍ وَحُبٍّ يُعَافِرُ
وَصَفْصَافَةٍ بِالْكَبْرِيَاءِ تَجَمَّلَتْ=تَلَاقَتْ بِبَحْرِ الحُبِّ وَالْحُبُّ آمِرُ
وَفَارِسَةٌ بِالْحَرْبِ تُعْلِنُ بَدْأَهَا=وَتُعْلِنُ أَنَّ الْحُبَّ لَيْلاً يُصَاهِرُ
فَجُودِي بِكَرْمِ الْحُبِّ قَدْ فَاضَ خَيْرُهُ=يُؤَسِّسُ لِلْأَيَّامِ عَمَّا تُنَاظِرُ
وَبُثِّي بِحَارَ الْعِطْرِ يَا زَهْرَةَ الْكَرَى=وَنَمِّي غُصُونَ الْوَرْدِ بَاتَتْ تُشَاجِرُ
فَلَا الْحُبُّ مَلَّاحٌ وَلَا الدَّهْرُ عَابِرٌ=وَلَا الْمَرْكِبُ القَشَّاشُ- حُبِّي- يُنَاحِرُ
تَشَابَكَتِ الْأَيْدِي بِحُبٍّ يَضُمُّنَا=وَبَاتَتْ شِفَاهُ الْقُرْبِ لَيْلاً تُجَابِرُ
وَعُلِّقَتِ الْأَنْوَارُ وَالشَّعْبُ حَاضِرٌ=دَخَلْنَا بِأَمْرِ الْحُبِّ بَيْتاً يُشَاطِرُ
أَضُمُّكِ وَاللَّيْلُ الْجَمِيلُ مُشَجِّعٌ=وَأَخْتَطِفُ التَّقْبِيلَ وَالثَّغْرُ فَاغِرُ
وَتَفْتَتِحِينَ الْمَهْرَجَانَ بِقُبْلَةٍ=تَنِمُّ عَنِ الْحُبِّ الْجَمِيلِ يُبَادِرُ
أَهِيجُ مَعَ الْأَشْوَاقِ أَشْتَمُّ مَرْكِبِي=وأَسْبَحُ وَالتَّيَّارُ نِسْرٌ يُعَاقِرُ
تُنَادِينَ يَا أَحْلَى مَلَاكٍ عَرَفْتُهُ=تُجِيبِينَ حَرْفِي وَالْحُرُوفُ سَوَاعِرُ
تَذُبِّينَ عَنْ ذَاكَ الْحِمَى بِنَوَاهِدٍ=يَزِدْنَ فُجُورِي وَالشِّفَاهُ دَوَاعِرُ
وَتَرْتَجِفِينَ الْجَفْنُ أَسْوَدُ قَادِحٌ=وَتَسْتَعِرِينَ الْحُبٌّ جَلْدٌ وَشَاطِرُ
فَلَا اللَّيْلُ يُضْنِينِي وَلَا الْوَجْدُ قَادِحٌ=وَلَا الْآهُ تُثْنِينِي وَلَا الرِّمْشُ ثَائِرُ
وَأَبْحَثُ عَنْ نَهْدَيْكِ أُلْفِي شَوَامِخاً=تَقُولُ تَفَقَّدْنِي بِشَوْقٍ أَظَاهِرُ
فَأُمْسِكُ بِالنَّهْدَيْنِ أَجْتَثُّ شَوْقَهَا=وَأَسْتَلْهِمُ الْأَشْوَاقَ وَالنَّجْمُ بَاهِرُ
وَأَسْتَلْمِسُ الْجَنْبَيْنِ حِضْناً وَمَرْكِباً=وَأَسْتَعْلِمُ الْأَخْبَارَ مِمَّنْ يُسَافِرُ
وَأَسْتَقْطِبُ الْأَفْخَاذَ وَالْحُفْرَةَ الَّتِي=تُدَوِّي بِأَمْرِ الْحُبِّ وَالشَّوْقُ شَاكِرُ
وَأَسْتَسْمِحُ الْأَجْفَانَ أُلْغِي ثُبَاتَهَا=تُرَحِّبُ وَالتَرْحِيبُ لِلْحُبِّ نَاشِرُ
وَقِدِّيسَةٌ فِي الْحُبِّ فَاقَتْ عَوَاشِقاً=تُلَبِّي نَدَاءَ الرَّاهِبَاتِ عَوَامِرُ
فَنِمْتُ وَمَا نَامَ الْفُؤَادُ بِحُلْمِهِ=وَسِرْتُ وَمَا سَارَتْ لَهُنَّ حَوَافِرُ
فَأَبْشِرْ بِتِلْكَ الْكَأْسِ وَامْلَأْ جِلَاصَهَا=وَلَا تَبْتَئِسْ فَالنَّاعِمَاتُ حَرَائِرُ
سَأَمْلَؤُهَا بِالْحُبِّ أَسْقِيكِ يَا أَنَا=وَأَرْوِيكِ وَالْأَضْلَاعُ تَتْرَى تُسَامِرُ
وَأَسْتقْبِلُ الْأَشْوَاقَ أُطْفِئُ جَمْرَهَا=وَعَيْنَاكِ بِالْحُبِّ الْكَبِيرِ تُجَامِرُ
أَدِرْ كَأْسَ إِنْعَامِي وَحُبِّي مَعَ الْهَوَى=وَأَشْهِدْ بَنَاتَ الْحُورِ أَنَّا نُثَابِرُ
وَرَقِّصْ بَنَاتَ الْحُورِ حَالاً وَهَاتِهَا=فَكَأْسِي بِتِلْكَ الْخَمْرِ بَاتَتْ تُجَاهِرُ
رَأَيْتُكَ مِنْ فَوْقِ السُّفُوحِ مُلَبِّياً=نِدَاءَ فُؤَادِي والْفُؤَادُ يُصَاقِرُ
وَتَقْفِزُ مِنْ أَعْلَى التِّلَالِ عَلَى الْمُنَا=لِأَنَّكَ فَوْقَ الْعَقْلِ وَالْحُبِّ طَافِرُ
تُنَادِي عَلَى قَلْبِي بِشْوْقٍ وَلَهْفَةٍ=أيَا زَهْرَةَ الْأَشْوَاقِ مَا الْحُبُّ صَائِرُ؟!!!
أَجِيبِي بِنَارِ الشَّوْقِ سَوْسَنَةَ الْكَرَى=وَسَوْسَنَةَ الْوَادِي الْجَمِيلِ تُؤَاجِرُ
أَنَا الْحُبُّ وَالْأَشْوَاقُ كُونِي حَمَامَتِي=عَلَى الصَّخْرِ ظَلَّ الْحُبُّ صَلْباً يُجَائِرُ
وَصَارَتْ شُقُوقُ الصَّخْرِ تَحْكِي هُيَامَنَا=وَتَفْتَحُ أَطْيَابَ الْجِبَالِ تُصَادِرُ
وَأَزْهَارُ ظَهْرِي بِالْجَمَالِ تَشَهَّدَتْ=وَغَنَّتْ جُمُوعُ الزَّهْرِ وَالْحُبُّ آسِرُ
بِأَرْضِيَ كَانَ الْحُبُّ يَجْرِي كَطِفْلِنَا=تَشُبُّ بِأَمْرِ الْمُلْهَمِينَ أَزَاهِرُ
تَشُقُّ يَبَاسَ الْأَرْضِ تَمْحُو عُقُومَهَا=فَتُخْرِجُ بِالْأَرْحَامِ وَرْداً يُجَاوِرُ
فَيَسْمَعُ أَسْرَابَ الْحَمَامِ بِلَحْنِهَا=هَدِيلاً جَمِيلَ الطَّبْعِ وَالْكَوْنُ صَاغِرُ
وَصَوْتَ يَمَامٍ بِالدُّفُوفِ مُوَزِّعٍ=حِكَايَاتِ لَحْنٍ يَجْتَلِي وَيُذَاكِرُ
وَأَسْتَعْجِلُ الْإِبْحَارَ فِي فِيكِ وَالْهَوَى=جَمِيلُ الْمُحَيَّا وَالْعَذُولُ يُعَايِرُ
تَوَخَّيْ لِحَاظَ الْحُبِّ وَارْعَيْ أُصُولَهُ=وَنَامِي بِأَحْضَانِي وَسُكْرِي يُزَائِرُ
تَعَالَيْ بِأَشْوَاقِ الْكَرَى وَرَبِيعِهِ=وَسَلِّي فُؤَادَ الصَّبِّ فَالْحُبُّ شَاعِرُ
أَنَا الْحُبُّ يَاعُمْرِي فَنَادِي عَلَى الْهَوَى=بِشَوْقٍ وَأَحْلَامٍ وَعُمْرٍ يُنَاصِرُ
أَيَا مَرْكِبَ الْأَشْوَاقِ قَدْتُقْتُ فَاسْمَعِي=كَلَامَ الْهَوَى وَالْحُبِّ إِنَّا نُحَاذِرُ
وَدَاوِي جِرَاحِي بِالتَّقَلُّبِ وَانْظُرِي=لِحَالِيَ فَالْقُبْطَانُ وَالْعِشْقُ فَاخِرُ
أَنَا التَّائِهُ الْحَيْرَانُ كَالطَّيْرِ سَابِحٌ=أَنَا الْمَلِكُ الضِّلِّيلُ فِي الْعِشْقِ صَابِرُ
غَرِيبٌ وَأَحْوَالُ الْغَرِيبِ صَعِيبَةٌ=إِقَامَتُهُ بِالْحُبِّ- رُوحِي- تُؤَازِرُ
يُصَوْصِوُ لِلْشَّوْقِ الْجَمِيلِ عُصَيْفِرٌ=يُطِلُّ مِنَ الشُّبَّاكِ وَالْحُبُّ خَابِرُ
أَبَلْقِيسُ أَشْوَاقِي يَزِيدُ ضِرَامُهَا=أَحُطُّ عَلَى النِّيرَانِ وَالْحُبُّ كَاسِرُ
فُؤَادِي يُنَادِي بَضَّةَ الْقَلْبِ فَاسْقِنِي=حِجَالِي وَرُمَّانٌ عَتِيقٌ يُخَامِرُ
فَهَيَّا اعْصُرِي الرَّمَّانَ فِي الْخَمْرِ هَائِجاً=يُنَادِيكِ بِالْأَشْوَاقِ فِي الْحُبِّ غَامِرُ
فَرُمَّانُكِ الْمَجْنُونُ يُذْكِي مَشَاعِرِي=فَأَخْلُدُ لِلْأَفْكَارِ فِيكِ وَآمُرُ
أَذُوقُ مِنَ الرُّمَّانِ شَهْداً وَمَنْبَعاً=يَسِيلُ مِنَ الْجَنَّاتِ وَالنَّهْرُ دَائِرُ
وَأَسْتَجْلِبُ الْأَزْهَارَ أَسْقِيكِ شَهْدَهَا=عَلَيْكِ كُنُوزَ الدُّرِّ صَلَّتْ سَرَائِرُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه المعلقة من بحر الطويل
ثاني الطويل :
العروض تام مقبوض
والضرب تام مقبوض
ووزنه :
فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِلُنْ = فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِلُنْ
بحر الطويل لا يكون إلا تاما
الْقَبْض (حذف الخامس الساكن) فتصبح به (مَفَاْعِيْلُنْ): (مَفَاْعِلُنْ)، وتصبح (فَعُوْلُنْ): (فَعُوْلُ).
الطويل التام :
هو الذي وُجدت تفعيلاته الثمانية في البيت مثل :
تَأَلَّقْتُ فِي حُبِّي وَقَلْبِي يُغَامِرُ=عَسَى أَنْ تَهِلِّي أَوْ تُزَاحَ السَّتَائِرُ
قَصِيدَةُ حُبٍّ فِي مَلَامِحِ بَضَّةٍ=تُعِيدُ شَبَابَ الْحُبِّ وَالْقَلْبُ طَائِرُ
مَلَاحِمُ لِلْأَبْطَالِ فِي بَيْدَرِ الْهَوَى=تُدَاوِي جِرَاحِ الصَّبِّ وَالْبَدْرُ حَائِرُ
تَمَهَّلْ فَإِنَّ الْحُبَّ فَنٌّ وَبَسْطَةٌ=وَدُنْيَا غَرَامٍ فِي الْبِلَادِ تُخَاطِرُ
عَوَاطِفُ فِي بَحْرِ الْفُؤَادِ تَقُودُهُ=إِلَى عَالَمِ النَّجْوَى وَتِلْكَ مَآثِرُ
قَصَائِدُ بَلْقِيسُ الْأَمِيرَةُ ثَرَّةٌ=فَفَاضَتْ بِأَطْيَافٍ وَهَلَّتْ خَوَاطِرُ
أَلَا يَا سُلَيْمَانُ الْمُكَرَّمُ هَاتِهَا=وَحَاذِرْ فَأَرْبَابُ الْحَيَاةِ كَوَاسِرُ
الشاعر الدكتور والروائي المصري / محسن عبد المعطي محمد عبد ربه..شاعر العالم شاعر الثّلَاثُمِائَةِ معلقة

{2} تَأَوَّبَ طَيْفٌ مِنْ «سَمِيرَة َ» زَائرُ.. محمود سامي البارودي
1- تَأَوَّبَ طَيْفٌ مِنْ «سَمِيرَة َ» زَائرُ = وَمَا الطَّيْفُ إلاَّ مَا تُرِيهِ الْخَوَاطِرُ
2- طَوَى سُدْفَة َ الظَّلْمَاءِ، وَاللَّيْلُ ضَارِبٌ = بِأرواقهِ ، والنَجمُ بِالأفقِ حائرُ
3- فيا لكَ مِن طيفٍ ألمَّ ودونَهُ = مُحِيطٌ منَ الْبَحْرِ الْجَنُوبِيِّ زَاخِرُ
4- تَخطَّى إلى َّ الأرضَ وَجداً ، وما لهُ = سِوَى نَزواتِ الشَوقِ حادٍ وزاجرُ
5- ألمَّ ، ولم يلبَث ، وسارَ ، وليتَهُ = أَقَامَ وَلَوْ طَالَتْ عَلَيَّ الدَّيَاجِرُ
6- تَحمَّلَ أهوالَ الظلامِ مُخاطِراً = وعهدي بِمَن جادَت بهِ لا تُخاطِرُ
7- خُمَاسِيَّة ٌ، لَمْ تَدْرِ مَا اللَّيْلُ والسُّرَى = ولم تَنحَسِر عَن صَفحتيها السَتائرُ
8- عَقِيلَة ُ أتْرَابٍ تَوَالَيْنَ حَولَهَا = كما دارَ بالبدرِ النُجومُ الزَواهِرُ
9- غَوَافِلُ لا يَعْرِفْنَ بُؤْسَ مَعِيشَةٍ = وَلا هُنَّ بالْخَطْبِ الْمُلِمِّ شَوَاعِرُ
10- تَعوَّدنَ خَفضَ العيشِ فى ظِلِّ والدٍ = رَحِيمٍ وَبَيْتٍ شَيَّدَتْهُ الْعَنَاصِرُ
11- فَهُنَّ كَعُنْقُودِ الثُّرَيَّا، تَأَلَّقَتْ = كَواكِبُهُ في الأُفْقِ، فهْي سَوَافِرُ
12- تُمثِلُها الذكرى لعيني ،كأنَّني = إلَيْهَا علَى بُعْدٍ مِنَ الأَرض نَاظِرُ
13- فَطَوْراً إخَالُ الظَّنَّ حَقّاً، وَتَارَةُ = أهِيمُ، فَتَغْشَى مُقْلَتَيَّ السَّمَادِرُ
14- فيا بُعدَ ما بيني وبينَ أحبَّتي ! = ويا قُربَ ما التفَّت عليهِ الضَّمائر !
15- ولَوْلاَ أَمَانِي النَّفْسِ وَهْيَ حَياتُهَا = لما طارَ لى فوقَ البسيطة ِ طائرُ
16- فإن تَكُنِ الأيامُ فرَّقنَ بيننا = فَكُلُّ أمرئ ٍ يوْماً إلَى اللَّهِ صَائرُ
17- هِي الدَّارُ؛ ما الأَنْفَاسُ إلاَّ نَهَائِبٌ = لديها ، وما الأجسامً إلاَّ عقائرُ
18- إذا أحسَنتَ يوماً أساءت ضُحى غدٍ = فَإِحْسَانُهَا سيْفٌ عَلَى النَّاسِ جَائِرُ
19- تربُّ الفتى ، حتَّى إذا تمَّ أمرهُ = دَهَتْهُ، كَما رَبَّ الْبَهِيمَة َ جَازِرُ
20- لها تِرة ٌ في كلِّ حيٍّ ، وما لها = عَلَى طُول مَا تَجْني علَى الْخَلْق وَاتِرُ
21- كَثِيرة ُ أَلْوانِ الْوِدادِ، ملِيَّةٌ = بأَنْ يَتَوَقَّاها الْقَرينُ الْمُعَاشِرُ
22- فَمن نَظرَ الدُنيا بِحكمَة ِ ناقدٍ = دَرَى أنَّها بينَ الأنامِ تُقامِرُ
23- صَبَرتُ على كُرهٍ لِما قَد أصابَني = ومَن لم يَجد مندوحة ً فهوَ صابِرُ
24- وما الحِلمُ عِندَ الخطبِ والمرءُ عاجِزٌ = بِمُسْتَحْسَنٍ كَالْحِلْمِ والْمَرْءُ قَادرُ
25- ولكِن إذا قلَّ النصيرُ ، وأعوزَت = دواعِي المُنى فالصَبرُ فيهِ المَعاذِرُ
26- فَلا يَشمتِ الأعداءُ بي ، فلرُبَّما = وصلْتُ لِما أَرْجُوهُ مِمَّا أُحَاذِرُ
27- فَقَدْ يَسْتَقِيمُ الأَمْرُ بَعْدَ اعْوِجاجِهِ = وتنهَضُ بالمرءِ الجدودُ العواثِرُ
28- ولى أملٌ في اللهِ تحيا بهِ المُنى = ويُشرِقُ وَجهُ الظَنِّ والخَطبُ كاشِرُ
29- وَطِيدٌ، يَزِلُّ الْكَيْدُ عَنْهُ، وتَنْقَضِي = مُجَاهَدَة ُ الأَيَّامِ وَهْوَ مُثَابِرُ
30- إذا المرءُ لم يَركَن إلى اللهِ في الَّذي = يُحَاذِرُهُ مِنْ دَهْرِهِ فَهْوَ خَاسِرُ
31- وإنْ هُوَ لَمْ يصْبِرْ على ما أصَابَهُ = فَلَيْسَ لَهُ فِي مَعْرِضِ الْحَقِّ نَاصِرُ
32- ومَن لم يّذق حُلوَ الزمانِ وَمرهُ = فما هوَ إلاَّ طائشُ اللُّبِّ نافِرُ
33- وَلَوْلاَ تَكَالِيفُ السِّيادة ِ لَمْ يَخِبْ = جَبانٌ ، ولَم يَحو الفَضيلة َ ثائرُ
34- تقلُّ دواعِي النَفسِ وهِى َ ضعيفَةٌ = وتَقوى همومُ القلبِ وهوَ مُغامِرُ
35- وكَيفَ يبينُ الفَضلُ والنَّقصُ في الوَرى = إذا لَم تَكُن سَومَ الرِجالِ المَآثِرُ ؟
36- وَما حملَ السَّيْفَ الْكَمِيُّ لِزِينَةٍ = ولكن لأمرٍ أوجبتهُ المفاخرُ
37- إذا لَم يكُنْ إلاَّ المعيشة َ مَطلبٌ = فكلُّ زهيدٍ يَمسكُ النَّفسَ جابِرُ
38- فَلَوْلاَ الْعُلاَ ما أَرْسَلَ السَّهْم نَازِعٌ = ولا شهرَ السيفَ اليماني شاهرُ
39- منَ العارِ أن يرضى الدنيَّة َ ماجدٌ = ويَقبلَ مَكذوبَ المُنى وهوَ صاغرُ
40- إذا كُنتَ تخشى كلَّ شيء منَ الردى = فَكُلُّ الَّذِي فِي الْكَوْنِ لِلنَّفْسِ ضائِرُ
41- فمِن صِحَّة ِ الإِنْسَانِ ما فِيهِ سُقْمُهُ = ومن أمنهِ ما فاجأتهُ المَخاطِر
42- على َّ طِلابُ العزِّ من مُستقرِّهِ = ولا ذَنبَ لى إن عارَضتني المقادِرُ
43- فَمَا كُلُّ مَحْلُولِ الْعَرِيكَة ِ خَائِبٌ = ولاَ كُلُّ مَحْبُوكِ التَّرِيكَة ِ ظَافِرُ
44- فماذا عَسى الأعداءُ أن يتقوَّلوا = على َّ ، وعِرضي ناصِحُ الجيبِ وافِرُ ؟
45- فَلي فِي مَرَادِ الْفَضْلِ خَيْرُ مَغَبَّةٍ = إذَا شَانَ حَيّاً بالْخِيَانَة ِ ذَاكِرُ
46- مَلَكْتُ عُقَابَ الْمُلْكِ وَهْيَ كَسِيرَةٌ = وغادرتُها فى وَكرِها وهى َ طائرُ
47- ولو رُمتُ ما رامَ امرؤٌ بِخيانةٍ = لَصبَّحنِي قِسْطٌ مِنَ الْمال غَامِرُ
48- ولكِنْ أَبَتْ نَفْسِي الْكَرِيمَة ُ سَوْأَةً = تُعابُ بِهَا، والدَّهْرُ فِيهِ الْمعَايرُ
49- فلا تحسبنَّ المالَ ينفعُ ربَّهُ = إِذَا هُوَ لَمْ تَحْمَدْ قِرَاهُ الْعَشَائِرُ
50- فَقَدْ يَسْتَجِمُّ الْمَالُ وَالْمَجْدُ غَائِبٌ = وَقَدْ لاَ يَكُونُ الْمَالُ والْمَجْدُ حاضِرُ
51- ولَو أنَّ أسبابَ السِيادة ِ بالغنى = لكاثرَ ربَّ الفضلِ بالمالِ تاجرُ
52- فلا غَروَ أن حُزتُ المكارِمَ عارِياً = فَقَدْ يَشْهَدُ السَّيْفُ الْوَغَى وَهْوَ حاسِرُ
53- أنا المرءُ لا يثنيهِ عن دركِ العُلا = نَعِيمٌ، ولاَ تَعْدُو عَلَيْهِ الْمفَاقِرُ
54- قئول وَأَحْلاَمُ الرِّجالِ عَوَازِبٌ = صَئُولٌ وأَفْوَاهُ الْمَنَايَا فَوَاغِرُ
55- فَلاَ أَنا إِنْ أَدْنَانِيَ الْوَجْدُ بَاسِمٌ = وَلاَ أَنَا إِنْ أَقْصَانِيَ الْعُدْمُ بَاسِرُ
56- فَمَا الْفَقْر إِنْ لَمْ يَدْنَسِ الْعِرْضُ فَاضِحٌ = وَلاَ الْمَالُ إِنْ لَمْ يَشْرُفِ الْمَرْءُ ساتِرُ
57- إذا ما ذُبابُ السَّيفِ لم يكُ ماضِياً = فحيلتهُ وصمٌ لَدى الحربِ ظاهِرُ
58- فإن كنتُ قد أصبحتُ فلَّ رَزيَّةٍ = تقاسمها في الأهلِ بادٍ وحاضِرُ
59- فكَم بطلٍ فَلَّ الزَّمانُ شباتَهُ = وكَمْ سَيِّدٍ دارتْ علَيْهِ الدَّوائِرُ
60- وأيُّ حسامٍ لم تُصبهُ كلالَة ٌ ؟ = وأيُّ جوادٍ لم تَخنهُ الحوافِرُ ؟
61- فَسَوْفَ يَبِينُ الْحقُّ يَوْماً لِنَاظِرٍ = وتنزو بِعوراءِ الحُقودِ السَّرائرُ
62- وَمَا هِيَ إِلاَّ غَمْرَة ٌ، ثُمَّ تَنْجلِي = غيابتُها ، واللهُ من شاءَ ناصِرُ
63- فَقَدْ حَاطَني في ظُلْمة ِ الْحَبْسِ، بعْدَمَا = تَرَامَتْ بأَفْلاَذِ الْقُلُوبِ الْحَنَاجِرُ
64- فَمَهْلاً بَنِي الدُّنْيَا عَلَيْنَا، فَإِنَّنَا = إِلَى غَايَة ٍ تَنْفَتُّ فيهَا الْمَرائرُ
65- تطولُ بِها الأنفاسُ بُهراً ، وتلتوِى = على فَلكة ِ السَّاقينِ فيها المآزِرُ
66- هُنالِكَ يَعْلُو الْحَقُّ، وَالْحَقُّ واضِحٌ = ويَسفلُ كَعبُ الزُّورِ ، والزُّورُ عاثِرُ
67- وَعَمَّا قَلِيلٍ يَنْتَهِي الأَمْرُ كُلُّهُ = فَما أَوَّلٌ إِلاَّ وَيَتْلُوهُ آخِرُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمود سامي البارودي
محمود باشا سامي البارودي
البارودي
رئيس وزراء مصر
في المنصب
7 أبريل 1879 – 18 أغسطس 1879
العاهل الخديوي توفيق
سبقه محمد شريف باشا
خلفه أحمد عرابي
تفاصيل شخصية
وُلِد 6 أكتوبر 1839
القاهرة، مصر
توفي 12 ديسمبر 1904
القاهرة، مصر
محمود سامي باشا بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري (و. 6 أكتوبر 1839 – ت. 12 ديسمبر 1904)، هو شاعر مصري، ورئيس وزراء مصر من 4 فبراير 1882 – 26 مايو 1882.
حياته
ولد محمود سامي الباروزي في 6 أكتوبر 1839 في حي باب الخلق بالقاهرة لأبوين من أصل شركسي من سلالة المقام السيفي نوروز الأتابكي (أخي برسباي). . وكان أجداده ملتزمي إقطاعية إيتاي البارود بمحافظة البحيرة. يعتبر البارودي رائد الشعر العربي الحديث الذي جدّد في القصيدة العربية شكلاً ومضموناً، ولقب باسم فارس السيف والقلم.أتم دراسته الابتدائية عام 1851 م ثم التحق بالمرحلة التجهيزية من المدرسة الحربية المفروزة وانتظم فيها يدرس فنون الحرب، وعلوم الدين واللغة والحساب والجبر وتخرج من المدرسة المفروزة عام 1855 م ولم يستطع استكمال دراسته العليا، والتحق بالجيش السلطاني.
العمل السياسي
عمل بعد ذلك بوزارة الخارجية وذهب إلى الأستانة عام 1857 م وأعانته إجادته للغة التركية ومعرفته اللغة الفارسية على الالتحاق بقلم كتابة السر بنظارة الخارجية التركية وظل هناك نحو سبع سنوات 1857-1863. ثم عاد إلى مصر في فبراير 1863 م عينه الخديوي إسماعيل معيناً لأحمد خيري باشا على إدارة المكاتبات بين مصر والأستانة.ضاق البارودي برتابة العمل الديواني ونزعت نفسه إلى تحقيق آماله في حياة الفروسية والجهاد، فنجح في يوليو عام 1863 في الانتقال إلى الجيش حيث عمل برتبة البكباشي العسكرية وأُلحقَ بآلاي الحرس الخديوي وعين قائداً لكتيبتين من فرسانه، وأثبت كفاءة عالية في عمله. تجلت مواهبه الشعرية في سن مبكرة بعد أن استوعب التراث العربي وقرأ روائع الشعر العربي والفارسي والتركي، فكان ذلك من عوامل التجديد في شعره الأصيل.اشترك الفارس الشاعر في إخماد ثورة جزيرة أقريطش (كريت) عام 1865 واستمر في تلك المهمة لمدة عامين أثبت فيهما شجاعة عالية وبطولة نادرة. وكان أحد أبطال ثورة عام 1881 م الشهيرة ضد الخديوي توفيق بالاشتراك مع أحمد عرابي، وقد أسندت إليه رئاسة الوزارة الوطنية في 4 فبراير 1882 م حتى 26 مايو 1882 م.
بعد عودة البارودي من حرب البلقان تم تعيينه مديرًا لمحافظة الشرقية في (ربيع الآخر 1295هـ = إبريل 1878م)، وسرعان ما نقل محافظًا للقاهرة، وكانت مصر في هذه الفترة تمر بمرحلة حرجة من تاريخها، بعد أن غرقت البلاد في الديون، وتدخلت إنجلترا وفرنسا في توجيه السياسة المصرية، بعد أن صار لهما وزيران في الحكومة المصرية، ونتيجة لذلك نشطت الحركة الوطنية وتحركت الصحافة، وظهر تيار الوعي الذي يقوده “جمال الدين الأفغاني” لإنقاذ العالم الإسلامي من الاستعمار، وفي هذه الأجواء المشتعلة تنطلق قيثارة البارودي بقصيدة ثائرة تصرخ في أمته، توقظ النائم وتنبه الغافل، وهي قصيدة طويلة، منها:
جلبت أشطر هذا الدهر تجربة -وذقت ما فيه من صاب ومن عسل
فما وجدت على الأيام باقية -أشهى إلى النفس من حرية العمل
لكننا غرض للشر في زمن -أهل العقول به في طاعة الخمل
قامت به من رجال السوء طائفة -أدهى على النفس من بؤس على ثكل
ذلت بهم مصر بعد العز واضطربت -قواعد الملك حتى ظل في خلل
وبينما كان محمد شريف باشا رئيس مجلس النظار يحاول أن يضع للبلاد دستورًا قويمًا يصلح أحوالها ويرد كرامتها، فارضًا على الوزارة مسؤوليتها على كل ما تقوم به أمام مجلس شورى النواب، إذا بالحكومة الإنجليزية والفرنسية تكيدان للخديوي إسماعيل عند الدولة العثمانية لإقصائه الوزيرين الأجنبيين عن الوزارة، وإسناد نظارتها إلى شريف باشا الوطني الغيور، وأثمرت سعايتهما، فصدر قرار من الدولة العثمانية بخلع إسماعيل وتولية ابنه توفيق.ولما تولّى الخديوي توفيق الحكم سنة (1296هـ = 1879م) أسند نظارة الوزارة إلى شريف باشا، فأدخل معه في الوزارة البارودي ناظرًا للمعارف والأوقاف، ونرى البارودي يُحيّي توفيقًا بولايته على مصر، ويستحثه إلى إصدار الدستور وتأييد الشورى، فيقول:
سن المشورة وهي أكرم خطة -يجري عليها كل راع مرشد
هي عصمة الدين التي أوحى بها – رب العباد إلى النبي محمد
فمن استعان بها تأيد ملكه -ومن استهان بها لم يرشد
غير أن الخديوي توفيق نكص على عقبيه بعد أن تعلقت به الآمال في الإصلاح، فقبض على جمال الدين الأفغاني ونفاه من البلاد، وشرد أنصاره ومريديه، وأجبر شريف باشا على تقديم استقالته، وقبض هو على زمام الوزارة، وشكلها تحت رئاسته، وأبقى البارودي في منصبه وزيرًا للمعارف والأوقاف، بعدها صار وزيرًا للأوقاف في وزارة رياض.وقد نهض البارودي بوزارة الأوقاف، ونقح قوانينها، وكون لجنة من العلماء والمهندسين والمؤرخين للبحث عن الأوقاف المجهولة، وجمع الكتب والمخطوطات الموقوفة في المساجد، ووضعها في مكان واحد، وكانت هذه المجموعة نواة دار الكتب التي أنشأها “علي مبارك”، كما عُني بالآثار العربية وكون لها لجنة لجمعها، فوضعت ما جمعت في مسجد الحاكم حتى تُبنى لها دار خاصة، ونجح في أن يولي صديقه “محمد عبده” تحرير الوقائع المصرية، فبدأت الصحافة في مصر عهدًا جديدًا.ثم تولى البارودي وزارة الحربية خلفًا لرفقي باشا إلى جانب وزارته للأوقاف، بعد مطالبة حركة الجيش الوطنية بقيادة عرابي بعزل رفقي، وبدأ البارودي في إصلاح القوانين العسكرية مع زيادة رواتب الضباط والجند، لكنه لم يستمر في المنصب طويلاً، فخرج من الوزارة بعد تقديم استقالته في 22 أغسطس 1881؛ نظرًا لسوء العلاقة بينه وبين رياض باشا رئيس الوزراء، الذي دس له عند الخديوي.
وزارة الثورة
حكومته
“تشكيل الحكومة من 4 فبراير 1882 – 17 يونيو 1882”
الوزير الوزارة
حسن باشا شريعي – نظارة الأوقاف
عبد الله باشا فكري – نظارة المعارف العمومية
علي باشا صادق – نظارة المالية
محمود باشا سامي البارودي نظارة الداخلية
محمود بك فهمي -نظارة الأشغال العمومية
مصطفى باشا فهمي -نظارة الحقانية، نظارة الخارجية
عاد البارودي مرة أخرى إلى نظارة الحربية والبحرية في الوزارة التي شكلها شريف باشا عقب مظاهرة عابدين التي قام بها الجيش في 9 سبتمبر 1881، لكن الوزارة لم تستمر طويلاً، وشكل البارودي الوزارة الجديدة في (5 من ربيع الآخر 1299هـ = 24 من فبراير 1882م) وعين “أحمد عرابي” وزيرًا للحربية، و”محمود فهمي” للأشغال؛ ولذا أُطلق على وزارة البارودي وزارة الثورة؛ لأنها ضمت ثلاثة من زعمائها.
وافتتحت الوزارة أعمالها بإعداد الدستور، ووضعته بحيث يكون موائمًا لآمال الأمة، ومحققًا أهدافها، وحافظا كرامتها واستقلالها، وحمل البارودي نص الدستور إلى الخديوي، فلم يسعه إلا أن يضع خاتمه عليه بالتصديق، ثم عرضه على مجلس النواب.
الثورة العرابية
المقالة الرئيسية: الثورة العرابية
تم كشف مؤامرة قام بها بعض الضباط الجراكسة لاغتيال البارودي وعرابي، وتم تشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة المتهمين، فقضت بتجريدهم من رتبهم ونفيهم إلى أقاصي السودان، ولمّا رفع “البارودي” الحكم إلى الخديوي توفيق للتصديق عليه، رفض بتحريض من قنصلي إنجلترا وفرنسا، فغضب البارودي، وعرض الأمر على مجلس النظار، فقرر أنه ليس من حق الخديوي أن يرفض قرار المحكمة العسكرية العليا وفقًا للدستور، ثم عرضت الوزارة الأمر على مجلس النواب، فاجتمع أعضاؤه في منزل البارودي، وأعلنوا تضامنهم مع الوزارة، وضرورة خلع الخديوي ومحاكمته إذا استمر على دسائسه.
انتهزت إنجلترا وفرنسا هذا الخلاف، وحشدتا أسطوليهما في الإسكندرية، منذرتين بحماية الأجانب، وقدم قنصلاهما مذكرة في (7 من رجب 1299هـ = 25 من مايو 1882م) بضرورة استقالة الوزارة، ونفي عرابي، وتحديد إقامة بعض زملائه، وقد قابلت وزارة البارودي هذه المطالب بالرفض في الوقت الذي قبلها الخديوي توفيق، ولم يكن أمام البارودي سوى الاستقالة، ثم تطورت الأحداث، وانتهت بدخول الإنجليز مصر، والقبض على زعماء الثورة العرابية وكبار القادة المشتركين بها، وحُكِم على البارودي وستة من زملائه بالإعدام، ثم خُفف، في 3 ديسمبر 1882، إلى النفي المؤبد إلى جزيرة سرنديب (سري لانكا).
البارودي في المنفى
أقام البارودي في الجزيرة سبعة عشر عامًا وبعض عام، وأقام مع زملائه في كولومبو سبعة أعوام، ثم فارقهم إلى “كندي” بعد أن دبت الخلافات بينهم، وألقى كل واحد منهم فشل الثورة على أخيه، وفي المنفى شغل البارودي نفسه بتعلم الإنجليزية حتى أتقنها، وانصرف إلى تعليم أهل الجزيرة اللغة العربية ليعرفوا لغة دينهم الحنيف، وإلى اعتلاء المنابر في مساجد المدينة ليُفقّه أهلها شعائر الإسلام.
وطوال هذه الفترة قال قصائده الخالدة، التي يسكب فيها آلامه وحنينه إلى الوطن، ويرثي من مات من أهله وأحبابه وأصدقائه، ويتذكر أيام شبابه ولهوه وما آل إليه حاله، ومضت به أيامه في المنفى ثقيلة واجتمعت عليه علل الأمراض، وفقدان الأهل والأحباب، فساءت صحته، واشتدت وطأة المرض عليه، ثم سُمح له بالعودة بعد أن تنادت الأصوات وتعالت بضرورة رجوعه إلى مصر، فعاد إلى مصر في 12 سبتمبر 1899 وكانت فرحته غامرة بعودته إلى الوطن وأنشد أنشودة العودة التي قال في مستهلها:
أبابلُ رأي العين أم هذه مصرُ -فإني أرى فيها عيوناً هي السحرُ
شعر البارودي
يعد البارودي رائد الشعر العربي في العصر الحديث؛ حيث وثب به وثبة عالية لم يكن يحلم بها معاصروه، ففكّه من قيوده البديعية وأغراضه الضيقة، ووصله بروائعه القديمة وصياغتها المحكمة، وربطه بحياته وحياة أمته.
وهو إن قلّد القدماء وحاكاهم في أغراضهم وطريقة عرضهم للموضوعات وفي أسلوبهم وفي معانيهم، فإن له مع ذلك تجديدًا ملموسًا من حيث التعبير عن شعوره وإحساسه، وله معان جديدة وصور مبتكرة.
وقد نظم الشعر في كل أغراضه المعروفة من غزل ومديح وفخر وهجاء ورثاء، مرتسمًا نهج الشعر العربي القديم، غير أن شخصيته كانت واضحة في كل ما نظم؛ فهو الضابط الشجاع، والثائر على الظلم، والمغترب عن الوطن، والزوج الحاني، والأب الشفيق، والصديق الوفي.
وترك ديوان شعر يزيد عدد أبياته على خمسة آلاف بيت، طبع في أربعة مجلدات، وقصيدة طويلة عارض بها البوصيري، أطلق عليها “كشف الغمة”، وله أيضًا “قيد الأوابد” وهو كتاب نثري سجل فيه خواطره ورسائله بأسلوب مسجوع، و”مختارات البارودي” وهي مجموعة انتخبها الشاعر من شعر ثلاثين شاعرًا من فحول الشعر العباسي، يبلغ نحو 40 ألف بيت.
من قصائده
أبشروا بمحمد
إلى الله أشكو
خوف معشوقة
بادر الفرصة
أعد يا دهر
الفؤاد المفجع
أحموقة الغي
أفتانة العينين
يا من رأى
أراك الحمى
في رثاء أمه
قلدتُ جيدَ المعالى ِ حلية َ الغزلِ
طربتْ ، وَ لولاَ الحلمُ أدركني الجهلُ
مَضَى اللَّهْوُ، إِلاَّ أَنْ يُخَبَّرَ سَائِلُ
عَصَيْتُ نَذِيرَ الْحِلْمِ فِي طَاعَة ِ الْجَهْلِ
ردوا عليَّ الصبا منْ عصريَ الخالي
سَمَا الْمُلْكُ مُخْتَالاً بِمَا أَنْتَ فَاعِلٌ
أَلاَ، حيِّ مِنْ «أَسْمَاءَ» رَسْمَ الْمَنَازِلِ
ردَّ الصبا بعدَ شيبِ اللمة ِ الغزلُ
عَمَّ الْحَيَا، وَاسْتَنَّتِ الْجَدَاوِلُ
وَذِي حَدَبٍ يَلْتَجُّ بِالسُّفْنِ كُلَّمَا
أَهِلاَلٌ بَيْنَ هَالَهْ؟
يَا نَاصِرَ الْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ!
لأمرٍ ما تحيرتِ العقولُ
ما الدهرُ إلاَّ ضوءُ شمس علا
لاَ تَرْكَنَنَّ إِلَى الزَّمَانِ؛ فَرُبَّمَا
إنْ شئتَ أنْ تحوى المعاليَ ، فادرعْ
لاَ تَحْسَبِ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَلَى ثِقَة
ألا ، إنَّ أخلاقَ الرجالِ وَ إنْ نمتْ
تسابقْ في المكارمِ تعلُ قدراً
إِذا سَتَرَ الْفَقْرُ امْرَأً ذَا نَبَاهَة
لَعَمْرُكَ مَا الإِنْسَانُ إِلاَّ ابْنُ يَوْمِهِ
طهرْ لسانكَ ما استطعتَ، وَ لا تكنْ
لَيْسَ الصَّدِيقُ الَّذِي تَعْلُو مَنَاسِبُهُ
الْحُبُّ مَعْنى ً لاَ يُحِيطُ بِسِرِّهِ
لَيْسَ لِي غَيْرَ ذلكَ الْحَجَرِ الأَسْـود
يا هاجري ظلماً بغيرِ خطيئة
منْ ظنني موضعاً يوماً لحاجتهِ
عَاتَبْتُهُ، لاَ لأَمْرٍ فِيهِ مَعْتَبَة
دعِ المخافة، وَ اعلمْ أنَّ صاحبها
يُعَزَّى الْفَتَى فِي كُلِّ رُزْءٍ، وَلَيْتَهُ
وفاته
بعد عودته إلى القاهرة ترك العمل السياسي، وفتح بيته للأدباء والشعراء، يستمع إليهم، ويسمعون منه، وكان على رأسهم شوقي وحافظ ومطران، وإسماعيل صبري، وقد تأثروا به ونسجوا على منواله، فخطوا بالشعر خطوات واسعة، وأُطلق عليهم “مدرسة النهضة” أو “مدرسة الأحياء”. ولم تطل الحياة بالبارودي بعد رجوعه، فتوفي في 12 ديسمبر 1904 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة