بومدين كما يراه مالك بن نبي

تاريخ النشر: 08/10/19 | 7:27

أوّلا المقدّمة:بحث القارئ المتتبّع عبر الكتب الأربعة أدناه ليستخرج ويقف على موقف مالك بن نبي من بومدين :

Malek BENNABI “mémoires d’un témoin du siècle : l’enfant. L’étudiant. L’écrivain. les carnets ” Samar 2ème édition, 2006, Alger, Algérie, Contient 660 pages.

1. قمت بترجمة كلّ المقاطع التي ذكرها مالك بن نبي حول بومدين وذكرت ما بين قوسين هكذا ( ) الشرح و وجهة نظري معتمدا على قراءاتي لمالك بن نبي وبدأتها بقولي: ( أضيف: …) لأميّز بين المتن الذي ذكره مالك بن نبي ورأيي الشخصي.

2. ذكر مالك بن نبي اسم بومدين في مذكراته ” les carnets” فقط ولم يذكره في مذكراته ” l’enfant. L’étudiant. L’écrivain”.

3. الفترة الزمنية التي تحدّث فيها مالك بن نبي عن بومدين تمتد بين تاريخ: 19 جوان 1965 وتاريخ: 29 ديسمبر 1971.

4. بدأ مالك بن نبي بالحديث عن بومدين ابتداء من تاريخ: بتاريخ: 19جوان 1965 ولم يتحدّث عنه قبل هذا التّاريخ.

5. يصف مالك بن نبي وفي أوّل يوم من انقلاب بومدين بتاريخ: 19جوان 1965 بأنّه انقلاب عسكري.

6. كتب مالك بن رسالة لبومدين بتاريخ 21 أوت 1967 يشكو فيها أحمد طالب الإبراهيمي وزير التربية يومها ويصفه بـ “السلطة الموازية” و “عناصر هدامة” وظلّ يرسل الرسالة مع كلّ مقرّب لبومدين ليقدمها له.

7. يستعمل مالك بن نبي حين يتحدّث عن بومدين الألقاب التّالية: بومدين، الرئيس بومدين، سي بومدين ويستعمل مع كلّ حالة اللّقب الذي يراه مناسبا لها دون أن يذكر الأسباب.

8. وقف مالك بن نبي إلى جنب بومدين في انقلاب سنة 1967 الذي قاده الطاهر زبيري ضدّ بومدين.

9. كان مالك بن نبي يحلم بلقاء ببومدين ولم يتحقّق حلمه إلاّ مرّة واحدة فقط في حياته وقد استعمل مالك بن نبي لقب “سي بومدين” 3 مرات وهو يصف اللّقاء.

10. مالك بن نبي لا ينتقد بومدين إنّما ينتقد المحيط الذي يحيط ببومدين و السلطة الموازية وعلى رأسها أحمد طالب الإبراهيمي وظلّ على هذا الموقف إلى أن لقي ربّه.

11. كانت علاقة مالك بن نبي بالشاب العقيد معمر القذافي حسنة والدعوة الموجّهة له سنة 1970 لحضور الاحتفال بالعام الأوّل لذكر ى 1 سبتمبر 1969 تدل على ذلك.

12. مالك بن نبي لا يريد أن يغضب بومدين حتّى وهو في حالة غضب فيقول: “بومدين أوصى بعدم سفري إلى ليبيا” ولا يستعمل عبارة رفض بومدين أن أسافر لليبيا.

13. ظلّ مالك بن نبي يستقي أخبار بومدين عبر الواسطة ما يعني أنّه لم يكن أبدا من المقرّبين لبومدين ولا من صنّاع القرار.

14. لم يمنع بومدين مالك بن نبي من حضور ملتقى علمي ولا من نشر كتبه ولا من إلقاء المحاضرات لكنّه منعه من حضور احتفالات 1 سبتمبر 1970 بمناسبة مرور السنة الأولى على ذكرى 1 سبتمبر 1969. سأضع الاعتبارات السياسية التي ذكرها مالك بن نبي جانبا والتي تعني صاحبها وناقلها لكن ما يهم القارئ المتتبّع أنّ بومدين لم يمنع مالك بن نبي من أداء نشاط علمي وثقافي يتعلّق بالكتب وعالم الأفكار.

15. يستعمل مالك بن نبي اسم بومدين ضمن “الزعماء” وبين شولتين وهذه طريقة مالك بن نبي في التحدّث عن زعماء العرب وقادة الثورة الجزائرية حين يصفهم بـ “الزعماء” لكن دائما بين شولتين من باب عدم الاعتراف والاستنكار على سلوكاتهم التي لا ترقى لمصف الزعماء.

16. كان مالك بن نبي يطمع كثيرا في أن يمنحه بومدين منصب سياسي كسفير بالفاتيكان وغضب غضبا شديدا لأنّه لم ينل ما كان يطمح إليه من مناصب سياسية.

ثانيا: الدفاتر : 1958-1973- صفحات: 509- 605

17. جاء في صفحة 509 تحت عنوان: “انقلاب عسكري في الجزائر” بتاريخ: 1965.06.19: الساعة الآن 11 و30 دقيقة مساء. علمت مند نصف ساعة من جارتي التي في الفوق أن انقلابا حدث للتو. نظرت من النافدة. رأيت صفا من الجنود بملابس الاستراحة ينزلون ويتجهون تجاه قصر الشعب والبناية الفخمة joly حيث لايوجد على بابها الحرس المعتاد. سيارات عسكرية تتجاوزه. أهاتف عزوز. نظام بن بلة سقط أرضا، استولى الجيش على السلطة… يبدو أن النظام الجديد يريد أن يستمد شرعيته من استمراريته. الساعة التي كان البلد ينتظر فيها الجديد، نقول له لا بد أن نمد في القديم: الاشتراكية طبعا. أول خطأ للنظام الذي يبدو أنه حسب بياناته على أساس ما يسميه “المنظمات الوطنية”عوض الإرادة الشعبية. ( أضيف: يصف مالك بن نبي انقلاب بومدين بأنّه انقلاب وينقل الانقلاب على المباشر وهو يصفه عبر نافذته).

18. جاء في صفحة 517 تحت عنوان: “مسألة فاتيكان” بتاريخ: مند ثلاثة أيام، سي جمال الذي زرته مع خالدي أخبرنا أن بومدين يود أن يعيّنني سفيرا بالفاتيكان.

19. جاء في صفحة 529 تحت عنوان: “النائب العام يستدعيني لدى مقر الشرطة” بتاريخ: 1967.08.22: هذا الصباح، ذهبت أيضا إلى مقر الشرطة الثامنة حيث دخلت وأنا لا أدري شيئا. ليس الضابط الأعلى هو الذي استقبلني جيّدا رغم أنّي استدعيت إلى مكتب الضابط. ضابط الشرطة هو الذي استقبلني: رجل ظريف. قرأ علي تعليمة النائب العام الآمرة بـ ” تحقيق حيوي” حول ” سلوك عائلة بن نبي تجاه السيّد رميلة”. في الحقيقة، أعتقد أنّه وببساطة تمّ تغيير البرنامج منذ رسالتي البارحة إلى الرئيس بومدين المتعلّقة بـ “السلطة الموازية” التي تنتهي بهذا السؤال: ” أتساءل ما هي المناورة الجديدة للسلطة الموازية في الداخل، ورئيسها، الامبريالية، في الخارج، لوقف هذا المسعى الجديد”. ( أضيف: يرى مالك بن نبي أنّ الشكوى المقدّمة ضدّه واستدعاؤه من طرف الشرطة والتحقيق معه لا علاقة لها بما جاء في الشكوى إنّما لها علاقة برسالته التي بعثها لبومدين بتاريخ: 21 أوت 1967 والتي يشكو فيها “السلطة الموازية” التي تتعامل على أنّها دولة بمفردها. وما يجب ذكره أنّ بن نبي ذكر رسالته بقوله” “رسالتي البارحة” ما يعني أنّه أرسلها بتاريخ: 1967.08.21 باعتباره كتب هذا المقطع بتاريخ: 1967.08.22 . المقصود بـ “السلطة الموازية” هو أحمد طالب الإبراهيمي وزير التربية يومها الذي أقال مالك بن نبي من منصب “مدير التعليم العالي”).

20. جاء في صفحة 536 تحت عنوان: “العودة للجزائر” بتاريخ: 1967.10.10: ها أنذا في الجزائر منذ ثلاثة أيام. أخبرتني زوجتي أنّه أثناء غيابي جاؤوا ليستلموا مستحقات أربع سنوات من الكراء على أساس 28.000 فرنك في الشهر. وجاء أيضا “الشرطي” ليستولي على مرأبي. تبادل الكلمات بين زوجتي والشرطي الذي تراجع مؤخرا. وجدت إيمان و نعمة قد دخلوا المدرسة. وفرحا بوجودي. مقالي “جهاز الامبريالية” وكان له تأثير. طبعوا في غيابي “الأسس الفاعلة لاقتصاد إفريقي- أسيوي” من كتابي “الإفريقية – الأسيوية”، لكنهم أقحموا فقرة حول التسيير الذاتي غريبة عن الكتاب وتفكيري. وكأنّهم يريدون أن يلبسونني أمام الرأي العام لهذا البلد إفلاس النظام الذي أدنته شخصيا في تقرير قدمته منذ عامين لبومدين. ( أضيف: ما زال بن نبي يذكر رسالته لبومدين رغم مرور عامين عليها بشأن أحمد طالب الإبراهيمي والذي يطلق عليه مصطلح “السلطة الموازية”، ويقول في هذه الحالة بومدين وليس الرئيس بومدين. لم يعجبني قول مالك بن نبي “هذا الوطن” وهو يقصد الجزائر وكان عليه أن يقول الجزائر. وما زال يعتقد أنّ مطالبة السلطات زوجته بدفع مستحقات الكراء بسبب رسالته لبومدين رغم أنّه يعترف أنّه لم يعرف ثمن الكراء منذ 4 سنوات.).

21. جاء في صفحة 537 تحت عنوان: “التغيير الذي لا يغيّر شيئا” بتاريخ: ديسمبر 1967: اليوم زوالا، في نادي الصنوبر، سي بومدين – كان عن يمينه قايد أحمد وشريف بلقاسم عن يساره – أعلن للدولة أنّ الذي عن يمينه سيخلف الذي عن يساره. هذا ما في الأمر. ( أضيف: يبدأ مالك بن نبي في استعمال لقب “سي بومدين” وهو يتحدّث عن بومدين بعدما كان يناديه “الرئيس بومدين” و “بومدين”. ويبدو واضحا أنّ مالك بن نبي لم يعجبه موقف بومدين من تسيير الجزائر وكيفية التعامل مع قادة الجزائر ويستنكر عليه استصغاره لقادته وتحويلهم في أيّ وقت وبسهولة ودون أيّ اعتبار).

22. جاء في صفحة 537 تحت عنوان: ” غليان جزائري داخل الجيش الوطني الشعبي” بتاريخ: 1967.12.15: الساعة 5 مساء. الأعلام الوطنية عبر شاشة الرائي الجزائري، مرفوقة بنشيد لا يقلّ وطنية. ثمّ صورة سي بومدين. منذ 19 جوان 1965، لم يخاطب الشعب. يتحدّث إلى نفسه. يتعلّق الأمر بإدانة الخونة الذين، في أمسية البارحة، أخذوا الأسلحة في العفرون قرب البليدة. “التحريض خفّ” يقول سي بومدين. أوقفنا التحريض: هذا ما في الأمر. سي بومدين لا يشك بأنّه ليس كلّ شيء. وأنّ السلطة الموازية التي تحكم البلد مستمرّة في أعمالها ومستعملة حتّى ختم الدولة. ( أضيف: ما زال مالك بن نبي يستعمل لقب “سي بومدين” وهو يتحدّث عن بومدين. واضح جدّا أن بن نبي يتحدّث عن محاولة الانقلاب التي قادها الطاهر الزبيري سنة 1967 دون أن يستعمل مصطلح الانقلاب. و واضح جدّا وقوف مالك بن نبي إلى جنب بومدين دون تحفظ حين وصف الانقلابيين بالخونة. وما زال مالك بن نبي ينتقد بقوّة وشدّة السلطة الموازية بقيادة أحمد طالب الإبراهيمي التي تحدّث عنها في رسالته لبومدين عقب الانقلاب 19 جوان 1965 ويعتبر أنّها مازالت تحكم وتسيّر الجزائر وكأنّه ينصح بومدين بمواجهتها وصدّها ومنعها ووضع حدّ لها. يقول مالك بن نبي أنّ السلطة الموازية مازالت تحكم نيابة عن بومدين بدليل أنّها مازالت تستعمل ختم الدولة باسمه وكأنّه يريد أن يقول: ليس بومدين الذي يحكم الجزائر إنّما السّلطة الموازية هي التي تحكم).

23. جاء في صفحة 539 تحت عنوان: ” حوار مع بومدين” بتاريخ: 1968.02.06 : دخلت للتو: إنّها السّاعة 20. ذهبت مع سي لعراف إلى سي شريف بلقاسم. لكن هذا الأخير طلب مني أن أرافقه إلى سي بومدين، الذي يبدو أنّه ينتظرني رفقة خالدي. هذا الأخير لم يكن معي، لقد رأيته بمفرده مع سي شريف بلقاسم. التحق بنا سي بومدين لقاعة استقبال الضيوف لحظات بعد وصولي. كان لقاء حارّا. لحظات بعد ذلك، التحقت بسي الطيب الذي سلمته، منذ ثلاثة أشهر تقريبا، نسخة من رسالتي إلى سي بومدين المتعلّقة بالسّلطة الموازية… حرصت على أن لا أتحدّث عن أيّ مشكل ذا طابع شخصي. تحدّثت فقط عن الوضعية العامّة. ( أضيف: يتحدّث مالك بن نبي عن لقائه ببومدين بفرح شديد ويصفه بأنّه كان لقاء حارّا. يصرّ مالك بن نبي من جديد على أنّه أعاد تقديم نسخة من رسالته الموجّهة إلى بومدين وهذه المرّة عبر سي الطيب ما يدل على أنّه كان يحرص كلّ الحرص على أن تصل رسالته إلى بومدين. يبدو لي من خلال استعمال مالك بن نبي عبارته أثناء لقاءه مع بومدين: ” حرصت على أن لا أتحدّث عن أيّ مشكل ذا طابع شخصي. تحدّثت فقط عن الوضعية العامّة ” كان يقصد أحمد طالب الإبراهيمي الذي طرده من الوزارة ومنع عنه سيارة الوظيفة وقد ذكرها بالتفصيل في مقاطع أخرى سنأتي على ذكرها حين نتطرق عبر مقال سنسميه بإذن الله تعالى “أحمد طالب الإبراهيمي كما يراه مالك بن نبي”. إذن – في تقديري – السلطة الموازية التي تحكّمت في الحكم وأصبحت بمثابة دولة موازية للدولة القائمة والتي كان يستنكرها مالك بن نبي ويحذّر منها بومدين كان يقصد بها أحمد طالب الإبراهيمي).

24. جاء في صفحة 544 تحت عنوان: “الحاجز النفسي” بتاريخ: 1968.07.20: تحدّثت للتّو مع مع القايد أحمد حول موضوع رسالتي لبومدين… عوض أن يطلب منّي بعض التوضيحات بعض المعلومات الإضافية الإضافية، حاول إقناعي بأمرين: أ): أن أناقش الموضوع جزئيا، وليس بشكل معمق. ب )هو تطرق للموضوع بشكل معمّق. ثمّ يندفع في موضوع لا ينضب حول طرقه، أخطائه الشخصية، رجوع للوراء للانطلاق جيّدا. كلا، لا يعتبر ما ذكره القايد أحمد تكبّرا. أكيد يعتبر اهتمام بالنفس الذي تعطي للسلطة روحا بسيطة. تركته يتحدّث بمفرده. أنا الآن متأكد مستقبلا من شيء: مع مسؤول جزائري، لا يجب أن تناقش. أفهم الآن لماذا القانون يسمح لكل التحديات ضدّ القانون. لأنّ سيّده يعلم جيّدا أنّ المسؤول الجزائري لا يمكن حتّى أن يقترب من فكرة وجود مجهود “التعفن” علميا مخطّط من طرف المختصين. غريب يعدم، من حين لآخر، كلّ هذه المبادرات، كلّ هذه الجهود. إنّه خلف هذا الجدار النفسي حيث السّلطة الموازية تعمل عملها بكلّ هدوء. إنّه الجدار الذي جعل كلّ جهودي تفشل من أن تنفذ لإقامة قليل من الضوء في السياسة الجزائرية أو السياسة المصرية حين كنت في القاهرة. هذا الجدار يكون جهلا غير قابل للاختراق و وله لا يمكن لأي منطق أن يخترقه. لا بد أن أعترف أنّه لا يمكنني أن ألقي أيّة خطبة. (أضيف: مازال مالك بن نبي يتحدّث عن الرسالة التي أرسلها لبومدين ومرّ عليها 3 سنوات وما زال يصف أحمد طالب الإبراهيمي دون أن يذكره بالسلطة الموازية. يشبّه مالك بن نبي بالوضع الذي يعيشه في الجزائر والمتمثّل – حسب رأيه- بعدم اهتمام المسؤولين به بنفس الوضع الذي كان يعيشه في مصر مع العلم لم يذكر هذا الوضع – في تقديري – حين كان في مصر).

25. جاء في صفحة 563 تحت عنوان: “بومدين في الحزب” بتاريخ: 1969.07.30: هذا المساء، جاء خالدي على الساعة 20. أخبرني بخبر جديد مثير: بينما كان قايد أحمد في المستشفى منذ ثلاثة أسابيع ذهب كلام الشارع إلى أبعد الحدود ( توقيف، هروب…)، زوال هذا اليوم ها هو بومدين يزور مقرّ الحزب في غياب المسؤول. يعني هذا، حسب خالدي، السيطرة على الحزب من طرف بومدين. وهذا يعني أنّ دفعة أطلقت للآلة غير المتوازنة التي يمكن أن تسقط وهي تحمل أطنانا.(أضيف: يتحدّث مالك بن نبي عن سيطرة بومدين على الحزب الواحد يومها أي تثبيت السّيطرة على الدولة باعتبار الحزب هو الدولة وأنّ بومدين هو الحزب وهو الدولة معا. ويبدو لي أنّ مالك بن نبي ذكر هذه المعلومة من باب الاستنكار على القبضة الحديدية لبومدين دون أن يعلن ذلك صراحة).

26. جاء في صفحة 564 تحت عنوان: “جلسة عمل داخل الحزب” بتاريخ: 1969.07.30: مرّ منذ قليل مقطع عبر الرائي يبيّن جلسة عمل البارحة داخل مقرّ الحزب تحت إشراف بومدين. هل هو السيطرة على الحزب من طرف بومدين، كما أخبرني بذلك خالدي؟ أم هو اهتمام من طرف بومدين في غياب الرئيس المريض؟ ( أضيف: لم يستعمل مالك بن نبي لقب “سي بومدين” كما استعمله من قبل. عودة مالك بن نبي للاهتمام بحضور بومدين لجلسة الحزب وتحت إشرافه يدل على أنّ مالك بن نبي يريد أ يثبت ولو عبر زميله خالدي أنّ بومدين أمسك الحزب والدولة معا بقبضة من حديد ولو لم يعلن ذلك صراحة خاصّة في تلك الظروف).

27. جاء في صفحة 568 تحت عنوان: “انتهاء المؤتمر الإسلامي في الرباط” بتاريخ: 1969.09.26: عاد اليوم سي بومدين وأعلن أنّ المؤتمر الذي أنهى أشغاله البارحة يعتبر في حدّ ذاته خطوة هامّة جدّا. في الواقع، التّاريخ السياسي للدول الإسلامية لم يشهد، طيلة قرون، حدث مهم كهذا المؤتمر. (أضيف: مالك بن نبي حين يريد أن يشيد ببومدين يستعمل لقب “سي بومدين” وحين يتحدّث عنه في غير الإشادة ودون أن يعلن عن النقد يستعمل مصطلح بومدين بمفرده).

28. جاء في صفحة 575 (دون عنوان) وبتاريخ: 1970.03.13: رأيت الآن الكولونيل بن شريف الذي استقبلني بحفاوة قوية. بدا لي أكثر معرفة بالحالة الداخلية وبحالته الصحية المتدهورة أكثر من أيّ مسؤول حسب معرفتي. أعتقد أنّه يقاسمني نفس الرأي تجاه محيط “العقرب” (هذه كلمته) فيما يخصّ بومدين. ( أضيف: لأوّل مرّة ولحدّ الآن يستعمل مالك بن نبي كلمة “العقرب” وهو ينقل وصف بن شريف لبومدين ويؤكّد على أنّ الوصف ليس له إنّما للكلونيل بن شريف. ما زال مالك بن نبي يتحدّث عن محيط بومدين وليس بومدين وكأنّه يقول: أنا ضدّ المحيط وليس ضدّ بومدين. ما زلت أعتقد ومن خلال قراءاتي والمقارنة أنّ مالك بن نبي يقصد بالمحيط أحمد طالب الإبراهيمي. ما سماه مالك بن نبي سابقا بـ “الدولة الموازية” ويقصد بها خاصّة أحمد طالب الإبراهيمي هي التي يسميها الآن بـ “محيط بومدين” ويقصد خاصّة أحمد طالب الإبراهيمي).

29. جاء في صفحة 581 تحت عنوان: “بومدين أوصى بعدم سفري إلى ليبيا” بتاريخ: 1970.08.20: زارني عزوز منذ قليل. أخبرني أنّ محمود ڤناز (وزير المجاهدين) أخبر البارحة سي بومدين عن الدعوة التي وجّهها لي المجلس الثوري الليبي لإحياء ذكرى 1 سبتمبر 1969. بومدين أوصى بعدم سفري لأنّه ” لا نعرف أين تذهب سياسة القذافي، وبن نبي شخصية في مستوى تحمّل تبعات السياسة”. ألا يشرع بومدين في مجرّد التشكيك في أهمية دوري في الخارج؟… إنّه بلا شكّ إعفاء لقاعدة “الزعماء”. (أضيف: يتّضح من هذا المقطع أنّ مالك بن نبي: كانت له علاقة – ولحدّ الآن- حسنة مع العقيد معمر القذافي وتجلّى ذلك في الدعوة الموجّهة له بمناسبة إحياء السنة الأولى لـ 1 سبتمبر 1969. مالك بن نبي دقيق جدّا في الألفاظ التي يستعملها فهو لم يقل “بومدين رفض سفري لليبيا لتلبية الدعوة” إنّما قال: “بومدين أوصى بعدم سفري إلى ليبيا” مع أنّ العبارة الأخيرة تعني أنّ بومدين أعطى أوامره بعدم سفر مالك بن نبي لليبيا لكن بن نبي فضّل التعبير الأوّل على التّعبير الثّاني. مازال مالك بن نبي يتعامل مع بومدين بالواسطة وليس عبر اللّقاء المباشر . لم يعلّق مالك بن نبي على ما نقله له محمود ڤناز (وزير المجاهدين) ما يدل على أنّه كان صادقا في النقل عن بومدين فيما يخصّ مالك بن نبي. واضح جدّا أنّ رفض عدم سماح بومدين لمالك بن نبي في السفر لليبيا للمشاركة في احتفالات السنة الأولى على مرور 1 سبتمبر 1969 أغضب كثيرا مالك بن نبي. مالك بن نبي يفتخر بكونه يملك مؤهلات لأداء دور في الخارج و ممثّلا عن الجزائر ولذلك أبدى غضبه من حرمانه من طرف بومدين لأداء هذا الدور ما يعني أنّه مازالت له طموحات سياسية في اعتلاء رتبة وزير أو سفير. حين يتحدّث مالك بن نبي عن بومدين عبر هذه الحالة ولأوّل مرّة – لحدّ الآن – يستعمل مصطلح الزعماء بين شولتين هكذا “الزعماء” والدارس لمذكرات مالك بن نبي يلاحظ – وقد أشرت ذلك في مقالات سابقة – أنّه يضع قادة الثورة الجزائرية وساسة الجزائر والعرب ضمن شولتين حين يتحدّث عنهم بالمفرد فيقول هكذا “الزعيم” وبالجمع فيقول هكذا “الزعماء” وفي هذا المقطع يدرج مالك بن نبي بومدين ضمن “الزعماء” هكذا بين شولتين وهي علامة على عدم الرضا والرفض لمن يحسن قراءة مالك بن نبي ومتى يستعمل الشولتين ومتى يستعمل الألقاب. وضع مالك بن نبي بومدين ضمن “الزعماء” أي بين شولتين لأنّه لم يسمح له بالذهاب لمناسبة سياسية خارجية تتعلّق بإحياء السنة الأولى لـ 1 سبتمبر 1969 وليس لأمر يتعلّق بالفكر والكتب والمحاضرة والثقافة ما يعني أنّ مالك بن نبي متشبّث بشكل كبير ومفرط بطموحاته السّياسية وإن كانت من مشروعة ومن حقّه.

30. جاء في صفحة 582 تحت عنوان: “بومدين يغلق علي الأفق” بتاريخ: 1970.08.20: في الحقيقة، منذ 1963، أعيش في حالة غير عادية، لأوّل مرّة أجد – منذ آخر سفري لليبيا- إمكانية فرار من الجو القاتل الذي وجدت نفسي منغمسا فيه. وانظر إلى بومدين ينصحني بعدم زيارة ليبيا، ما يعني منعي من العودة لليبيا بمناسبة عيد ميلاد الثورة. لقد عزّز موقفه باعتبار: ” شخصية كبيرة كمالك بن نبي يمكنها أن تتحمّل سياسة لا نعرف أين تتّجه”. لكن، فعليا، هذه النظرة تحبسني في الجزائر تحت رحمة عناصر هدامة على حساب صحتي وعملي الذي أريد أن أفرّ منه. ( أضيف: مالك بن نبي يفتخر بكون بومدين وصفه بالشخصية الكبيرة رغم أنّه رفض أن يسمح له بالسفر إلى ليبيا وظلّ يردّدها مفتخرا. واضح جدّا أنّ رفض بومدين لمالك بن نبي بالسّفر لليبيا أثّر عليه كثيرا على حالته النفسية وبدا مالك بن نبي منهارا وفي حالة يأس شديدة والحالة تتعلّق بالظهور السياسي لمالك بن نبي ولا علاقة لها بالجانب الفكري وعالم الكتب والأفكار. مازال مالك بن نبي يلوم بشدّة “عناصر هدامة” والتي سبق أن سماها “الدولة الموازية” ولا يتّهم صراحة بومدين رغم أنّه لم يسمح له بالسفر إلى ليبيا. إذن مالك بن نبي لا يتهم أبدا بومدين إنّما يتّهم محيطه).

31. جاء في صفحة 583 تحت عنوان: “اللاءات” الثلاث لبومدين: حين ألخّص حياتي منذ 19 جوان 1965، ألاحظ أنّ بومدين يستعمل بقوّة رفضه ضدّ كل خطواتي. خاصّة في ثلاثة حالات: كنت مدير التعليم العالي، فقال: لا. طلبت أن أغادر البلد لأجل منصب دبلوماسي، قال: لا. حاولت أن أغادر الجزائر بإمكاناتي الشخصية ( الاتّجاه إلى ليبيا) قال: لا. ( أضيف: كلّ الرفض الذي ذكره مالك بن نبي من طرف بومدين تجاهه يتعلّق بمناصب سياسية ولا علاقة له بعالم الأفكار والكتب ما يعني أنّ مالك بن نبي لا يمكن أن يتنازل عن منصب سياسي وسفر سياسي ويجعل منها أداة صراع ويظلّ يتحدّث عنها باستمرار وبقوّة. يعترف مالك بن نبي ولأوّل مرّة أنّ بومدين هو الذي أقاله من منصب مدير التعليم العالي وهو بمثابة منصب وزير التعليم العالي حينها وقد كان قبل هذا التاريخ يكرّر أنّ أحمد طالب الإبراهيمي هو الذي كان من وراء الإقالة وقد أطال في ذكرها ونتائجها وسنأتي على ذكرها حين نتحدّث عن “أحمد طالب الإبراهيمي كما يراه مالك بن نبي” بإذن الله تعالى).

32. جاء في صفحة 603 تحت عنوان: “الذي ينتقد فليغادر الوطن” بتاريخ: 1971.10.20: البارحة مساء، جهاز الرائي تمّ تشغيله منذ سبعة أشهر، استمعت لخطاب بومدين من سعيدة: “الذي ينتقد سياستنا يمكنه مغادرة الوطن”. أبدا لم يتجرّأ طاغية على مخاطبة شعبه بهذه اللّغة.( أضيف: لأوّل مرّة يشبّه مالك بن نبي بومدين بالطاغية ).

33. جاء في صفحة 603 تحت عنوان: “إزاحة بن نبي من الرائي الجزائري” بتاريخ: 1971.10.27: دعيت للرائي الجزائري RTA لإجراء حوار مع السيد شريط عبد الوهاب إذ به يطلب منّي أن لا يدعوني بالنسبة لحلقات رمضان عبر الرائي، موضّحا أنّها تعليمات من الفوق. في الجزائر، لا نعرف أين يبدأ وينتهي الأعلى. هل هو السيد أحمد طالب أو آخر أعلى؟ السؤال له علاقة برسالتي المفتوحة التي وصلت لبومدين. ( أضيف: مازال مالك بن نبي يعتبر أنّ من طرده من الرائي الجزائري ومنعه من مواصلة الحصّص المبرمجة هو أحمد طالب الإبراهيمي وليس بومدين. وما زال يعتبر أنّ أحمد طالب الإبراهيمي هو أعلى الهرم أي صاحب القرار النهائي والقوي وهو الذي ظلّ يطلق عليه لقب “السلطة الموازية” مايعني أنّ علاقة مالك بن نبي بأحمد طالب الإبراهيمي منذ إقالته من منصب مدير التعليم العالي في أوت 1965 أي ثلاثة أشهر بعد انقلاب 19 جوان 1965 كانت وما زالت متدهورة وفي غاية التدهور بدليل أنّه ما زال يذكره رغم مرور 6 سنوات على قرار الإقالة وحرمانه من السيارة والمكتب).

34. جاء في صفحة 604-605 تحت عنوان: “الاسم: “ارحل” بتاريخ: 1971.12.29: أعيش منذ الأربعاء الماضي أسبوعا رهيبا. زوجتي تفعل ما بوسعها للتخفيف عن حزني حسب ما تعتقد. تقول لي: “أعلم أنّك تعاني حزنا وتلتزم الصمت مثل الأسبوع الماضي عقب ذهابك للجامعة”. أنا الآن مقابل مكتبي: أستحضر ثماني سنوات التي قضيتها. لا تغيير. إذا كان هناك تغيير. هو ذلك الذي كنت فيه بالجامعة، السّيد X محاولا طردي حتّى خارج الوطن. والصدى غير المسموع بالنسبة للآخرين يهدّئني، أمام نوافذ البيت أو الجامعة: “ارحل ! … ارحل !” اليوم، لا نسمع صدى، لكن السّيد X يسمعني جيّدا بطريقته صراخا آخر: “لا ترحل … !” “لا ترحل … !” أسمع صراخ أبنائي وهم يلعبون: أخاف على هؤلاء الأبرياء. كتب لي أبي كلمة أحيت كلّ الأحزان التي سببتها له منذ 40 سنة. أنا الآن سعيد لأن لعراف لن يعود أبدا إلى بابي. Studler لقد دفع الثمن. ساسي رابح هو الآن بصدد دفع الثمن. Paulette المهمل وجد من حسن الحظ الهدوء في زاويته الصغيرة. النجمة التي ناديتها من نافذتي من تبسة في جويلية 1947 لم تعد بعد. لا شيء يتحرّك في قدري. أتلقى فقط ضربات لا يمكنني ردّها وأنا أسمع من حين لآخر سائقوا الدراجات النارية للشرطة الذين يتكفّلون بموكب بومدين. هذا الصباح، أنتظر إشارة من الدكتور صابر الذي كان من المفروض أن يرى البارحة أو صباح اليوم قايد أحمد: لا شيء. هل خدعني هاتفي، أم أنّ زميلي لم يستطع أيضا رؤية السيد؟. ( أضيف: يقول مالك بن نبي أنّه منذ 8 سنوات أي منذ عودته للجزائر سنة 1963 لم يتغيّر أيّ شيء في الجزائر، رغم حكم بومدين الذي مرّ عليه لحدّ الآن 6 سنوات.
معمر حبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة