سوروكا مبكى العدو الكاذب ومستشفاه الخائب

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

تاريخ النشر: 20/06/25 | 14:45

العدوان الصهيو أمريكي على إيران (2)

استشاط العدو الصهيوني غضباً، وأرغى وأزبد وهدد وتوعد، وتمزقت أشداق قادته ومسؤوليه وهم يصرخون ويولولون، ويبكون ويتباكون، ويهددون ويتوعدون، وقاموا على أعلى المستويات السياسية والأمنية والعسكرية بزيارة موقع المستشفى، وتفقد آثار القصف ونتائجه، ومنه أعلنوا بغضبٍ وحنقٍ عزمهم على الثأر والانتقام من إيران التي استهدفت مستشفاهم، وهددت حياة مرضاهم، وعرضت سلامة العاملين فيه إلى الخطر.

وحرك العدو وسائله الإعلامية المحلية واستدعى الأجنبية، وسهل وصولهم إلى مكان المستشفى، ونصب لهم محطات للبث المباشر، وقدم لهم ما يحتاجون إليه، وطلب منهم تسليط الضوء على “جريمة قصف المستشفى”، وعرض مشاهد الدمار الذي أصاب مبنى المستشفى ومحيطها، وإظهار حجم الإصابة التي تعرضت لها وأقسامها، واتهم إيران بأنها تعمدت قصفها، وقصدت تدميرها، وهي تعلم أنها مستشفى، وتضم مئات المرضى والأطباء والموظفين المدنيين، وأنها بقصفها قد ارتكبت جريمة حرب، وخالفت القوانين الدولية، واعتدت على مستشفى مدنيٍ، ولم تراع حرمته الطبية والإنسانية.

ضاعف العدو الإسرائيلي حملته التحريضية ضد إيران، وبالغ في إظهار الشكوى والمظلومية، وبدأ في تنظيم زيارات لسفراء الدول الأجنبية في الكيان، لمعاينة المكان، والوقوف على حجم الأضرار، والتأكيد على أن القصف قد استهدف المرضى والمدنيين، وإظهار جرمية إيران وعدوانيتها وعدم إنسانيتها، وأنها تركب جرائم حربٍ، وتخالف القوانين الدولية وأعراف الحروب وقواعد القتال، وطالبت المجتمع الدولي بإدانة الجريمة واستنكارها، وتحميل إيران المسؤولية عنها، وبالتالي تبرير أي ردٍ عليها، وتشريع العدوان ضدها.

يعلم العالم كله أن إيران لا تستهدف المدنيين الإسرائيليين، رغم أنها على ذلك قادرة، وأنهم ليسوا مدنيين وإنما هم مستوطنون عسكريون محاربون، وكلهم يحمل السلاح ويقاتل، ويخدم في جيش الكيان ويرتكب باسمه المجازر والجرائم، وأن غارتها الصاروخية لم تقتل العدد الذي قتله العدو الإسرائيلي في صفوف المدنيين الإيرانيين، لأنها تتجنب المناطق المدنية، وما زالت تلتزم قوانين الحرب وأصول القتال، وما استهداف محيط مستشفى سوروكا إلا لأنه يضم منشأة أمنية إسرائيلية، ومركزاً لإدارة العمليات الأمنية والعسكرية ضد إيران وقطاع غزة في آنٍ، وقد أظهرت الصور والخرائط المنشورة أن الاستهداف كان لمحيط المستشفى الأمني وليس لحرمه الطبي.

غريبٌ أمر هذا الكيان الصهيوني ومعه الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبا الغربية وفي مقدمتها ألمانيا وبريطانيا، الذين يتباكون على قصف محيط مستشفى لم يتضرر، ويظهرون تعاطفهم الشديد مع الكيان الصهيوني، ويتمنون السلامة وعاجل الشفاء لمرضى المستشفى والعاملين فيه، الذين أخرجوا منه بتظاهرة استعراضية، ويبررون للحكومة الإسرائيلية الرد والثأر والانتقام من الجمهورية الإسلامية في إيران، ويعتبرون ذلك دفاعاً عن أمن وسلامة مستوطنيهم، ويرونه حقاً طبيعياً مشروعاً، ولا يعيب إسرائيل قيامها به، بينما يعيب إيران رد العدوان الإسرائيلي عليها.

والأشد غرابة استنكاره قصف المستشفى الذي لم يقصف، ومطالبته العالم كله إدانة الصواريخ الإيرانية التي لم تستهدف المستشفى، وإنما استهدفت محيطه الأمني المعلوماتي الاستخباري، ولم تصب أحداً من نزلائه والعاملين فيه بضرر، وإنما دمرت المنشأة المعادية، التي تستخدم لإدارة العمليات العسكرية على إيران وغزة، بينما يطالب العالم كله بالصمت على جرائمه في قطاع غزة ضد القطاع الصحي كله، وتبريرها والقبول بروايته وتصديق سرديته، إذ دمر كل مستشفيات قطاع غزة، وقتل مرضاها والعاملين فيها، واستهدف أطباءها وأطقمها الطبية وسيارات الإسعاف والعاملين فيها، بحجة أنها مقرات عسكرية للمقاومة، وأن تحتها أنفاقاً وغرف عملياتٍ وتنسيق لإدارة عمليات المقاومة ضد جيشهم الغازي.

لعلها فرصة مناسبة لدول العالم التي تدعي التمدن والحضارة، وتتغني بالإنسانية والقوانين الدولية، لأن تتوقف عن سياسة الازدواجية والاستنسابية الانتقائية في المعايير، وترفع صوتها عالياً ضد ممارسات جيش العدو الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين ناهز عدد شهدائهم وجرحاهم ألـــــ 150 ألف مواطن، وترفض اعتداءاته على المستشفيات والمراكز الصحية، وتطالبه بالتوقف عن قصف ما تبقى منها، والسماح بإدخال الأدوية والمعدات الطبية لها، وتمكين طواقمها من العمل فيها لإنقاذ حياة عشرات آلاف الجرحى والمصابين من النساء والأطفال والشيوخ.

سيبقى هذا العدو الذي يصر على سرديته الكاذبة، ويواصل رواياته المضللة، يدعي المظلومية، ويتباكى على جدران مستشفى لم يمس نزلاؤه بسوء، في الوقت الذي ما زال يعتدي كل يوم على مستشفيات قطاع غزة، ويقتل الجرحى ويجهز على المصابين، ويغتال بمسيراته العشرات على أسرتهم فيها، لكن العيب ليس فيه فهو عدوٌ غاشم، إنما العيب في الذين يصدقونه ويتبنون روايته، ويعتمرون قلنسوته ويتباكون معه على حائط مبكاهم الكاذب أمام مستشفى غدا مزاراً للمسؤولين، ومنبراً للحاقدين، وإعلاماً للمحرضين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة