الحرب خدعة! متى ولماذا وكيف سقط محور المقاومة؟

جواد بولس

تاريخ النشر: 20/06/25 | 8:01

عبثا حاولت ألا أكتب عن حرب اسرائيل وايران، خاصة وأن تداعياتها ما زالت متفاعلة ومصيرها يراوح بين احتمالين قطبيين: فإما أن يطرأ عليها تصعيد عسكري خطير قد يؤدي ، إن حصل، الى اشعال صراعات دولية تتعدى المواجهة المباشرة بين اسرائيل وايران، وإما أن تستغل الدول التي لها مصالح استراتيجية كبرى في المنطقة، توازنات المواجهات العسكرية كما تشكّلت في هذه المرحلة وتفرض حلّا سياسيا على الطرفين.
منذ لحظة بدء اسرائيل بتنفيذ ضربتها العسكرية على ايران كثرت التعقيبات التي افترضت أن بنيامين نتنياهو كان صاحب الفكرة والقرار ببدء الهجوم وأنه جرّ المؤسستين الأمنية والعسكرية، أي الموساد والجيش، الى خوض المغامرة كي ينجو هو وحكومته من جملة أزماته التي وصلت الى حدّ أشعره أن مكانته السياسية تضعضعت حتى بات سقوطهم وشيكا. لن يستطيع أحد أن ينفي صحة تلك الفرضية؛ فنتنياهو كان يحلم دائما باشعال الجبهة الايرانية، لكنه لم ينجح بذلك طيلة أكثر من عشرين عاما كان فيها رئيسا للحكومة؛ فمن يعرف طبيعة العلاقات التاريخية بين الحكومة الاسرائيلية والمؤسستين الأمنية والعسكرية، لا بد أن يعرف أنه بدون موافقة هاتين المؤسستين وقناعتيهما بضرورة خوض هذه المواجهة واستعدادهما لها، لكان من الصعب أو حتى مستحيلا، على نتنياهو أن يجرّهما اليها.
لا يمكننا معالجة قضية المواجهة الحالية مع النظام الايراني بدون وضعها في سياق مواجهة اسرائيل والدول الحليفة لها مع ما يسمى “محور المقاومة” الذي هيمن عليه النظام الايراني ووقف في صدارته. لقد ضم محور المقاومة كل من نظام بشار الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والفصائل الشيعية المتنفذة في العراق، وحركة المقاومة الاسلامية -حماس في غزة التي اعتُبرت واعتبرت نفسها، رغم سنيّتها، جزءًا محوريا منه.
لقد تبنى النظام الايراني منذ اللحظة الاولى لنجاح الثورة الخمينية موقف المواجهة مع “الشيطان الأكبر” أي أمريكا، ومع “الشيطان الأصغر” أي اسرائيل؛ لكنه تورط وتدخل، من حين الى آخر في حروب ومواجهات على عدة جبهات ومواقع، أفضت في نهاياتها الى إحداث عدة تغييرات جوهرية على الخارطة السياسية في منطقة الشرق الأوسط. لقد كانت حرب ايران، التي دامت ثمانية أعوام، مع نظام صدام حسين السني، وما تلاها من أحداث على الساحة العراقية وصعود القطب الشيعي للحكم ، أهم تلك المواجهات. وجاء مثلها، على أثر اجتياح اسرائيل للبنان في بداية ثمانينيات القرن الماضي، تبنيهم لحزب الله في لبنان واعتماده كذراع شيعي واعد وكقوة منظمة عقائديا وعسكريا وموالية بالكامل للنظام الإيراني وقيامهم بتعزيز التحالف مع النظام السوري حتى أن النظام الايراني كان يفاخر بأنهم يحكمون خمس عواصم في المنطقة: طهران وبغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
ولقد عارضت اسرائيل المشروع النووي الايراني منذ بدء العمل فيه وحاولت أن تقوّضه بالتهديد المباشر وبجميع الوسائل والضغوطات، الا أن الايرانيين نجحوا بعد أن توفرت ظروف دولية مواتية بالتوصل عام 2015 الى صيغة اتفاق وقعوه مع الدول الراعية للمفاوضات في مدينة لوزان. لم يصمد الاتفاق طويلا، ليس فقط بسبب معارضة اسرائيل له، بل لقيام دونالد ترامب مباشرة بعد انتخابه لولايته الأولى، بابطاله وترك النظام الايراني يواجه أزمته النووية “بحكمته وحنكته ومكره “، وقيل إن الحرب خدعة.
لن أسترسل بسرد تفاصيل هذا التاريخ رغم علاقتها بما يجري في أيامنا؛ لكنني عدت للتذكير ببعضها لأهميتها ولارتباطها بتداعيات المشهد الحالي وكي نفهم دوافع وخلفيات القرار الاسرائيلي في مباغتة ايران كما حصل يوم الجمعه الماضية. فبعد السابع من اكتوبر 2023 تراكمت مجموعة من الأحداث المفصلية واختمرت ظروف المواجهة مثل: سقوط نظام الأسد في سوريا واستبداله بنظام سنّي حليف لأمريكا ولاسرائيل، وتدمير حزب الله في لبنان وتحييده كقوة ردع وازنة في المعادلات الاقليمية، وتدمير غزة وقوة حماس العسكرية في حرب ابادة وحشية ما زالت جارية في ظل الدراما الايرانية الحالية، وتوصل أمريكا لاتفاق مع الحوثيين يضمن حماية مصالحها، وتحييد شيعة العراق والتزامهم بعدم التدخل بما يجري خارج بلدهم واعادة انتخاب ترامب رئيسا لامريكا. لقد شكلت هذه النهايات/ الانهيارات لحظة اسرائيلية فارقة التقت فيها رغبات نتنياهو الحربية ودوافعه الشخصية والسياسية مع نهم ودوافع ومفاهيم المؤسسة الأمنية والعسكرية وتقديراتها التكتيكية واستعداداتها الميدانية، فصار القرار بمهاجمة ايران ممكنا “وضروريا”. فمتى وكيف ولماذا سقط محور المقاومة؟
ليس من الصعب أن نعد الانجازات التي تحققت لنتنياهو وحكومته جراء الهجوم المباغت على ايران، وأولها تحوّله، منذ اللحظة الاولى لاعلانه، من شخصية خلافية يمقتها الكثيرون ويعتبرونها مخادعة وانتهازية وفاسدة، الى قائد مغامر وقوي يعمل في سبيل تحييد الخطر الأكبر عن اسرائيل، ويحوز، ولو مؤقتا، على دعم معظم من كانوا يطالبون باقصائه عن الحكم واستنفاد اجراءات محاكماته الجنائية.
لقد أدّت هجمة حماس في السابع من اكتوبر 2023 الى خلخلة عدد من المعتقدات الشائعة، وثقة اليهود خاصة فيما يتعلق بقوة الاستخبارات الاسرائيلية وامكانياتها الخارقة وقوة جيشهم الذي لا يقهر؛ ومسّت الهزيمة بسمعة اسرائيل وبمكانتها أمام العالم كله. ورغم كل الجهود التي بذلت في سبيل ترميم ما هدم، بقيت آثار الهزيمة راسخة الى أن جاء الهجوم المباغت عل ايران بنتائجه الصادمة للايرانيين والمبهرة للاسرائيليين ولحلفائهم، فأعاد، ولو مرحليا، للجيش الاسرائيلي هيبته، ولقدرة أجهزة الاستخبارات الاعجاب والتقدير. وقيل إن الحرب خدعة.
يقول البعض اذا انتصرت اسرائيل على الجمهورية الاسلامية الايرانية سيصبح نتنياهو امبراطور الشرق واسرائيل حاضرته ؛ وأقول إن هذا الكلام صحيح للأسف، ولكن كيف يمكن مواجهة هذا الكابوس إذا كان أصحاب القضية نائمين وعاجزين عن فهم واقع وطبائع أعدائهم. فلماذا قررت اسرائيل ضرب ايران في ذلك الفجر، هو السؤال الذي قد يجدون في الاجابة عليه وعلى اسئلة ملحة أخرى، حلا للغز الهزيمة اذا أرادوا. فالاكتفاء بتعليل ما حصل بغرائز نتنياهو النهمة ودوافعه غير كاف وخطأ.
وعلى الذين يريدون منع نتنياهو ، ويجب منعه طبعا، من أن يصير امبراطور الشرق واسرائيل حاضرته، أن يسألوا الأسئلة الصحيحة والملحة وأن يجيبوا عليها أولا. فمتى ولماذا وكيف سقط محور المقاومة هو السؤال الذي لا يجوز إعفاء زعماء الجمهورية الاسلامية ، قائدة محور المقاومة، ومن شبك أياديه بأحزمتهم، من واجب الاجابة عليه والتعامل معهم من خارج دائرة مسؤوليتهم عما حصل، يعتبر خطيئة. وعدم التعاطي مع السؤال ماذا استفاد، بنظرة الى الوراء ووفقا لموازين الربح والخسارة والنتائج التي تحققت على جميع الجبهات، “محور المقاومة” من هجمة حماس في السابع من اكتوبر، يعتبر جرما بحق جميع من سقطوا في تلك المعارك وخصوصا على أرض غزة؛ والتهرب من محاولة فهم ومعالجة ظاهرة اختراق حركات المقاومة وانتشار الفاسدين والجواسيس داخل صفوفها وداخل أجهزتها العسكرية يعتبر خيانة. وعدم مواجهة التساؤل حول هدف الجمهورية الاسلامية الايرانية ودورها ازاء قضية فلسطين كقضية شعب قومية يعتبر تملقا.
أكتب المقاله وصافرات الانذار تدوي في سماء القدس وفي مناطق أخرى داخل اسرائيل.
يملأني القلق والغضب على العنجهية الاسرائيلية ونزعتها المتأصلة للعربدة والاعتداء على الغير من دون أن تجد من يوقفها عند حدود الدم. وأكتب والجميع ينتظرون قرار الرئيس ترامب حول وجهة الحرب القادمة؛ فأمريكا متورطة في الحرب منذ بدايتها ورئيسها يتصرف بتأنّ متغطرس وبنزق يليق بامبراطور مسكون بالنرجسية وبجنون العظمة ولا يقبل أية مزاحمة، خاصة من شخص يشعر نفسه امبراطورا ويحكم دولة لا تقهر، اسمه نتنياهو، فيجعله ينتظر وينتظر، وملايين من البشر ينتظرون بقلق، خائفين تحت أجنحة ليل طويل وبارد، ويعرفون ان الحرب خدعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة