عن معنى الخوف

تاريخ النشر: 14/04/14 | 10:19

بقلم: ب. فاروق مواسي

طلب مني صديق محاضر يعد بحثًا أكاديميًا أن أجيب عن أسئلة تتناول موضوعة الخوف في شعري، وذلك ضمن دراسة يعدها – بالاشتراك مع زميل آخر- عن معنى الخوف في الشعر الفلسطيني.
أجبت يومها بهذه المادة أدناه، وما لبثت أن نشرتها في كتابي “أقواس من سيرتي الذاتية”. ط 2. طولكرم: مطبعة ابن خلدون- 2011، ص 310-313.
…………………………………………………..

عن معنى الخوف

يظل الخوف لدي في أطر ومناح كثيرة، ففي الغزل كان خوفي على حبيبتي وعلى نفسي:

أخاف إن بكيت
أن أحرق التي تخبأت
على مدارج العيون
أخاف إن صحوت
أن أمطر التي تجملت
على معارج الشفاه

من اللقطات أذكر ما قلت لها: ما عاد الخوف سبيلي وسبيلك.

والصحيح أنني لم أصدق هنا، فكثيرًا ما خفت أن يشيع ما بيني وبين هذي أو تلك، أخاف من بيتي، ومن مجتمعي، ومن ذويها، ومن نفسي. وفي هذا الموضوع حكايات وحكايات لا تحكى، لا لسبب إلا لأنني أخاف.

ثم إني وصفت نفسي أخشى الجمال، حتى ولو في سياق غير خوفيّ:

أخاف من الجمال ذرى ووهجًا
ويرميني لقى في كل درب

* * *
أخاف كذلك من الضعف البشري الذي يصيبنا:

كل الأملاك وكل الأفلاك
تدفعها
عند دوار الرأس
وتقايضها من غير ندم

كل الأقوال وكل الأموال
تدفعها
إن عز النوم.

في هذا السياق أذكر أن صديقي الطبيب عبد الرحيم كتاني حدثني أن هناك أشخاصًا استعدوا أن يدفعوا الغالي والنفيس في سبيل ممارسة واحدة.

أما الموت فقد وصفته في حوارية:
هذي الدنيا –لا جدوى تبقينا
بل تبقى مكتظه
بكوابيس الرعب تسمى (موتًا)
ورحى عشوائيه
تلتهم
…….
كم كنا نصغي أو نمضي
لكن رؤوس الأصحاب أراها في مشهد ذعر متصل
رأس حسين مقطوعًا في ذهل
عينين وأسبلتا في لا معنى
في هيهات!
هل هذا رأسي أم رأسك؟!

تنتهي القصيدة في صور الضريح والسفر:

سفر وحدي
سفر وحدك
وحدي….وحدك….
ورد…رهبوت…خبب!

* * *
في القضايا الاجتماعية والسياسية اكتسب شعري طابع التحدي، وإظهار الموقف، حتى لقاء ثمن باهظ وقاس أدفعه بقلقي وأرقي.
لكن خوفي كان من متزمتين في التدين، كنت أظنهم يهددون حياتي، فكان أن غسلت خوفي في قصيدتي”أغسل خوفي”:

قد يكمن لي وجه أو آخر أو آخر
حتى الآخره
وبين حدود الخوف
ممنوع أن….
……
أغسل خوفي في خوف متناه حتى
أنسى معنى الخوف.

* * *
لا أجرؤ على نشر القصائد الجريئة جدًا أو الفاحشة، ولدي دفتر شعر أسميته “المكنونات”، وكيف أجرؤ وأنا أحاضر في كلية معظم طلابها فتيات، بل كيف أنشرها وأنا في مجتمع محافظ، ابن عائلة محافظة، أب لابنتين، وجد لحفدة، وكيف أنشرها وأنشر قصصي هنا وهناك ما دامت لي مكانة اجتماعية، وما دامت العيون تترصدني، وأحيانًا تتهجمني من غير نقطة مثارة؟
بالقليل مما أصرح ثمة دعاوى، فكيف بإفضاء وبوح؟؟!!

أعددت معجمًا بالأمثال الشعبية الفلسطينية ضم الألفاظ الجنسية بدون تحرج، فهل أنشره؟

لا أظن ذلك، إذن فليكن في المخطوطات التي تهدى إلى مؤسسة!

* * *
كنا في السبعينيات والثمانينيات قبل المد الديني الوهابي أو الخميني نجرؤ أكثر، ولا يعاتبنا أحد، فقلت مثلاً مخاطبًا لبنان:

ما بال قراصنة تغتالك تغتال الله؟
فجاءوا يحاسبونني على التعبير في سنوات التسعينيات.
وقلت قصيدتي” خطاب إلى ذات القدرة”، فقالوا لي بعد عشرين سنة من نشرها إنني كفرت، وعلي ألا أعبيد نشرها في طبعة قادمة.
فهل أجرؤ اليوم أن أقرأها أمام متعصب؟!

مع ذلك، لن أتراجع عن نشرها في طبعات لاحقة، ولكن عصرنا المشيخي المتشدد يوجب التحرز.
برغم اعترافي هنا بخوفي فالمعروف عني بين الأدباء والمحاضرين أنني لا أهادن، بل أقول كلمتي التي أراها حقًا بأسلوب وبجرأة، ولا أسكت على مضض ولو على قطع رأسي.
هل صدق ظنهم بي؟ أم لا؟ أدع الجواب لهم!

faroq

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة