حماري يحمل الانتخابات على ظهره.!

تاريخ النشر: 06/04/19 | 11:39

يوسف جمّال- عرعرة

• حماري يسأل: لماذا نهقوا ولم يتَّحدوا.!؟

لفتت حالتي نظر حماري , فقد رآني جالسا على كرسي بباب بيته أضرب أخماس بأسداس. أقلِّب طيات همومي وسواد حالي,
فقال مخترقاً حاجز الصمت الثقيل ,الذي أغرقني في أعماقه:
– إني أعرف ما الذي رماك في هذه الحالة من الكآبة.!
فصرخت فيه بسخرية .. كمن استيقظ من حلم عميق القاع:
– أولاً: – يا حماري- أنت دائما تعرف كل شيء عنّي.. ان كان خارجياً , أم غوص في داخل أفكاري.!
وثانيا: ألا تلاحظ أنك دائما تحشر نفسك , وتدخل في جميع تفاصيل حياتي.!؟ أكملت مؤنِّباً .
– ألستُ أنا – يا صاحبي- رفيق عمرك.. أشاركك أفراحك وأحزانك همومك ومشاغلك.!؟ قال وفي صوته رنَّة من العتاب والمناجاة.
– قلْ ما في نفسك وخلِّصني.! قلتُ وقد بدأت تدخل في إحساسي بوادر نفاذ الصبر .
– أنت تفكر في الانتخابات العامة التي ستجري بعد أيام قليلة.. قال كمن وجد شيئا عظيماً.
– وما شأنك أنت في الانتخابات يا حماري العزيز.!؟ هل تريد ان تصوِّت.!؟ قلتُ مهاجماً.

– أنت تعلم – يا سيدي- أننا نصوت بطريقتنا المتوارثه من قديم الأزمان.. الطريقة التي صوت فيها آباء الديمقراطيه – اليونانيون – وهي طريقه رفع الأصوات: فمن علتْ أصواتهم , وكثُرتْ كانت لهم الغلبة , وطبِّق رأيهم وأخذ برأيهم.
– اتركنا من هذا الجدل السفسطائي, وقل ما أردت قوله. لقد ضاقت بك نفسي ’ولم أعد قادراً على الاستمرار معك.!
– إني أعرف ’أنك كنت تفكر بالأحزاب العربية التي ستخوض الانتخابات.. ومحاولاتها الغير مقنعه , في تبرير عدم دخولها الانتخابات في قائمة واحدة.!
– ليكن .! وما دخلك أنت.!؟
– أريد ان أسوق لك مثلاً , كيف حدث عندنا نحن الحمير. عندما قرَّرت الدولة العلوية , تجنيد الحمير في جيشها , لتنقل عتادها وعدتها الى ميادين حروبها.!
– ماذا كان رد فعلكم يا سلالة الحمير العليَّة.!؟
– اجتمعنا وقرَّرنا إجراء انتخابات في بيننا , ففريق عارض التجنيد, وآخرون أيدوه, وكانت وحدة شعب الحمير في خطر شديد .!
– وماذا فعلتم لتلافي الانقسام – يا حماري – الوحدوي.!؟
– لجأنا الى النهيق .. سلاحنا الديمقراطي السلمي المعتاد.!
– كيف.!؟
– أعطينا كل فريق نوع من النهيق .. فهذا أخذ الغليظ.. وهذا الطويل وذاك المتقطِّع .. وهكذا.. وأعطينا كل فريق مدة من الزمن ليرفع صوته الى السماء, وانتدبنا من بيننا مجموعه من شيوخ الحمير, تسمع كل فريق على حدة , وتقرِّر منه الفريق الأكثر أصواتا.
– أكمل.. أكمل يا حماري.. ماذا حدث.!؟

– حدث لم يكن في الحسبان .. حدثت الكارثة الكبرى , التي مازال شعب الحمير , يعاني منها حتى الآن.!
– اختصر – يا حماري- وقلِّي النتيجة , فلم أعد قادراً على سماع “مطِّك” للحديث.!
– لقد سمع الجيش التركي أصوات الحمير, وعرف مكان تجمعها , فهجم عليها وساق جميعها الى الحرب , وهناك ذاقت الويلات .. قتل التعب والجوع والعطش معظمها , والباقي أصيب بالنار , أو تشتتوا في بقاع الأرض المختلفة.!
– معنى قولك – يا حماري – أنها كانت تستطيع ان تعلن الوحدة بينها دون ضجيج او مهاترات ومناورات.. وبذلك “تسلم” من الطغيان التركي.

• حماري يسأل عن الورقه الرابحه.!

وقبل ان “أنشل” نفسي ,من براثن كلام حماري الفيلسوف, رمى لي طعم آخر كي يحتفظ بي مدة اخرى.
– هل تريد ان تسمع قصة أخرى, حدثت مع جدك وجدي.!؟ سأل مستغلاً ضعفي اتجاه أخبار أجدادي.
– إبدأ بقصتك حالاً.. أنت تعلم أنني لا أستطيع ان أبقَ في “حضرتك” لوقت طويل.

ركب جدك سالم العبقري حماره, والذي- كما تعلم – هو جدي حمار بن كرار الحميري, واتجه كعادته الى مكان صندوق الانتخابات في البلد.. وكان يعلم ان “سمسار” الأصوات ينتظر في ساحة مكان التصويت, حيث كان يضع في يده ورقتين:

الأولى – مكتوب عليها حروف لا يفهم معناها,
والثانية – ورقه “أم العشرة” أي عشر ليرات, التي كانت كنزاً ينتظره الناخبون كلَّ أربع سنوات..
وفي الطريق كان جدك يستحث جدي الحمار للإسراع , بهدف الوصول الى الصندوق قبل نفاذ “أمهات العشرة”, وكان يصرخ به حا..حا..حا..
وأنت تعلم ان جدي كان “ملعوناً” مثلي.. فسأل جدك:
– “لِمَ كل هذه العجلة..”!؟
– أنت تعلم أيها الحمار اللئيم.! قال جدك مهدداً.
فقال جدي “حمار بن كرار”: أنا أدلك على سمسار أفضل من سمسارك هذا .. إنه ينقِّط ” أربع أمهات العشرة”.! قال ولسانه يقطُر خبثاً ولؤماً..
– “ناولني” إياه.! قال جدك .. وقد بدأ لعابه يتأهب للسيلان.
فمشى به جدي الى باب آخر, مشترطاً عليه أنهما عندما يصلان الى هذا الباب, ان يبدأ جدك سالم بالصراخ “حا..حا..حا..”!!
وعندما وصلا, تقدَّم رجل منهم , بعد ان سمع كلمة السِّر .. حا ..حا , ووضع في يد جدِّك خمس ورقات – واحدة عليها حرف جديد, والأخريات أربع من أمهات العشرة, فرجع جدك غانما رابحاً.
– أتدري – يا سيدي- من هم أصحاب هذه الأوراق التي كانت “تسقط” في يد جدك.!؟ قال متشفِّياً.
– لا..لا.. لا أعرف .! قال جدك يهمس من استيقظ من ضياع عميق.
– الورقة الأولى كانت لحزب( مباي), أبو حزب العمل, وكانت حروفها “اي” والورقة الثانية كانت لحزب (حيروت), أبو حزب الليكود اليوم.. تذكرها جدي عندما سمع جدك يصرخ به حا..حا.. إذ كان حرفها الحرف “ح”.

– هل يوجد من يشتري الضمائر, يا حماري الفهيم , في هذه الأيام .!؟ سألته كي أعرف , إن كان على دراية ,بما يحدث في هذه الأيام.
– نعم – يا صاحبي- يوجد الكثير ولكن الحروف تغيَّرت وأوراق اللعبة تغيَّرت, وطرق الدفع تغيَّرت.. ودخل لاعبون جُدد الى الميدان, واختلط الحابل بالنابل.
– والآن هل فهمت ما الذي يشغل أفكاري ’,”ويخربط” دماغي.. ويشتِّت حواسّي.!؟
– نعم – يا صاحبي- “الله يقوم بعونك”..

فهربت من أمامه, وأنا احمل دوامتي في أعماق رأسي, دون ان
أجد لي منها منفذً.

• حماري يطلق بالثلاثة..!!

مررت بجانب صاحبي الحمار بخفه, مغتنما أنه كان يتجه برأسه بعكس باب بيته, لأني كنت في وضع نفسي ,لا أستطيع الخوض معه بواحد من أحاديثه, التي تجعل المستمع ينظر الى نفسه في المرآه, فيرى أشياء كان يهرب منها , او لا يشعر بها حقا .
ولكن” راح عن بالي” ان مكان وجود عيون الحمير ومبناها , تجعلها تستطيع ان ترى خلفها .. نعمه أهداه إياها الخالق .
فرآني وبادرني بسؤال, أراد من ورائه ان يقبض على خناقي ,ويمنعني من المرور به , دون “تحرُّش” منه فبادرني بالسؤال :
– ماذا قرَّرت ان تفعل …؟
– بماذا .!؟ أجبته بسؤال أردت منه , استعجاله في إنهاء مهمته .
– بالانتخابات .. هل قرَّرت ان تصوت .!؟

6

– ألا تعلم ” يا حماري الفهيم ” ان سرِّية الانتخابات حق مقدَّس.!
– يبدو أنك لم تفهمني – يا صاحبي – أردت ان أسألك هل تريد ان تصوِّت من حيث المبدأ.!؟
– انه لأمر البتُّ فيه بالغ الصعوبه والتعقيد .. ولم أقرِّر حتى الآن .!
– أنا أقدِّر مقدار صعوبة القرار .. ولكني سأحدثك عما حدث لجدي حمارويه بن جحشان وزوجته طيبة الذكر آتان بنت حماريه القبرصي, عندما كانت واقفه على سُلَّم ,فأراد زوجها التخلص منها . فصرخ بها :
إن وقفتِ طالق , وإن نزلت درجة طالق ,وإن صعدت درجة طالق .!
– بربك ماذا فعلت جدتك كي تنقذ نفسها !؟ قلت استعجلته بالنتيجه .
– لقد رمتْ بنفسها بكل قوتها عن السّلم, الى جانب المكان.! قال بحسره .
– ان ردَّ فعل جدتك حماره بنت حمارويه, دلَّ على ذكائها وحسن تصرفها .!
– ولكنك لم تسألني : ماذا حدث لها بعد ان رمتْ بنفسها !؟
– انقذت نفسها واحتفظت بزوجها وعاشت معه بسعاده وحب .
– ” يا ريتْ وقعتْ في بئر كان بجانبها وغرقت فيه .! قال وقد بدأت شهقات النحيب ترافق دموعه .!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة