أللهم!
تاريخ النشر: 24/07/18 | 14:00سألني صديق عن الميم في نهاية لفظ الجلالة= أللهم.
..
لفظ الجلالة (الله) إذا سبقها (يا) – حرف النداء تكون الهمزة فيه قطعًا على الأغلب، فنقول: يا ألله، وغالبًا ما يحذف حرف النداء ويُعوّض عنه بميم مشددة مفتوحة، فنقول: “أللهمَّ ارحمنا!”- للدلالة على التعظيم والتفخيم.
ولا يجمع بينهما= “يا أللهم” إلا في الضرورة.
ملاحظة: “اللهم” لا توصف، وأما ما ورد في آية {قل اللهمَّ فاطرَ السموات والأرض}- الزُّمَر، 46 فهو على أنه نداء آخر- أي قل اللهم يا فاطرَ السماوات.
..
قد تستخدم (أللهم) لتمكين الجواب في نفس السامع، فإذا قال لك أحدهم: “أنت مخلص للوطن” تجيبه “اللهم نعم”.
وقد تستعمل بمعنى القلة، نحو: “أنا أكافئك أللهم إلا إذا قصّرتَ”.
أو الاستثناء: “أحترم الناس أللهم إلا البخيل”. والمنادى في هذه الأمثلة الثلاثة الأخيرة لا يقصد به النداء، فـ “أللهم” هنا جملة ندائية اعتراضية لا محل لها من الإعراب، وكأنه يقول “أستغفر الله” في جملة اعتراضية. والمقصود بذلك هو الاستظهار باسم الجلالة لإثبات وجود الاستثناء.
ولكن يظل الإعراب كإعراب المنادى، وهو:
أللهم: لفظ الجلالة منادى مبني الضم في محل نصب، والميم عوض عن “يا” النداء.
..
قلت إن الجمع بين (يا و أللهم) نادر في الشعر، ومنه ما قال الراجز:
وما عليك أن تقولي كلما *** صليت أو سبحت يا اللهما
أردد علينا شيخنا مسلما
(وشيخنا: أراد أبانا).
أو قول أبي خِراش الهُذَلي:
إني إذا ما حدثٌ ألمّـا *** أقول يا اللهم يا اللهما
..
« والشاهد «يا اللهم» حيث جمع بين حرف النداء، والميم المشددة، لأن الميم جاءت عوضًا عن ياء النداء، ولا يجمع عادة بين العوض والمعوض منه. قال ابن مالك في ألفيته:
والأكثر “اللهم” بالتعويض *** وشذ “يا اللهم” في القريض
..
رأى بعضهم بأنّ الميم تكون علامة للجمع، لأنّك تقول: (عليه) للواحد، و(عليهم) للجمع، فصارت الميم في هذا الموضع بمنزلة الواو الدالة على الجمع في قولك: (ضربوا) و (قاموا) فلمّا كانت كذلك زيدت في آخر اسم الله تعالى لتشعر وتؤذن بأنّ هذا الاسم قد جُمعت فيه أسماء الله تعالى كلّها. فإذا قالَ الداعي: “اللهُمّ”، فكأَنّه قال: يا الله الذي له الأسماءُ الحُسنى. وبذا يكون استغراقه لجميع أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته، فلا يجوز أنْ يوصف لأنها قد اجتمعت فيه.
..
ورد لفظ الجلالة (الله) في القرآن 2550 مرة، ووردت (لله) 149 مرة.
أما (أللهم) فقد وردت خمس مرات، وذلك في الآيات:
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ}- آل عمران، 26.
{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ}- المائدة، 114.
{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً}- الأنفال، 32.
{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ}- يونس، 10.
{قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}- الزُّمَر، 46.
..
لم يرد (اللَّهُمَّ) في القرآن إلا بهذا المعني فقط (يا الله)، أما سبب تأخير الميم فيقول محمد صالح العثيمين أن الميم أُخرت في لفظ الجلالة (اللَّهمَّ) تيمنًا بالبداءة باسم الله.
لماذا يقول ذلك؟
لأنه يرى ألا تجعل بينك وبين اسم الله أي لفظ إذا دعوته، حتى ولو كان ذلك اللفظ (يا النداء)! ولذلك لم يقع النداء بصيغة (يا الله) في القرآن مطلقًا، وهذا الرأي يوافق قوله تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}- البقرة، 186، فحُذفت ياء النداء حتى يتحقّق هذا القرب الذي تتحدّث عنه هذه الآية الكريمة شكلاً ومضمونًا، فتبدأ الدعاء باسم الله مباشرة (اللَّهمَّ)!
وبذلك كان من الأدب مع الله عزّ وجلّ إسقاط حرف النداء “يا” في الدعاء بما يشعر بقرب المنادَى سبحانه.
(من المصادر)
ب. فاروق مواسي