مرايا الأسر

تاريخ النشر: 28/07/16 | 6:26

قرأتُ كتاب”مرايا الأسر”للكاتب حسام كناعنة من عرابة الصادر عن
دار “فضاءات للنشر والتوزيع” الأردنية وهو يحوي في طيّاتِه 232 صفحةً.

حسام أسير أمني محرّر قضى في الأسر عشرة أعوام ونصف وهذا إصداره الأول وهو قصص وحكايا من الزمن الحبيس كتبها داخل القضبان.
أدبُ السجون هو نوعٌ من أنواعِ الأدب يُعنى بتصويرِ الحياةِ خلفَ القضبان، يناقش الظلمَ الذي يتعرض له السجناء، والأسباب التي أودت بهم إلى السجن، حيث يقوم السجناء أنفسُهم بتدوين يومياتِهم وتوثيقِ كلَّ ما مرّوا به من أحداثٍ بشعةٍ داخلَ السجن.

وأخطر ما في السجن أن تفقدَ احترامَك لذاتِك، لأنك إن فعلت، صارت رقبتُك بيد جلادِّك، وصرت تتقبّل منه الصفعة في وجه الكرامة على أنها قبلة في خدّ الرضى.

«شرق المتوسط» للروائي عبد الرحمن منيف، تعتبر أول رواية عربية تنتمي لأدب السجون، وبفضلها تجرّأ الكتّاب على التطرّق لهذا النوع من الأدب، حيث تلاها سيل من الروايات التي تُصنَّف تحت أدب السجون. تناقش الرواية الاعتقال السياسي، والقمع في الدول العربية دون تحديد أسماء أو مدن، لذلك كل عربي يقرأ هذه الرواية أياً كانت جنسيته، يشعر وكأنها تتحدث عن بلده، فالقمع هو الشيء الوحيد الذي يجمعنا، علامة عربية فارقة مطبوعة على جبين كل المدن، معلّقة على أبواب البيوت، موجودة في كل مكان، في الشوارع، البيوت، الغرف، وقد تجدها في جيوبنا أيضاً.

الكتاب يصوّر معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وعزلتهم عن العالم الخارجي خلف القضبان بكاميرا حسام ونظرته الثاقبة.

“نعم، كانت معنوياتنا قد نزلت إلى الحضيض، وكانت أغلى أمنياتنا هي أن نموت ميتة فجائية تقينا أهوالَ الاحتضار الطويل البطيء الذي كان فيه السجين ينقلب إلى جيفة مهترئة يتكالب على نهشها البعوض والذباب وأنواع لا حصر لها من الحشرات الطائرة والزاحفة “. هذا ما كتبه أحمد المرزوقي في روايته» تزممارت، الزنزانة رقم 10 » والذي يروي معاناة 18 عاما داخل سجن “تزممارت” لتورطه في محاولة انقلاب ضد ملك المغرب الحسن الثاني، فشلت المحاولة وتمت محاكمته عسكرياً، وترحيله إلى سجن “تزممارت” وهناك تلقى أشد أنواع العذاب. الرواية مؤلمة جدًا، ومن ضمن المواقف المؤلمة التي يتعرض لها الكاتب، أن يوضع في قبر مظلم، ويُعطى الفتات والماء المُلوَّث طيلة 18 عامًا، لا يرى أحدا ولا أحد يعلم بمكانه!!! ما يتنافى مع قوله تعالى عن الأسرى في كتابه العزيز: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} . [الإنسان: 8].

حقًا : ليسَ على هذه البسيطة مخلوقٌ أشدُّ قسوةً وهمجية من الإنسان !
كتب حسام الكتاب عن السجن وهو داخله، فصوّر حياة السجين ويومه على امتداد مئة وأربعة عشر مشهدًا بانوراميًّا، صوّر حياته وحياة زملائه الأسرى اليوميّة.

«تلك العتمة الباهرة»، رواية أخرى تتحدث عن معتقل “تزممارت”، تروى مأساة أحد السجناء الذين تورطوا في انقلاب الصخيرات، وهو السجين عزيز بنبين، الذي قضى عامين في السجون المغربية، ثم نُقل إلى جحيم تزممارت ليقضي فيه 18 عاما آخر و يوثّقها هذه المرة طاهر بن جلون، فبعد خروج عزيز من سجنه ذهب إلى بن جلون وأدلى بوجعه ومأساته له، طالباً منه توثيق هذه الأحداث بقلمه، وبالفعل جسدها جلون بشكل لا يُصَدق ومن شدة تأثر جلون بما حدث لعزيز، ذكر أنه كان يرتجف ويتصبب عرقاً وهو يكتب الرواية، وكانت تعتريه لحظات من البكاء الهيستيري جراء الآلام النفسية التي تعرض لها عزيز ومن معه، وهذا ما حدث لي عند قراءتها.

بلغته السهلة الانسيابيًة وأسلوبه نجح حسام بتصوير واقع الأسير، يومياته، تخبُطاته، هواجسه، أفكاره، تساؤلاته، أمنياته، مشاعره، قلقه، ترقُّبه وانتظار يوم الإفراج والحرية.

«يا صاحبيّ السجن» للروائي الأردني أيمن العتّوم، والتي يروي فيها الفترة التي قضاها في سجون الأردن في مطلع التسعينات، رائعة إلى حد لا يوصف، وأكثر ما يميزها هو أن الكاتب قام بتقسيم الرواية لفصول، وقام بتسمية كل فصل بآية من آيات القرآن الكريم، ولا أبالغ إن قلت أن الرواية تجعلك تشتهي السجن ولو ليوم، ليس لرفاهيته بالتأكيد، وإنما لروعة الخلوة بالنفس التي صوّرها الكاتب بإبداع!

يقول جلال الدين الرومي: «كم هم سعداء أولئك الذين يتخلصون من الأغلال التي ترسخ في حياتِهم».

في روايته «القوقعة» جسّد لنا مصطفى خليفة قصة سجنه وتعذيبه طوال 13 عاما في السجون السورية، بعدما تم القبض عليه في مطار سوريا أثناء عودته من فرنسا، وظل طوال هذه السنين يُعَذَّب بكافة أنواع واشكال ومفاهيم التعذيب، النفسية والجسدية، دون أن يعرف التهمة الموجهة إليه ومن المضحك حقاً أن مصطفى خليفة (المسيحي) تم سجنه بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين.

يصوّر حسام في قصصه وحكاياته معاناة الأسير اليوميّة، دخوله الأسر وتأقلمه مع زملائه الأسرى، حالة التشرذم والصراعات الفئوية والتنظيميّة بين فصائل المقاومة، مشاكل وصعوبات زيارة الأهالي، التواصل مع العالم الخارجي، التغذية داخل القضبان، أزمة العلاج الطبّي وشتى وسائل التعذيب النفسية والجسديّة التي يتعرّض لها الأسير.

إنه لكتاب جدير بالقراءة على أمل الإفراج عن جميع أسرى وأسيرات الحرية في السجون.

المحامي حسن عبادي

Untitled-1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة