مسجد قرية كفر عانا قصة جرح لم يندمل
تاريخ النشر: 30/10/13 | 9:00لم يكن اتصالا عاديا ذاك الذي وصل الى "مؤسسة الاقصى للوقف والتراث" من أحد الغيورين على المقدسات الاسلامية في الداخل الفلسطيني، تم التعامل معه بجدية ليتبين أن الحديث يدور عن مسجد في قرية كفر عانا قضاء يافا التي هجّرت العصابات الصهيونية أهلها عام نكبة 48 واستبدلتهم بأناس غرباء وزيّفت اسم القرية العربي بآخر يهودي حتى صار اسمها أور يهودا.
كفر عانا وليس أور يهودا
لم تكن طريق تحديد المسجد بالأمر السهل، دخلنا الى مدينة اور يهودا مرورا بشارع السوق وبالقرب من مخبز المشياح (تسمية عبرية تعني المسيح الدجال)، هناك كان اللقاء مع بداية الحكاية، وصلنا المسجد وكان دون قبة أو مئذنة ، تجولنا في أرجائه وتفقدناه جيدا برفقة الكادر الاعلامي الخاص بمؤسسة الاقصى، فوجدنا مخلفات البناء والكتل الترابية الضخمة قد أحاطت المسجد وكأن في الأفق نية لدى بلدية أور يهودا لهدم المسجد واخفاء معالمه من خلال الكتل الترابية المرتفعة، يقول عبد المجيد اغبارية مسؤول ملف المقدسات في المؤسسة.
تفاجئنا بحجم الدمار الكبير الذي حل بشكل المسجد الخارجي والذي أتى على سقفه فأحدث فيه هوّة كبيرة بسبب عدم السماح بترميمه منذ النكبة ما سمح للامطار بدخوله وزعزعة بنيانه، كما أن التشققات والتصدعات باتت واضحة في كافة جدرانه ما يجعلها آيلة للانهيار بأي لحظة، فضلا على نوافذه ومداخله، حيث قامت بلدية أور يهودا باغلاقها بحجارة إسمنتية الأمر الذي وقف حائلا دون دخولنا الى داخل المسجد في بداية الأمر، غير أننا وجدنا فسحة صغيرة في مدخله فدخلناها وعندها بدأت الحكاية، يضيف عبد المجيد.
حال المسجد
خراب في كل مكان، جدران مصدّعة، حجارة مبعثرة، سقف كأنه جسد نهشته خفافيش الظلام، محرابٌ حجارته على حافة الانهيار وحشائش واعشاب تملئ أرضيته وأوساخ ونفايات ومخلفات خبيثة كانت في كل جانب، مشهد حزّ في قلبي حتى هذه اللحظة يوصف اغبارية.
رأس الحكمة مخافة الله
وعلى الرغم من الدمار الكبير والشامل الذي حل بالمسجد إلا أن الآيات والكتابات الاسلامية التي كتبها من أسسه آنذاك ما زالت قائمة وكان من بينها المقولة الشهيرة " رأس الحكمة مخافة الله " وأخرى تقول "صلي على اشرف الخلق" بالاضافة الى آيات الاسراء والمعراج المرسومة على جدار المسجد الشرقي وفي ذلك رسالة للاحتلال الاسرائيلي واضحة تقول، ما دامت آيات الله راسخة حتى قيام الساعة فان بيوته أيضا ستبقى راسخة، يضيف عبد المجيد اغبارية.
الفن المعماري
ويمتاز مسجد القرية بنمطين معماريين حديث وقديم، ويبدو أن المسجد بني قديماً ثم أضيف اليه، فالقديم يرجّح أن يكون إبان الفترة العثمانية، والحديث فيعود الى فترة ما قبل النكبة، وقد ظهر ذلك من خلال طريقة البناء الاسمنتي والحديد، وتزين المسجد التاريخي بفن معماري عريق وأقواس مقببة، طغى عليهما اللون العثماني، وفي المسجد محرابين، محراب في القسم التاريخي القديم، وآخر في القسم الحديث.
ولفت اغبارية الى أن المؤسسة رصدت وجود المسجد من قبل وذلك خلال مشروع المسح الشامل الذي تجريه على كافة المقدسات في الداخل الفلسطيني ، وقد عاينه المهندسون والخبراء المختصون من قبل، غير ان طاقم المؤسسة لم يحسن الدخول اليه من قبل بسبب الدمار الذي لحق به، لكنه نجح حديثا ولاول مرة منذ النكبة الفلسطينية بالدخول اليه والوقوف على حاله وتفاصيله، علماً أن المؤسسة اكتشفت وتعرّفت على أكثر من معلم مقدس كمسجد أو مقبرة، كان خافياً، من خلال مشروع المسح الشامل.
وخلص عبد المجيد للقول "إن المسجد نموذج صارخ لاصرار المؤسسة الاسرائيلية على طمس الهوية الاسلامية والعربية في بلادنا فلسطين ، فهي تستخدم سياسة الموت البطيئ، فيوم أن قامت باغلاق المسجد بالطوب ومنعت ترميمه فهذا بمثابة حكم اعدام بحقه ، ولكن هيهات هيهات أن نسلّم بالامر الواقع ونقف مكتوفي الايدي بل سنبذل كل ما أوتينا من سبل وإمكانات حتى نعيد للمسجد حرمته وكرامته ".
تاريخ القرية
تقع قرية كفرعانا شرقي مدينة يافا على رقعة مستوية من الأرض، وربما يعود مصدر الاسم إلى قرية عونو الكنعانية. حتى عام 1945 كان عدد سكان القرية ما يقارب 3020، واستوطن بجانب القرية 220 يهودياً. امتلك أهالي القرية ما مجموعة 2214 دونماً مخصصاً للحمضيات والموز، و 11022 دونماً للحبوب، و 597 دونماً مروياً أو مستخدماً للبساتين.
كانت كفرعانا واحدة من مجموعة القرى الواقعة شرقي يافا والتي احتلت في سياق عملية حميتس التي نفذتها قوات الهاغاناه. وكانت الغاية من هذا الهجوم عزل يافا، وتمهيد الطريق أمام الهاغاناه للاستيلاء عليها. وقد نفذت هذا الهجوم وحدات اختيرت من ثلاثة ألوية في الهاغاناه، وبدأت بعد أربعة أيام من هجوم عصابة الإرغون الجبهي على يافا نفسها. ومن المرجح أن تكون كفرعانا سقطت يوم سقوط قرية ساقية المجاورة على يد لواء الكسندروني يوم 29 نيسان أبريل. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر عينت كفرعانا موقعا لإنشاء مستعمرة للمهاجرين الجدد أطلق عليها اسم أور يهودا.