تشاؤلية ابن مالك في قصيدة "يا فاطمة"

تاريخ النشر: 15/04/13 | 4:51

نشرت بقجة قبل يومين قصيدة أخينا الشاعر ابراهيم مالك "يا فاطمة" وهي قصيدة أخرى يكتبها الشاعر لحبيبته مطلعها:

رَأيتُني ذاتَ يَوْمٍ

مُحتمِيًا بجذع ِبَلوطةٍ مُعمّرَة

نزعوا عنها الأوراقَ ذاتَ لَيل ٍبَهيم

فَراحَت تُلملِمُ ما بَقِيَ مِن جُذورٍمُعانِدَة هُبوبَ العاصِفَة .

وفاطمة هي المرأة المثالية التي يحبها الشاعر ويحلم بها، كمال المرأة – الأنثى، الحبيبة، الزوجة، الأم، الشريكة، الرفيقة، …. وعبرها مجتمعة – الوطن. وفي المطلع نرى الشاعر يحتمي بشجرة بلوط معمرة. فالسنديان هو رمز الوجود الفلسطيني، جذوره ضاربة في الأعماق، قوية أو هي رمز لحق الأولوية، الأصلية، والعلاقة بالسنديان ليست حديثة النشوء او غريبة. فالسنديانة هي رمز الارتباط بالارض، حتى لو"نزعوا عنها الأوراقَ"، وهذا ممكن من باب الاعتداء عليها والتجني فقط، لأنها شجرة دائمة الخضرة. وقد يرمز "الليل البهيم" الى فترة معينة محددة او الى كافة الفترات التي خلالها امتهنت حقوق الشعب الفلسطيني، وتم تشريده، وقد تشير الاوراق التي انتزعت الى اللاجئين الفلسطينيين وأما ما تبقى من جذور وساق فإلى الجماهير العربية التي بقيت في الوطن. والتي "َراحَت تُلملِمُ ما بَقِيَ مِن جُذورٍ مُعانِدَة هُبوبَ العاصِفَة" رمزا لصمود الأقلية العربية في البلاد.

وقد رُحتُ أحملُ بيد ٍقِنديل َعَلاءِ الدين

لألوِّحَ لَك في العَتمَة ِببَصيص ِنور

وبالأخرى عَصايَ التي باتت بَعضَ ظِلّي لِتقيني شَرّ السقوط !

في هذا الجزء من القصيدة – المشهد، تظهر مواقف الشاعر الوطنية والفكر الذي تسلح به من أجل الصمود والبقاء، من أجل التعايش، المساواة والسلام، نصرة الحق في إقامة دولة مستقلة وعودة اللاجئين، وغيرها من المواقف الأممية والإنسانية التي تبناها الشاعر وآمن بها. وفي المشهد يدخل الشاعرَ بعضُ الشك بمفهومين: أولهما باستعماله كلمة "بصيص" للتعبير عن ضوء القنديل. وقد يرمز ذلك الى كوننا مجموعة هامشية عدديا، وبحكم ظروفنا، معزولة ومحدودة التأثير. وثانيهما الخوف من السقوط. فالشاعر يعود بنا الى الشخصي، تعبير رائع يصور التحام العصا بالشاعر، ولا أقول الشاعر بالعصا، لقبوله بها، مرغما، على انها جزء لا ينفصل عنه. لكننا نلحظ أيضا تغييرا في موقفه منها، فهي تحولت الى أداة واقية، تمنعه من السقوط. فمن أي سقوط يخاف؟

ومَرّ َبي فَجأة ًوعَلى عَجَلٍ صَوتٌ خِلتُهُ صَوت أمّي

كانَ يَقولُ:

تَمَسّك بحِكمَة ِأَبيك

" فمن سارَ على الدرب مُحاذِرا ً

ومُفكّرا ًحَتما ًوصَل"

هنا أيضا نجد صورة شعرية جميلة ومتحركة! فهل يمر الصوت؟ أم أننا أمام رؤيا؟ فأم الشاعر، وهي جزء من فاطمته، تؤكد انتسابه القديم إلى ناس هذا الوطن. عودة الى جذوره البشرية العميقة كجذور شجرة السنديان! وهل صوت الأم أو طيفها يشكلان مقابلا لجذع البلوطة، يتكأ عليهما، ليحفظ وقفته ويمنع سقوطه؟

في هذا المقطع دلالات مختلفة: فمن جهة نجد استعمالا تراثيا لمثل كله حكمة، يزيد من قناعة الشاعر بأمل الوصول إلى هدفه، إن هو واصل الوقوف، لكن التعديل الذي أجراه على المثل يلمح الى الشك الذي يساوره. فاضافة "محاذرا ومفكرا" تنقص من كمال المثل بذاته. أو قد تكون رمزا/نصيحة لنا بضرورة التجديد، بضرورة إعمال الفكر وإدخال ما يطلب من إضافات وتحسينات الى نهجنا، لنزيد من احتمالات الوصول. فلا نكتفي بالقيام بما اعتدنا القيام به، وهو ما أوصلنا إلى حالنا هذه، سياسة More of the same.

فَرُحت ُفي صحوي

أتشبّث ُبجِذع ِالبلوطة مُتكِئا ًعَلى عَصايَ

مُحاذِرا ًالإنزِلاق َفي زَمَن ِالسُقوط

ومُلوّحا ًبقنديل ِعلاء ِالدين

علّ فيه ِبَصيص ُنور

لأُكحّلَ عَينيّ َبطلعتِك،

فأرى طَريقَ عَوْدَتي

جميل أن نرى الشاعر في هذا المشهد الأخير للوحته، لا زال متشبثا بصموده، ولو بمساعدة العصا، حذرا من السقوط. فإلامَ يرمي ب "زمن السقوط"؟ هل هو زمن سقوط الايديولوجيا؟ أم زمن سقوط الأنظمة؟ أهو الربيع العربي الذي لم يثمر ورقة يانعة أو زهرة نضرة حتى الساعة؟ أم هو زمن اختلاط المفاهيم والرؤى بحيث يصبح السلفي المغرق في الوهابية داعية للحرية والتقدم؟ لست أدري، ولكنه واجس يجب ان يشغل بالنا جميعا.

لكن الشاعر يبقى متشائلا، مستمرا بالتلويح بقنديله، ولو ساوره الشك بوجود بصيص النور فيه، ليرشد فاطمة اليه ويجدا درب عودتهما معا. وهل أمامه/أمامنا من خيار آخر؟

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة