بنية قصة الطفل عند الأديبة غادة سهيل عيساوي

تاريخ النشر: 11/06/15 | 9:02

(عسلية منقذة الخلية) قصة موجهة للطفل العربي عامة والفلسطيني خاصة. . وهي من تأليف المبدعة الفلسطينية غادة إبراهيم عيساوي. . وهي من الحجم الكبير(22×25سم)، ذات إخراج جيد، وغلاف من الورق المقوى المجلد. تزينها رسومات يدوية من إنجاز الفنانة فيتا تنئيل. . و هي موجهة لأطفال المرحلة المتوسطة مشكلة، ومكتوبة بخط 24 عربي مبسط (خط نسخي). . .
وهذه القصة الموجهة للطفل فجرت فينا مجموعة من الأسئلة الإشكالية، التالية:
– هل الكاتبة كانت تضع صوب عينيها أن الكتابة للطفل صعبة وعسيرة لما تتطلبه من فنيات واستراتيجيات؟
– هل اتبعت استراتيجية معينة لكتابة قصتها؟
– إن كانت فما هي هذه الاستراتيجية الكتابية التي اتبعتها لتصل إلى مد الطفل الفلسطيني خاصة، والعربي عامة بهذه القصة الجميلة؟
صحيح أن صعوبة الكتابة للطفل ” تتأتى حسب رأي علماء النفس والتربية من أن الفترات الأولى من حياة الطفل صعبة، إذ ليس من السهولة فهم دوافع الطفل أو سلوكه أو حصر مدركاته، وتوجهاته. إلا أن الكبار قد وضعوا محطات لمساعدة الصغار، ومن هذه المحطات:الأفلام ، الرسوم، ألعاب الدمى، والكارتون” . وهذه الآليات المساعدة تهيئ الطفل لاستقبال القصة وتوسع خياله وتنمي مداركه، وتشكل بدايات ثقافته.
وهي قصة جمعت بين العجائبي والطبيعة والقيمة والفضيلة والأخلاق، والوطنية. . فهي تجمع بين كل هذه التلوينات لاعتبارات عدة. .
فهي قصة الطبيعة لأنها تتمحور حول الطبيعة وكائناتها. لأنها تتحدث عن جمالها أو ثورتها، ووظيفتها وعلاقتها بالكائن الحي. وهي في مضمونها قصص تعليمية لما تنطوي عليه من معرفة عن الطبيعة ومكوناتها يراد تقديمها للطفل، ” وتستعمل هذه القصص كثيرا من قبل المدرسين كوسيلة لتعلم الصغار الحقائق العلمية، وهي بذلك تساعد المناهج المدرسية، وتسعى إلى تنمية مدارك الأطفال وإثراء تصوراتهم وهي تزودهم بقوة التخيل والمشاركة في العواطف وتزيد ألوان الثقافة العلمية عندهم وتعرفهم بالعالم وحياة الآخرين وأثرهم على الإنسان” . .
ونعتبرها قصة الوطنية والقومية لأنها تتغنى ضمنيا بحب الوطن، والمواطنة، والدفاع عن الحمى، والانتماء إلى الوطن.
والوطنية حب الوطن patriotisme والارتباط به، ” أما المواطنة citizenship فهي صفة المواطن والتي تحدد حقوقه وواجباته الوطنية، ويعرف الفرد حقوقه ويؤدي واجباته عن طريق التربية الوطنية” .
والمواطنة citoyenneté هي الانتماء إلى الوطن أو الأمة، وهي:”مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي(دولة)، ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول الولاء، ويتولى الطرف الثاني الحماية، وتتحدد هذه العلاقة بين الفرد والدولة عن طريق القانون” .
والمواطنة والوطنية لهما مكونات تنبني عليها أو تتأسس عليها ، وهي:
– الانتماء:والحقوق والواجبات والمشاركة المجتمعية والقيم العامة.
والانتماء ترتبط به المكونات الأخرى، فإذا كان كانت، وهو الانتساب لكيان معين يكون الفرد متوحدا معه، مندمجا فيه، ويشعر بالأمان فيه.
وهذا الانتماء له أبعاد تكون أركانه ، وهي:
أ- الهوية.
ب- الجماعية:” إن الروابط الانتمائية تؤكد على الميل نحو الجماعية. ويعبر عنها بتوحد الأفراد مع الهدف العام للجماعة التي ينتمون إليها. وتؤكد الجماعة على كل من التعاون والتكافل والتماسك، والرغبة الوجدانية في المشاعر الدافئة للتوحد. وتعزز الجماعية كلا من الميل إلى المحبة والتفاعل والاجتماعية. وجميعا تسهم في تقوية الانتماء من خلال الاستمتاع بالتفاعل الحميم للتأكيد على التفاعل المتبادل” .
ج- الولاء:الولاء جوهر الالتزام الذي يدعم الهوية الذاتية ويقوي الجماعية.
د- الالتزام:حيث التمسك بالنظم والمعايير الاجتماعية، وهنا تؤكد الجماعة على الانسجام والتناغم والإجماع.
ر- التواد:ويعني الحاجة إلى الانضمام أو العشرة. وهو وجه من أوجه التعاطف الوجداني بين أفراد الجماعة والميل إلى المحبة والعطاء والإيثار والتراحم بهدف التوحد مع الجماعة، وينمي لدى الفرد تقديره لذاته، وإدراكه لمكانته.
ص- الديمقراطية:هي أساليب التفكير والقيادة. . .
وكل هذا يتجلى في موقف ملكة النحل وموقف عسلية والشغالات عندما ألمت بالخلية ملمة كادت تعصف بها. .
ويمكن اعتبارها قصة القيم والفضائل لأنها تحمل قيمة اجتماعية و خلقية، كما تنمي فضيلة من الفضائل التي يحث عليها ديننا الحنيف، كالإيثار والتعاون، والإحسان، والبر، والعفو عند المقدرة، والاعتراف بالجميل، والرفق بالحيوان، والصدق، والعدل، والمحبة، إلى غير ذلك من الفضائل الكريمة.
ويمكن اعتبارها قصة عجائبية لما تحمله من سرد تعجيبي، ومواقف غرائبية. . . ويتجلى ذلك في المجادلة التي وقعت بين الشغالات والذكور داخل الخلية. . . ويتجلى أيضا التعجيب في الحدث نفسه. . .
كما يمكن اعتبارها قصة أطروحة أي قضية. . لما تطرحه من أفكار الغاية منها إعطاء صورة عن عالم مجهول. . وهذا الطرح لا يخلو من تعليمية. . . وهذا يتجلى في المحاججة التي وقعت بين الشغالات والذكورن فكل طرف طرح استمع لأطروحة الطرف الآخر وقدم نقيضاها. . . وبالتالي كانت محاججته يهدف منها نفي التهمة، والإقناع والتأثير الذي جوهره الإفهام. . والتوافق. . .
كما أن(عسلية منقذة الخلية) تجمع بين القصة والحكاية. . فهل هناك فرق بين القصة والحكاية؟.
القصة تكتب للطفل وتوجه إليه، وتراعي قدراته العقلية وعمره الزمني ومراحل نموه، وميوله ومواقفه واتجاهاته. وتعتمد على الحدث والشخصيات والحبكة، واللغة والخاتمة.
أما الحكاية ، فهي تقوم على الحدث وشخصيات وزمان مطلق ومكان غير محدد. بسيطة في أحداثها وأفعالها، وتعتمد على الحكي والقص التقليدي.
ويؤكد الدكتور عبد الوهاب محمود علو بأن القصة هي شكل متطور للحكاية الشرقية . ويقول ألبرت جورج ، بأن الحكاية” قد جرى العرف على أنها أكثر تركيزا وتضم حدوثة واحدة رئيسية في حين أن القصة Nouvelle تتسم بأنها أكثر تعقيدا وتضم عدة مشاهد” .
1- العتبات النصية:
تقدم الأستاذة غادة إبراهيم عيساوي قصة(عسلية منقذة الخلية)، . وللأسف لا نعرف الدار الصادرة عنها او المطبعة التي قامت بطبعها ، طبعة 2014. وتتكون من 26 صفحة. ذات إخراج جيد، مزينة بألوان متنوعة. وتتخللها صور ملونة. تتشكل قصتها من 64 سطرا. . . ذات نسيج لغوي يتكون من 443 كلمة. . .
– الغلاف:
هو من الورق المقوى الصقيل، وهو عبارة عن لوحة تشخص الشخصية الرئيسة (عسلية) وهي مبتسمة تنظر إلى بقية النحل. . و ليست اللوحة المثبتة في الغلاف هامشا أو مفسرا أو مساعدا على الفهم ، وإنما هي في الأصح غوص ومشروع قرائي أولي للنص، هي مدخل للنص ومساعد على الفهم.
في أعلى الغلاف يوجد العنوان(عسلية منقذة الخلية) بلون برتقالي وخط عريض لافت للانتباه. . أسفله جهة اليمين يوجد اسم المؤلفة واسم الرسامة منفذة صور القصة ولوحاتها. . . لكن اللافت للنظر، هو أن الغلاف يخلو من أي تحديد أجناسي. . ولا للمرحلة العمر الموجهة إليه القصة. . .
– العنوان:
العنوان كما يعرفه ليو هوك Léo Hockهو:” مجموعة من الأدلة اللسانية التي يمكن أن تعتلي النص، والإشارة إلى محتواه العام، وإغراء الجمهور المقصود” . وهو الوجه الذي نتعرف به على النص، ونلجه من خلاله. فهو يفتح شهيتنا للقراءة، ويغرينا بالسفر في ثنايا النص، واكتشاف أغواره. كما أنه يمدنا بالدهشة واللذة الأوليتين لولوج عالم النص.
ويتخذ العنوان أهميته عندما نربطه بالنص، فتصبح له دلالات وإيحاءات تفسيرية وتعليلية لوجود العلاقات الجدلية بينه وبين هذا النص، بل هو نص واصف للنص (نص مواز) مادام يحكي عنه بطريقة دلالية.
والعنوان الذي اختارته الأستاذة غادة إبراهيم عيساوي، هو(عسلية منقذة الخلية)، وهو عنوان إخباري. . . ومن خلال هذه الجملة الخبرية نستشف الهدف التعليمي والتربوي. . الخفي. . أو الضمني.
كما أن العنوان هو علبة سوداء تختزن دينامية نص ومحتواه في ثلاث كلمات(عسلية+ منقذة+ الخلية). فهو عنوان يلخص القصة كلها. . ويوحي بأن الخلية (الذات المنقذَة) تتعرض لأزمة وأن الشخصية عسلية الذات الفاعلة ستقوم بفعل تنبني عليه حياة الخلية كلها. . . فكيف لهذه الجملة الاسمية أن تحمل هذا النص الذي يزيد على 26 صفحة؟.
وعنوان النص يمكن تناوله من زاويتين(تناول مزدوج): خارجي وداخلي. فخارجيا يمكن لنا أمام هذا العنوان استحضار الجانب العلمي الذي يميز عالم النحل. . . وكل ما يتعلق بمجتمع الخلية. . . أو النحلية. . . أما داخليا ، فهو المعنى الدلالي واللغوي الذي تؤديه كلمات العنوان. والذي يمكننا من استخلاص نتيجة هامة، هي أن هذه التعريفات اللغوية (عسلية +منقذة+الخلية) تنم عن تضامن يجمع الخلية وسكانها كلهم. . . الكل يصبح واحدا من أجل إنقاذ الكيان الكله. . ثم يبين مدى التضحية التي يضحيها الفرد عندما يذوب في الجماعة. . فلا يمكن للفرد أن يعيش وحيدا. . لا بد له من كيان يضمن انتماءه وهويته. . ولذا يصبح ملزما بالواجب والحق. . اللذان يدفعانه إلى فعل كل شيء لصالح المجتمع(الوطن).
– ماذا تقول القصة؟:
القصة تنبني على حكاية عجيبة. . . فهي تحكي عن خلية (نحلية) وما يدور فيها من صراع بين العاملات(الشغالات)، والدبابير. . فقد وقفت الملكة على هذا الجدال القائم بين الطرفين، وبينت أن لكل طرف اختصاصاته وعمله. . . لكن عندما تعرضت الخلية إلى أزمة ومحنة، تضامن الكل. . وأمرت الملكة الجميع(الطائفتين) بالبحث عن حل لإنقاذ الخلية. . فتوزع الكل في أنحاء الأرض بحثا عن الرحيق الذي ينقذ الخلية وصغارها. . . وقد استطاعت عسلية أن تجد مكانا غنيا بأزهاره. . . فسر الكل، لأن في ذلك استمرارا لحياة الخلية. . .
وهذه القصة لها بدايتها وعرضها، ونهايتها. . .
1- البداية:: امتدت البداية في هذه القصة من الصفحة 3 إلى الصفحة 7. . . حيت امتدت عبر تسعة أسطر. . . أي من(في مكان كله خضار. . . إلى أجمل وأنشط النحلات في الخلية). . .
2- العرض: ويبدأ من الصفحة 9 إلى الصفحة 23. . . حيث امتد عبر 50 سطرا. . . ويبدأ من (وفي صباح أحد الأيام) إلى(وتلتصق بجسدها حبيبات اللقاح بكل ارتياح). . .
وهذا العرض اعتمد الأسلوب الإنشائي. . . حيث تضمن:
* السؤال:( تقولون إننا بلا فائدة ولا أهمية؟- ما هذه الأصوات؟- لم الخلاف والمشاجرات؟- ما العمل؟).
* النداء:وتضمن العرض أربعة نداءات هي كالتالي:( مهلا أيتها العاملات-هيا أيتها العاملات- يا إلهي، مر أكثر من أسبوع- أيتها العاملات الشغالات، عدن للبحث والعمل). .
* الأمر: ويتضمن (اسم فعل الأمر: هيا- هيا – عليكن). . وفعل الأمر الصريح(عدن)، والمصدر النائب عن فعل الأمر(مهلا أيتها العاملات). . .
3- النهاية:وتمتد عبر صفحة واحدة، هي الصفحة (24)، متكونة من خمسة أسطر. . . أي من ( وعادت عسلية مسرعة) إلى ( وسرت الملكة وعسلية والعاملات وجميع أفراد الخلية). . .
وهذه النهاية نهاية سعيدة. . . . مفرحة. . . وستجعل الطفل يشعر بالانشراح والسعادة لما تحقق للخلية وأفرادها من نجاح. .
– الفضاء المكاني:
الفضاء المكاني في حكاية (عسلية منقذة الخلية) هو الإطار المسيج للشخصيات. ” إن الفضاء في النص السردي هو حاضنة الشخوص والكائنات، والأفعال والأشياء، بل هو هوية من هويات النص التي لا يمكن اختزالها” . والكاتب يتخيل الفضاء الذي سيشكل فيه حكايته، ويشكل فيه منظوره القصصي.
ويتمثل الفضاء في (عسلية منقذة الخلية) من خلال(الغابة، والخلية وضفة النهر). واللافت للانتباه أن الحكاية الشعبية يحضر فيها فضاء الغابة بشكل كبير. فهي مثل البحر تشكل المجهول، والعالم الخفي المترامي الأطراف، والمليء بالمخاطر والمغامرات. فيها تنقلب حياة الشخوص من حال إلى حال.
وفي (عسلية منقذة الخلية) نجد فضاءين متناقضين:الأول مغلق وهو الخلية والثاني مفتوح هو الغابة. فيه تتخفى الأحقاد والخلافات، ويمارس فيه التعاون والتضامن والعمل كيد واحدة من أجل إنقاذ الوطن(الخلية) ، وفيه أيضا تنفتح نهاية الشخوص نحو سعادة دائمة، أو نهاية دامية وحشية.
وهذا الفضاء رغم أنه لم تعمل الكاتبة على تفصيله وتوضيح أبعاده، لأنها كمربية ومبدعة تعرف أن الطفل لا يهتم بالفضاء أكثر مما يهتم بالأفعال والأحداث والوقائع والبطولات.
فضاء الخلية يعرف تحولا جذريا. أولا: بحضور الملكة التي تراقب كل ما يجري في الخلية، وتعمل على تشجيع وتحفيز أفرادها، كما انها تسهر على تدبير شؤونها. . وقد استطاعت بحكمتها ومراسها وقوة شخصيتها أن تزيل الخلاف الذي كاد يزلزل أرجاء الخلية عندما شب نقاش بين العاملات والذكور حول أهمية منها في سلامة الخلية وحياتها. . وبينت لهم ان لكل واحد دوره داخل الخلية. . . كما استطاعت بتدبيرها وإشرافها أن تدفع بأفراد الخلية إلى المثابرة والبحث لإنقاذ الخلية، وأن تتضافر الجهود من أجل البحث عن الرحيق لعيش الخلية. . .
كما أن الغابة كفضاء مَثَّل الحقيقة. ومكان تم فيه تحصيل الأمان والاستمرارية للخلية. . وقوى روابطها ، وأعلى هويتها. ففي هذا الفضاء / الغابة تشكل بل تقوى الجانب الروحي والوجداني والاجتماعي لكل أفراد الخلية. وكانت دوام السعادة والوئام والأفراح. . .
والكاتبة غادة عيساوي، اعتمدت في تعبيرها عن الفضاء في خطابها الحكائي الموجه للطفل باستعمال تقنية تتكون من أربع وسائل، هي:
1- اعتماد الظروف المكانية مثل (بين- فوق- خلف- طرف- ).
2- اعتماد الجمل الدالة على الوجهة والجهة المكانية (في مكان كله خضار- ثمار على الأشجار- وضع أحد التجار خلية نحل على طرف أحد الأنهار- في موضع بعيد- قامت بجولة في الخلية).
3- كلمات تدل على المكان (مكان- الأنهار- موضع- الخلية- عيون سداسية- البرية –الأرجاء- الاتجاهات- ).
4- استعمال اسم المكان(موضع- مملكة).
والكلمة المكانية التي تكررت كثيرا في (عسلية منقذة الخلية) هي (الخلية)، والتي تكررت 13 مرة، وذلك لأهميتها في إبراز الأحداث ومجرياتها التي عرفتها الخلية.
ويؤكد الأستاذ عبد الهادي الزوهري أن هذا التنوع في الفضاءات يستجيب لإحدى خاصيات بناء الحكايات الشعبية. فقد ينتقل البطل من مكان إلى مكان آخر بكلمات قليلة، والوقت يمضي سريعا في الحكايات الشعبية. والمكان الزمان في القصص الشعبية ليسا محددين .
ويجب ألا ننسى الإشارة إلى أن صورة الغلاف تساهم بدرجة كبيرة في تجلية الفضاء الذي تدور فيه الأحداث. . . .
– الزمن في (عسلية منقذة الخلية):
الزمن في (عسلية منقذة الخلية) زمن مطلق، غير محدد. وذلك راجع إلى أن الكاتبة تعرف أنها تكتب للطفل. وللطفل والطفولة خصوصيات. فإدراك الزمان ومدلوله ما زال لم يصل نضجه الكامل عند الطفل. ولكن رغم ذلك القصة لا تخلو من إشارات زمنية، تتمثل في مجموعة من الألفاظ الزمنية من مثل(في صباح أحد الأيام- هذه الأثناء- موسم الزواج- في يوم عاصف- في الصباح والمساء- آخر النهار- مر أكثر من أسبوع). .
وإلى جانب هذه الإشارات الزمنية. . وظفت الكاتبة مجموعة من الأفعال تتغيى من خلالها تحديد زمان النص القصصي. . . فنجد أن قصة (عسلية منقذة الخلية) تحتوي على مجموعة من الأفعال يوضحها الجدول رقم 1:
من خلال الجدول نلاحظ أن أفعال الحاضر والاستقبال تتضمن الفعل المضارع، والذي بلغ في النص القصصي34فعلا مضارعا. والفعل الأمر الصريح تكرر مرة واحدة ، فأصبح مجموع الأفعال الدالة على الاستقبال هو:36 فعلا.
ومن خلال هذه المعطيات الإحصائية، نستنتج أن الراوي اعتمد على الفعل الماضي، لأنه يتطلبه السرد، وهو فعل السرد بدون منازع. والحكاية الشفاهية تعتمد على الفعل الماضي. و(عسلية منقذة الخلية) قبل أن تكون حكاية مكتوبة ، هي حكاية في أصلها شفاهية. و” عامة النصوص السردية التقليدية تقع في الماضي، إذا كان الراوية في مألوف الأطوار إنما يحكي ما وقع للشخصية أو الشخصيات في الزمن الماضي أساسا، وذلك على الرغم من أن بعض الأحداث قد يقع في الحاضر وبعضها الآخر ربما يقع في المستقبل” .
حتى تلك الأفعال المضارعة الموجودة فرغم كونها في الزمن الحاضر وقد تطلبها السياق السردي، فهي تتحدث عن زمن ماض، أو عن حدث قد تم في زمن ماض. فهي مؤطرة بهذا الزمن لأن السياق الدلالي المهيمن على النص يدل على الماضوية، خاصة بعض الأفعال المضارعة في النص القصصي(الحكاية) جاءت مسبوقة (بلم) التي تقلب الفعل من زمن الحاضر إلى الماضي. فهاتان الجملتان (لم تعد العاملات يجدن رحيق الأزهار في البرية- ولم يجدن الرحيق) تدل على الماضي وزمنيته، وبذلك حصلنا على نوع من الماضي – إن جاز لنا ذلك- أو كما في الفرنسية ما نسميه بالماضي le passé وفروعه الثلاثة:الماضي البسيط، والماضي البعيد، والماضي القريب le passé simple-le plus que parfait- l’imparfait.
فالزمن الحاضر هنا لا يكاد يكون له أي معنى، فهو كالمنعدم أو كالملغى، وإنما المدار على الزمن الماضي الذي هو المقصود بالسرد .
حتى الاستهلال القصصي ابتدأ بفعل ماض ( وضع أحد التجار خلية نحل) لتبين الراوية زمنية النص وماضويته…
وإذا ما أردنا تصنيف هذه الأفعال ونوعها نحصل على (انظر الجدول رقم: 2) جدول أنواع الفعل في النص القصصي.

ومن حيث التجرد والزيادة، واللزوم والتعدية نحصل على (انظر الجدول رقم 3): جدول الفعل من حيث اللزوم والتعدية والتجرد والزيادة

أما من حيث مشتقات الاسم، نجد (انظر الجدول رقم:4) جدول المشتقات.

أما من حيث الجموع الموظفة في النص القصصي، فالجدول رقم 5 يبين عددها في النص القصصي: (جدول رقم: 5 جدول الجمع)

– علامات الترقيم:
والنص القصي (عسلية منقذة الخلية) يتضمن مجموعة من علامات الترقيم وهي انظر جدول رقم: 6 جدول علامات الترقيم
من خلال الجدول يتبين ان الفاصلة هي أكثر العلامات حضورا في النص القصصي (عسلية منقذة الخلية). . . وهي تعطي للصوت انخفاضه، وانحداره، لانطلاقة صوتية جديدة مكملة لسابقتها. . . .

– الشخصيات:
الشخصيات في القصة الموجهة للأطفال ثلاثة أنواع:شخصيات بشرية، أو شخصيات حيوانية، أو هما معا.
1- الشخصيات البشرية:القارئ /المتلقي يلتقي في القصة الموجهة إليه بمجموعة من الشخصيات، يتعرف عليها، ويرافقها طيلة أحداث القصة. فيبدي نحوها نوعا من التعاطف أو الكره. أي أنه يتفاعل معها وجدانيا، وعاطفيا. ولذا على الكاتب أن يقدم للطفل شخصيات حية، لأن هذا الأخير يريد أن يراها وهي تتحرك، وأن يسمعها وهي تتكلم .
فالشخصيات في قصص الأطفال هي شخصيات حية ، تلعب دورها الهام. ويعتبرها الطفل نموذجا يحتذى. كما يمكن أنه يثير فيه الرفض والتقزز. فالطفل في هذه المرحلة يقلد ويتمثل ويمتص(يتشرب) الشخصيات وسلوكها وقيمها ويتماهى بها. والطفل يبحث دائما عن أشياء يقتدي بها، يرى فيها نفسه، ويحقق من خلالها رغباته وطموحاته. ولا بد للشخصية القصصية من صفات تلبي رغبات الطفل وإلا لن يستطيع التأثير عليه. لذلك فشخصية البطل في قصص الأطفال محور أساسي- كما يؤكد ذلك الدكتور حسن شحاتة- يتوقف عليه اتجاه الأحداث ونوعية الحل ، بل إنه يتوقف على وضوح شخصية البطل وجاذبيتها، نجاح القصة وتوحد الطفل مع البطل ومعايشته” .
وفي (عسلية منقذة الخلية) نجد مجموعة من الشخصيات، يمكن تحديدها في تسع شخصيات، منها واحدة إنسانية أو بشرية وهي ما جاء في بداية القصة ” في مكان كله خضار وورد وازهار، وثمار على الأشجار، وضع أحد التجار خلية نحل على طرف أحد الأنهار، في موضع بعيد عن الأنظار”، والباقي شخصيات حيوانية تتمثل في الملكة والشغالات والذكور وعسلية. . . وقد تكررت هذه الشخصيات في القصة عدة مرات والجدول رقم 7 يوضح عدد تكرارا هذه الشخصيات: (الجدول رقم: 7 جدول عدد تكرارا الشخصيات)

وهذه الشخصيات منها المحورية ، والنامية ، ومنها المسطحة القارة والثابتة. وقد وردتفي الصور المرافقة للنص القصي مأنسنة أي أن الرسامة أعطتها بعض الملامح الإنسانية مثل الشعر والشنب والعينين والأنف والأذنين. . فقد كست عليها بعض الملامح الفيزيولوجية الإنسانية لتقريبها من الطفل، ولإغناء خياله أيضا. . . ومن الشخصيات المحورية، نجد:
1- عسلية: وهي الشخصية المحورية التي تقوم عليها القصة وأحداثها. . وهي شخصية متطورة ونامية. . . تمتاز بصفات حددت صورتها وملامحها. . وقد اعتمدت الكاتبة في تصوير ملامح هذه الشخصية على الوصف والتوصيف. . فنجد أنها تتصف بالذكاء والجمال، والنشاط والجد والعمل. . والبطولة(منقذة)، ” وكانت بينهم نحلة ذكية اسمها عسلية، أجمل وأنشط النحلات في الخلية” (ص:7).
كما تتميز هذه الشخصية بجرأتها، وجهرها بالحق، والدفاع عن أفراد الخلية. . ولا تتوانى في قول الحق دونما خوف أو مماراة ، ” فقالت لهم عسلية:أنتم لا تصلحون للحراسة او لبناء الخلية، ولا لأي عمل له أهمية، ألسنتكم قصيرة فلا يمكنكم امتصاص رحيق الأزهار، وتأكلون طعام الصغار”(ص:10). . كما تمتاز بإصرارها، ومثابرتها وجدها. . . ومبادرتها. . . ” قررت ألا تعود للخلية إلا بعد أن تجد ما يحلو لها من رحيق الازهار البرية”(ص:20).
2- الملكة:وهي شخصية محورية. . تميزت بنموها. . وتطورها. . . وتتصف بقوة الشخصية، والمسؤولية، وحب الآخرين(الخلية وأفرادها). . كما تمتاز بالمحبة والتدبير الجيد، وتحفيز العاملات، وتدبير النزاعات والخلافات وتصريفها. . . تعمل على نشر المحبة والتعاون والإخاء بين أفراد الخلية. . ” أنا أم لجميع أفراد الخلية، ونحن حشرات اجتماعية، نعيش سويا بمحبة وتعاون دون تخاصم أو تهاون”(ص:14). كما تمتاز هذه الشخصية بالمحافظة على القيم ونشرها. . . . والتشاور. . . كما انها تقوم بجولات في الخلية لمراقبة الشغالات وتتبع عملهن. .
3- الذكور: وهي شخصيات ثانوية. . . سطحية لأنها بقيت قارة ولم تتطور في القصة. . . ظهرت بصورة سلبية في القصة وأن لا وظيفة لها إلا النوم ومرافقة الملكة. . . ”
4- العاملات(النحلات/الشغالات):وهي شخصيات ثانوية مساعدة. . . تدفع بالحدث القصصي إلى ذروته. . . وقد قامت الراوية بتوصيفها لتقديمها للمتلقي. . ومن التوصيفات التي نجدها، أنها تتصف بالجد والعمل الدؤوب، والمثابرة، والكد دون كلل. . كما ان وظيفتها انحصرت في البحث عن الأزهار وامتصاص رحيقها، و حراسة الخلية وصنع الشمع، والعسل وإطعام صغار النحل وتهوية الخلية. . ” بدأت الشغالات(العاملات) بالعمل بكل جد دون كلل أو ملل، تطير فوق الأزهار لتمتص الرحيق وتصنع العسل”(ص:7).
” وفي صباح أحد الأيام قامت الملكة بجولة في الخلية، للتأكد والاطمئنان بأن النحل يعمل بانتظام دون استسلام. فرات بعض العملات يحرسن الخلية، وبعضهن يصنعن الشمع والعسل بجدية في عيون سداسية، ومنهن من يطعمن صغار النحل بكل طيبة وحنية ، ومنهن من يقمن بتهوية الخلية. “(ص:9).
– الحوار في( عسلية منقذة الخلية):
استطاعت الكاتبة غادة عيساوي أن توظف الحوار في حكايتها(عسلية منقذة الخلية) لما له من الكمية توفير الحوارية والدرامية في النص. كما أن من خلال الحوار نتعرف على نفسية الشخوص ومشاعرها ورأيها. كما تخرج السرد من رتابته، وتكسر مألوفيته. وهذا ما دفع بسمر روحي الفيصل إلى القول بأنه” لا تختلف قصة الطفل عن قصة الكبير في حاجتها إلى السرد الذي يلخص الحوادث بقدر قليل من الجمل والحوار الذي يوضح طبيعة الشخصيات، وأفكارها، ويعين على نمو الحوادث، ومن المفيد ألا يبالغ الكاتب في السرد فيملأ القصة به، على أن الخلاص الحقيقي من رتابة السرد يتم بواسطة الحوار الوظيفي الواضح القصير الذي يعبر عن معان توضح أفكار المتحاورين وطبائعهم وتدفع الحدث إلى النمو” .
وقد وظف الحوار في (عسلية منقذة الخلية) في موقف واحد، جمع بين عسلية والذكور وبين الشغالات والذكور وبين الملكة وأفراد الخلية.
* الحوار بين عسلية والذكور:” فقالت لهم عسلية:أنتم لا تصلحون للحراسة أو لبناء الخلية، ولا لأي عمل له أهمية، ألسنتكم قصيرة فلا يمكنكم امتصاص رحيق الازهار، وتأكلون طعام الصغار”(ص”10).
* الحوار بين الشغالات والذكور:” قالت الشغالات:نحن العاملات الكادحات، أنشط الكائنات ونستطيع طردكم من الخلية”(ص:12).
* الحوار بين الذكور والشغالات:” انزعج الذكور قائلين: حاسة الشم لدينا قوية، عيوننا كبيرة، وأجنحتنا قوية، لنتمكن من اللحاق بالملكة في موسم التزاوج، وتقولون إننا بلا فائدة”(ص:12).
* حوار الملكة مع الشغالات:” قاطعت الملكة كلامهن قائلة:مهلا أيتها العاملات، ما هذه الأصوات؟ولم الخلاف والمشاجرات؟. . أنا أم لجميع أفراد الخلية، ونحن حشرات اجتماعية، نعيش سويا بمحبة وتعاون دون تخاصم أو تهاون. . هيا كل إلى عمله”(ص:14).
– الصور والرسومات المرافقة للنص القصصي:
الحكاية (القصة) مرفوقة برسوم من إنجاز الفنانة فيتا تنئيل. وهي رسوم تعتمد على التشخيص والتجسيم. . .
وجميع الرسوم ملونة بألوان مختلفة. كما أن لوحة غلاف(عسلية منقذة الخلية) هي نفسها الصورة الموجودة في الصفحة 54.
– مسرحة القصة:
ولوجود الحوار الذي بيناه ، والحركة المتضمنة في القصة والتي مثلتها الأفعال وإيقاعيتها يمكن اعتماد الطريقة الدرامية(المسرحية) في تناول هذه القصة. . . إذ يمكن توظيف النص كمسرحية لمطاوعته المسرحة Dramatisation، فيمكن تحويله إلى خطاب مسرحي قابل أن يستغل في المسرح المدرسي، أي:” إنها توظيف ووعي بمفردات وعناصر العمل المسرحي المادية المجسدة بكل ما يتوفر عليه هذا العمل من إيحاءات وتوليدات ومعطيات خارجية، أي كل ما يتعلق ببنية النص من الخارج. إنها عملية سحب النص من إطار اللغة والسرد إلى مضمار الكتابة الركحية وإخضاعه لسنن أعراف الفضاء الجديد” . فحوارية النص وحركيته. . . ومشهديته ، أي اعتماده على السرد المشهدي التي اعتمدتها الأستاذة غادة ارتقت بدراميته، وحولت علاماته من شفاهيتها، وكتابتها إلى أن تصبح بنية وخطابا تتحقق فيه المسرحة.
ويمكن تقسيم النص إلى ثلاث وحدات: وحدتين خارجيتين و وحدة داخلية، تتم في فضاءات ثلاثة مختلفة. فالوحدة الخارجية الأولى يمكن اعتبارها كخطاب مقدماتي أو برولوج يستغرق صفحة واحدة. . . ويتم في فضاء خارجي، وهو مشهد تاجر العسل وهو يضع خلية نحل على طرف أحد الأنهار. . بالقرب من الأشجار.
ووحدة داخلية، ويمكن اعتبارها النص المسرحي ويشغل 17 صفحة. وقد تم في فضاء داخلي مغلق هو الخلية، ويتكون من مشاهد يمكن حصرها في.
– فرح الملكة باختيار التاجر لهذا المكان الذي وضع فيه الخلية.
– مشهد الشغالات وهن يقمن بأعمالهن داخل الخلية.
– مشهد جولة الملكة في الخلية والوقوف على عمل الكل داخل الخلية.
– مشهد النقاش الدائر بين الشغالات والذكور.
– مشهد تدخل الملكة في إنهاء الخلاف بين الشغالات والذكور.
– مشهد انزعاج الملكة والشغالات عند انعدام وجود الرحيق.
– مشهد إعطاء الملكة الأوامر للشغالات بالبحث عن الرحيق في كل مكان. .
والوحدة الخارجية الثانية فتمت خارج الخلية وبعيدا عن مكان وجودها. . . حيث تتضمن مشهد بحث عسلية عن الرحيق، وعثورها على مكان مليء بالأزهار والأشجار. . ومشهد إخبارها الملكة وكلا من في الخلية بعثورها على مكان غني بالأزهار. . ومشهد سرور الجميع وفرحهم بعسلية التي أنقذت الخلية وصغارها من الموت. .
– التيمات (الموضوعات) التي تتضمنها القصة:
إن لنص (عسلية منقذة الخلية) قيمته التربوية والتعليمية، وكذلك الفكرية والثقافية. وهو يتأسس على فكرة بسيطة في طرحها عميقة في مدلولها. ومن القضايا التي يطرحها النص أو يشير إليها ضمنيا:
– التعاون والتضامن.
– الشعور بالمسؤولية. .
– إلزامية القيام بالواجب. والإخلاص والتفاني في تأدية ذلك.
– التفاني من أجل الآخرين.
– حب الوطن والدفاع عنه.
– الفرح لنجاح الوطن ونجاته من الملمات.
لكن السؤال المطروح هو: لم اعتمدت الأستاذة غادة هذه الطريقة وهي بناء القصة عن طريق المشاهد والصورة ؟لم لم تتوسل إلى ذلك بطريقة مباشرة ككتابة قصة سردية وصفية موجهة للطفل؟.
إن اعتماد الكاتبة لأسلوب المشهد، والصورة ليس عبثا، أو ترفا فنيا، وإنما هو مقصود من طرف الكاتبة. فهي تعرف لمن تكتب. . والمرحلة العمرية التي تقصدها، وهو طفل المدرسة الابتدائية، والذي يميل إلى الحوار، والتمثيل والتشخيص والصور ، واللعب الدرامي(الإيهامي). لذا اختارت هذا الأسلوب والذي لا يختلف عن طريقة تقديم التعبير وتشخيص الحوار كما في المدرسة الابتدائية. فهو أقرب إليه من نص سردي خال من الحوار. كما يمكنه أن يقوم بتمثيل هذا النص وعرضه في أنشطة المسرح المدرسي.
إذن فهي تردم المسافات بينها وبين الطفل أو على الأصح بين الطفل والنص ليكون أحب إليه من النصوص القرائية التي يتعامل معها يوميا في فصله بالمدرسة.
– البناء اللغوي:
إن النص السردي في (عسلية منقذة الخلية) اعتمد السرد والوصف والحوار والمشاهد. . وقد وظف فيه أسلوب الإخبار، و أسلوب الإنشاء بجميع أساليبه. . ويمكن إجماله كالتالي: بجدول رقم: 8 جدول البناء اللغوي

– بنية الخطاب السردي في (عسلية منقذة الخلية):
إن قصة (عسلية منقذة الخلية) تتضمن خطابا قصصيا، يتطلب طرح السؤال التالي:
– كيف قدمت الكاتبة غادة عيساوي هذا الخطاب؟.
إن الكاتبة وظفت راويا لينوب عنها في تقديم الأحداث القصصية. وهو راو عالم بالأحداث وشخوصها، وقد استعمل ضمير الغائب (هي- هو- هن- هم)في تقديم هذا الخطاب. كما استعان بصيغ خطابية منها:
– السرد: وهو الحاضر بقوة في القصة ” بدأت الشغالات(العاملات)، بالعمل بكل جد دون كلل أو ملل، تطير فوق الأزهار لتمتص الرحيق وتصنع العسل”(ص:7).
– الوصف والتوصيف:وقد استعان به الراوي ولكنه بدرجة أقل. . ” في مكان كله خضار وورد وأزهار، وثمار على الأشجار”. بدأت الشغالات(العاملات) بالعمل بكل جد دون كلل أو ملل”. . ” وكانت بينهم نحلة ذكية اسمها عسلية، أجمل وأنشط النحلات في الخلية”. . “نحن العاملات الكادحات، أنشط الكائنات”
– الحوار:وقد استعان به الراوي ليرفع من درامية النص، ويخرج خطابه القصصي من رتابة السرد. وبهذا الحوار كسر تسلسلية السرد. وقد سبق الإشارة إليه. . .
– الإيقاع الزمني في القصة:
إن الإيقاع الزمني للقصة (عسلية منقذة الخلية) يمكن ملاحظته من خلال مقاطع الحكي وتنوعها والتقنيات الضامنة لهذا الإيقاع الموظفة في النص السردي.
ومن التقنيات التي نجد:
* الخلاصة:وتعتمد الخلاصة في الحكي على سرد أحداث ووقائع يفترض أنها جرت في سنوات أو أشهر أو ساعات، واختزالها في صفحات أو أسطر أو كلمات قليلة دون التعرض للتفاصيل . . . ” في صباح أحد الأيام قامت الملكة بجولة في الخلية للتأكد والإطمئنان بأن النحل يعمل بانتظام دون استسلام “(ص:9).
* الاستراحة: وهي تلك التوقفات التي يقوم بها الراوي يقوم بها الراوي ليفسح المجال للوصف والتوصيف وبذلك تتعطل حركة السرد وتتكسر سيرورته، وتسلسليته. . ” في مكان كله خضار وورود وأزهار، وثمار على الأشجار، وضع أحد التجار خلية نحل على طرف الأنهار، في موضع بعيد عن الأنظار” (ص:3).
* القطع:(وفي هذه الأثناء عادت بقية النحلات العاملات متعبات من جمع الرحيق)(ص:10). (وفي يوم عاصف هبت رياح قوية كادت ان تقتلع الخلية)(ص:17). . وقد تمت الإشارة إلى القطع في (وفي هذه الأثناء – وفي يوم عاصف) وهو قطع صريح. كما انه يوجد قطع ضمني الذي يفهم من سياق الكلام، كما في (تسمع الشغالات الأوامر ويطرن مسرعات يبحثن عن الأزهار في كل الاتجاهات، ولكنهن يعدن في آخر النهار خائبات الرجاء)(ص:18).
فبين سماع الأوامر و الطيران والبحث عن الزهور، والعودة زمن ليس بالقصير. إنها فترة زمنية تتضمن فترة البحث والتنقل من مكان إلى آخر والعودة. وقد تجاوزها الراوي حتى لا يكون هناك إطالة وإطناب وإثقال على المتلقي/ الطفل، لأنه في هذه المرحلة يميل إلى النصوص القصيرة.
* المشهد:وهي المقاطع الحوارية التي اعتمدها الراوي، وفيها يتطابق زمن السرد بزمن القصة من حيث مدة الاستغراق. وقد رأينا بعضا منها سابقا. . .
– صيغة الخطاب واللغة الموظفة في الخطاب:
إن الراوي في قصة (عسلية منقذة الخلية) يتكلف بسرد الأحداث وعرضها، ومن ثمة وأمام استخدام السرد تصبح الصيغة الخطابية المهيمنة هي صيغة الخطاب المسرود، وهذه الصيغة الخطابية تتضمن صيغا فرعية أخرى كالوصف والخطاب المسرود الذاتي.
* الخطاب المسرود او المحكي:وهي الأحداث التي يقدمها الراوي مستعملا ضمير الغائب، وفيها يقدم الشخصيات والمواقف والوقائع. وهذا الخطاب المسرود تظهر فيه هيمنة الراوي العليم بكل شيء. إنه راو مطلق الحضورomniprésent ومطلق المعرفة omniscient.
وقد تضمن بداية القصة خطابا مسرودا كما انتهت به أيضا ” وعادت عسلية مسرعةنوارتفع طنينها لتبشر جميع أفراد الخلية، وحين اقتربت بدأت ترقص رقصة اهتزازية، فلحقتها الشغالات وطرن خلفها فرحات مسرورات(ص:24).
* الخطاب المعروض:وهو الخطاب الذي يقوم به الراوي بإثبات أقوال الشخصيات أو خطابها، بدون أي تدخل، وملفوظات الشخصيات بضمير المتكلم، وحواراتها تشكل في القصة خطابا معروضا مباشرا. . ” فقالت عسلية:ززززز واوووو زززززززز. . ما أكثر هذه الأشجار !، وكم اشتقت لهذه الرائحة، إنها رائحة أجمل الأزهار، ممممممم إنها شهية زززززز” (ص:23)
* الخطاب المنقول le discours rapporté:وهو الخطاب الذي يقوم فيه الراوي بسرد أقوال غيره من الشخصيات بطريقته الخاصة . ويتجلى هذا الخطاب المنقول في نقل الراوي للكلام الذي قالته عسلية لنفسهاوهي تزوع الطيران للبحث عن الرحيق. . “. . . وقد قررت ألا تعود للخلية إلا بعد أن تجد ما يحلو لها من رحيق الأزهار البرية” (ص:20).
وقد اعتمدت غادة ابراهيم عيساوي في قصتها على لغة واضحة خالية من وحشي الكلام وغريبه، سهلة، . . وعرضت الأحداث بأسلوب سلس يناسب طفل المرحلة المتأخرة، موظفة الجملة القصيرة، التي غلبت فيها الجملة الفعلية، لتميز الحدث وهو البحث عن الرحيق وإنقاذ الخلية. . .
واللافت للنظر هو أن الكاتبة اعتمدت في كتابتها الجملة المسجوعة، أي اعتماد النغم السجعي وهذا حقق في القصة نوعا من الإيقاعية والموسيقى (في مكان كله خضار وورد وأزهار، وثمار على الأشجار، وضع أحد التجار خلية نحل على طرف أحد الأنهار، في موضع بعيد عن الأنظار)(ص:3). .
وما يميز النص القصصي عند غادة عيساوي، هو اعتمادها على الروابط، الشيء الذي يجعل بناءها يتم بالمشهدية والحركية، والمسرحة، ويمكن تشخيصه، ومسرحته.
وقد وظفت أربعة روابط وهي كما في الجدول رقم 9: جدول الروابط

– البعد القيمي والتربوي والتعليمي في القصة:
صحيح أن كل القصص الموجهة إلى الأطفال هي قصص قيم، وتتضمن رسالة ومجموعة من القيم التي يتغيى الكاتب ترسيخها في الطفل/ المتلقي أو تدعيم قيمة لديه أو تعزيزها أو تنميتها. فكل قصة تتشكل من خطاب قيمي وأخلاقي. . ويطلق القيمي والأخلاقي على كل ما يدل عليه لفظ الخير، بحيث تكون قيمة الفعل تابعة لما يتضمنه من خيرية. فكلما كانت المطابقة بين الفعل والصورة الغائية للخير أكمل كانت قيمة الفعل أكبر، وتسمى الصورة الغائية المرتسمة على صفحات الذهن بالقيم المثالية. وهي الأصل الذي تنبني عليه أحكام القيم، أي الأحكام الإنشائية التي تأمر بالفعل أو بالترك .
ومن هذا المنطلق سنبحث عن القيم التي تتغيى الكاتبة إيصالها إلى الطفل، وضمنتها نصها القصصي. ولتوصيل هذه القيم والأخلاقيات والفضائل، ابتدعت أحداثا من خلاها تجسد هذه القيمة التي ستعزز مكتسبات الطفل القيمية أو تدعمها، أو تنميها أو تصححها، وأحيانا يلجأ الكاتب إلى طرح نقيض القيمة للوصول إلى القيمة المبتغاة.
ويؤكد الأستاذ الدكتور محمد أنقار أن لكل مرحلة عمرية قيمها الخاصة. وللطفل قيمه الخاصة التي يتميز بها، ” فالأطفال يمرون في نموهم بمراحل مختلفة، وفي كل مرحلة يتبنون القيم المرتبطة بها وفقا لما تحدده الثقافة التي يعيشون فيها” .
وتتضمن قصة (عسلية منقذة الخلية) مجموعة من الأبعاد القيمية والنفسية والتربوية والاجتماعية والتربوية. . . ومن الأبعاد التي نتعرض لها بالتحليل:
1- البعد القيمي والتربوي:تضمنت القصة مجموعة من القيم التربوية التي تدخل في تنمية السلوك القيمي للطفل. . وتعزز مواقفه واتجاهاته. . ومن القيم التي نجدها في (عسلية منقذة الخلية):
– أهمية العمل- الاعتزاز بالنفس- التعاون- التضامن- التكافل والاتحاد عند الملمات والشدائد- التشاور والتشاركية، والعمل بالشورى والتشارك- القناعة والرضا- الرضا عن النفس- الجد والاجتهاد- تحمل المسؤولية وحسن التدبير- الاعتراف بجهد الآخرين ودورهم- الاعتزاز بالوطن والدفاع عنه- إصلاح ذات البين، وإزالة الشقاق بين الناس- الإيثار وحب الخير للآخرين- المحبة والوئام- الإصرار والثقة بالنفس والتفاؤل وعدم اليأس.
2- البعد التعليمي/ المعرفي: تتضمن القصة (عسلية منقذة الخلية) توجها تعليميا ضمنيا فالغاية منه تنمية الجانب المعرفي لدى الطفل. . حيث تمده بمعلومات ومعارف علمية تنمي قاموسه ومعجمه اللغوي، وتطور معرفيته وقاموسيتهson encyclopédique cognitive. . كما تنمي جانبه التوثيقي، أو قاموسه الوثائقي documentaire. . . حيث تقدم له الكاتبة غادة عيساوي عالم النحلة. . والحياة في الخلية وأنواع النحل، ودور كل نوع. . وكيفية التواصل. . ودور الذكور. . ودور الملكة. . ولغة النحل المنبنية على الطنين والاهتزاز والرقص. . وصنع العسل. . وتهوية الخلية. .
” فرأت بعض العاملات يحرسن الخلية، وبعضهن يصنعن الشمع والعسل بجدية في عيون سداسية، ومنهن من يطعمن صغار النحل بكل طيبة وحنية، ومنهن من يقمن بتهوية الخلية”(ص:9). . “وعادت عسلية مسرعة، وارتفع طنينها لتبشر جميع أفراد الخلية، وحين اقتربت، بدأت ترقص رقصة اهتزازية، فلحقتها الشغالات وطرن خلفها فرحات مسرورات”(ص”24). . .
هكذا نجد الأديبة غادة عيساوي تقدم للطفل الفلسطيني خاصة والعربي عامة عملا فنيا وأدبيا جميلا لا يخلو من قيمة وفنية. . سيغني لا محالة مكتبة الطفل العربية…

بقلم: الأديب المغربي محمد داني

0

1

2

3

4

5

ללא שם

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة