غاية الـموت أَن يحياك

تاريخ النشر: 14/12/14 | 11:19

ما بالُ دُنْياكَ لا إِثْرٌ وَلا إِثَرُ.. كَأَنَّها رَوْضَةٌ لَمْ يَسْقِها مَطَرُ
وَرَوْحُ قَلْبِكَ مُذْ فارَقْتَها بِدَدًا .. وَريحُ روحِكَ عَصْفًا مَسَّها الْكَدَرُ
وَدونَ وَجْهِكَ أَطْيافٌ عَلى أَثَرٍ .. يُجْلى سُطورًا وَيَمْحو الْأَسَطُرَ الْأَثَرُ
يُجِنُّكَ الْأَثَرُ الْـمَأْثورُ مُحْتَجِبًا .. فَيَجْتَلي حَجْبَكَ الْإِمْلاءُ وَالْخَبَرُ
نَقيضُكَ الْـمَوْتُ لا تَطْلُبْ لَهُ بَدَلًا .. فَلا سَماءَ بِنَقْضِ الْـمَوْتِ تَنْهَمِرُ
فَإِنْ نَزَلْتَ عَلى أَدْنى صَواهِلِهِ .. دَعِ الرَّواحِلَ أَشْتاتًا سَيَنْحَسِرُ
وَتَرْكُضُ الْأُفُقَ الْأَعْلى حَوافِرُهُ .. فَعَنْكَ يَبْحَثُ لكِنْ تيهُهُ قَدَرُ
فَاعْقِلْ هُمومَكَ في أَجْذاعِ غُرَّتِهِ .. وَارْكُضْ جُنونَكَ فَهْوَ الْـمُخْبِرُ الْخَبِرُ
يَجْتَزْكَ غَيْبُ الرُّؤى يَسْتَعْدِ غَيْهَبَهُ .. وَيَجْرَحِ الْوَقْتَ مِنْكَ الْوارِدُ الصَّدِرُ
وَروحُ ريحِكَ عَدْوى قيلَ شافِيَةٌ .. مَنْ نابَهُ وَرَعٌ أَوْ راعَهُ الْوَعَرُ
مَرْقاكَ حِمْلُ مَدًى وَلَّاكَ دالَتَهُ .. مَهِّدْ رُجوعَكَ عَمَّا يَأْنَفُ الْعُمُرُ
فَناهِدُ الْوَقْتِ أُنْثى حَيْثُما خَطَرَتْ .. يَجْلو مَناكِحَها الْإِسْفارُ وَالسَّفَرُ
باتَتْ تُرَتِّلُ أَعْلاها وَأَسْفَلَها .. وَتوقِدُ الشَّبَقَ الْأَوْرادُ وَالذِّكَرُ
وَتَرْفَعُ النَّهْدَ بَدْرًا فَضَّ داجِيَةً .. تُراوِدُ الْأُنْسَ ضَمًّا لَيْسَ يُخْتَصَرُ
حَتَّى إِذا انْتَفَضَتْ فيها زَغائِبُها .. وَاسْتَشْعَرَ الْـمَوْتَ رابٍ ماؤُهُ حَدِرُ
تَكَلَّمَ الْـمَوْتُ عَنْها فَهْيَ صورَتُهُ .. أَوانَ غَيْبَتِها لَمْ يَنْطِقِ الْوَطَرُ
وَاسْتَعْجَمَتْ بَعْدَ إِفْصاحٍ وَقَدْ نَضَبَتْ .. بِحارُ يَقْظَتِها وَاسْتُنْزِفَ النَّهَرُ
نامَتْ وَقامَ عَلَيْها النَّوْمُ حارِسَها .. وَالْحُلْمُ قَبْوٌ جَناهُ الْخَوْفُ وَالْخَطَرُ
يَعْلو وَيَهْبِطُ مِنْها الصَّدْرُ موقِنَةً .. بِأَنْ سَيُثْمِرُ مِنْ نَهْداتِها السَّحَرُ
اَلرُّعْبُ قَلَّبَها وَالْخَوْفُ أَقْلَقَها .. وَلا خَفاءَ لِأُفْقٍ فَضَّهُ النَّظَرُ
يا باقِرًا أُفُقَ الْإِغْساقِ مُبْتَكِرًا .. عَرِّجْ فَفي أُفُقِ الْإِسْحارِ مُبْتَكَرُ
نَمَتْ بِعَيْنِكَ جَوْزاءٌ مَعارِجُها .. مَنائِرُ الْفِكْرِ تُزْجي نورَها الْفِكَرُ
ناءَتْ بِحِمْلِكَ آثامُ الزَّمانِ تُقًى .. وَلَمْ تَزَلْ يَسْتَبيكَ الْـمُنْتِنُ الْعَطِرُ
تُزاوِجُ الضِّدَّ أَضْدادًا تُؤَلِّفُها .. تَقولُ إِلْفَتُها ما مَسَّها كَسِرُ
وَالشِّعْرُ تَشْحَنُهُ مِنْها فَيوقِدُها .. تَغْدو نُجومًا وَعَيْنُ الْفِكْرُ تَنْبَهِرُ
لكِنَّما الشِّعْرُ ماضٍ إِثْرَ زائِرَةٍ .. مَضى بِها الْعَزْفُ وَالْأَلْحانُ وَالْوَتَرُ
تَهْذي، تَجِنُّ وَلا تَرْتاحُ بَيْنَهُما .. كَأَنَّكَ الْـمَسُّ يَحْيا حينَ يُحْتَضَرُ
تَظَلُّ زائِرَها تَأْتيكَ زائِرَةً .. تَسيلُ مِنْ فَمِها الْأَسْفارُ وَالْعُصُرُ
تَأْتيكَ مِنْ أَبَدٍ يَنْسَلُّ مِنْ كَبَدٍ .. تَقَرُّ في لِبَدٍ بِالْحُبِّ تَأْتَمِرُ
تَغيبُ فيكَ زَمانَ الْوَصْلِ مُسْعَرَةً .. تُطِلُّ مِنْ هَمْسِكَ الْـمَقْرورِ تَسْتَعِرُ
تَقولُ: “هِيتَ لَكَ” الْأَزْمانُ موصَدَةٌ .. عَمَّنْ سِوانا وَغالَتْ غَيْرَنا الْغِيَرُ
وَكُوَّةُ الْوَعْيِ وَالْإِدْراكِ غافِلَةٌ .. وَذا الْجُنونُ بِبُرْدِ الْغَيِّ مُعْتَجِرُ
وَالْبُرْد يَكْفي وَلَنْ نَشْقى ثَلاثَتُنا .. ضُمَّ الْجُنونَ سَريعًا فَهْوَ مُنْتَظِرُ
وَهْيَ الْجَنينُ جُنونًا في تَجَسُّدِها .. وَلَيْسَ تُبْصِرُ إِلَّا إِنْ طَغى الْبَصَرُ
وَفي كُؤُوسِكَ أَسْآرٌ لَها امْتَزَجَتْ .. بِخَمْرِ وَجْدِكَ فَاشْرَبْ، خَمْرُكَ السَّهَرُ
وَانْفِ الظِّلالَ إِذا انْداحَتْ مَساقِطُها .. وَاحْيِ الْهَجيرَ إِذا ما أَوْجَفَ الْخَطَرُ
دُنْياكَ دائِرَةٌ شَدَّتْ مَطالِعُها .. عُرى الْخَواتِمِ حَتَّى اغْتَرَّ مَنْ عَبَروا
ساروا بِها الْعُمْرَ وَهْمًا أَنَّهُمْ عَمَروا .. وَفي الْـمَطالِعِ كانَ السَّيْرُ وَالسِّيَرُ
ثَقافَةُ الْوَهْمِ في الْـمَوْتى مُؤَصَّلَةٌ .. وَسَيْلُها عَرِمٌ يُفْني وَيَعْتَذِرُ
ثَقافَةُ الْـمَوْتِ عَنْ مَوْتاكَ صادِرَةٌ .. تَهافَتَ الذَّرُّ يَذْروها فَتَنْتَشِرُ
فَكَيْفَ تَحْصُرُ لِلْمَوْتى شَواهِدَهُمْ .. وَالْأَرْضُ حاصِرَةٌ تُخْفي الَّذي شَهَروا
وَغايَةُ الْـمَوْتِ أَنْ يَحْياكَ ما اتَّقَدَتْ .. بِكَ الْحَياةُ لِئَلَّا تورِقَ الْإِثَرُ
فَاجْمَعْ غِلالَكَ وَاقْرِ الْـمَوْتَ وَجْبَتَهُ .. يَمُتْ، وَتَنْجُ غِراسٌ دَهْرُها ثَمَرُ

محمود مرعي

m7modmr3e

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة